أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة (( لعم )) .















المزيد.....

مقامة (( لعم )) .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 21:41
المحور: الادب والفن
    


مقامة (( لعم )) :

انفرد الأَزهري بتفسير كلمة ( لعم ) , وقال : لم أَسمع فيه شيئاً غير حرف واحد وجدته لأبن الأَعرابي , قال : اللَّعَمُ اللُّعابُ , بالعين , قال : ويقال لم يتَلعْثَمْ في كذا ولم يتَلَعْلَمْ في كذا أَي لم يتمكَّث ولم ينتظر , و(( لعم )) أي قول نعم ولا في الوقت نفسه , ولكن هناك (( لعم )) التي حيرت العراقيين بعد 2003 , اللّعم في زمن القهر والتلعثم , وفي كيفية ألأجابة على أسئلة زمنهم الجائر , فتراهم غالبا مايتلعثمون بين النعم واللا , وتكون اجابتهم المضطرة (( لعم )) , بدلا من ( نعم ) الخضوع , و ( لا ) الصمود القاتل .

قَالَ عيسى ابنُ هشامٍ : لَمَّا كانَ عامُ الغزوِ والتبديلِ , وبُعِثَ الزمنُ بِثِقْلِهِ على دجلةَ والفراتِ , ونُصِبَت موازينُ القضاءِ فَمَا عَدَلَت , بَلْ مالَت بِالأرضِ ومَن عليها , وَجَدْتُني ببغدادَ (صانها اللهُ مِن كلِّ بلاءٍ مُستجدٍّ) , رَأيتُ الأُسودَ (يومًا كانوا) قد صَفَّرَتْ وجوهُهُم , وتَبَدَّلتْ حُدُودُهم , فما عَادوا يعرفونَ الأَمانَ مِن الأَمانِي , ولا المُحالَ مِن المَآلِ , كُلُّ سؤالٍ يَنزِلُ عَلَى أَكتافِهِم كأنّهُ صخرٌ مُدحرَجٌ مِن قِمّةِ جَبلِ الحَيْرَةِ , سَأَلْتُ رَجُلاً مِن شيوخِها , نَحيلَ البُنيةِ , غَزيرَ الحِكمةِ , قَليلَ الكَلامِ , عَن حالِهِ ومَآلِهِ , وعَن هذا الزمنِ الغادرِ الّذي جَعَلَ الصباحَ مَساءً واليَقينَ شَكَّاً , قُلتُ : (( يا شيخَ القَومِ , أَأنتَ بِخيرٍ؟ أَهُوَ خُضوعٌ أم صَبرٌ هذا الّذي نَراهُ في عَيْنَيْكَ ؟ )) , تَنَهَّدَ تَنَهُّدًا شَقَّ الصَدرَ , وأَرْعَدَ الكونَ , وتَلَجْلَجَتْ أَطرافُ شَفَتَيْهِ , فَمَا نَطَقَ (( نَعَمْ )) لِئَلّا تَكونَ إِقرارًا بِذُلٍّ مُهينٍ , وَمَا قالَ (( لَا )) خَشْيَةَ أَنْ تَكونَ صُموداً قاتِلاً يُورِثُهُ ثَمَنَ الرُّوحِ في سُوقِ الظَّلَمَةِ المُتَجَبِّرينَ.

مولد (( لعم )) بين صراع الـ (( نعم )) والـ (( لا )) ,هَنَا اهتَزَّ الشَّيخُ اهتِزَازَ السَّعَفَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عاصِفٍ, فَتَحَ فَمَهُ كَفَتْحِ القَبْرِ عَن سِرٍّ دَفِينٍ , وَخَرَجَتِ الأَلفَاظُ مُتَثَاقِلَةً , كَأنَّهَا حَصَىً تُدفَعُ بِعُسْرٍ: (( يا ابْنَ أَخِي , لَقَدْ مَرَّ عَلَيْنَا زَمَنٌ حَمَلَ السُّؤَالَ قَذِيفَةً , وَجَعَلَ الجَوَابَ مَصِيرًا, فَلَو قُلْنَا نَعَمْ , لَكَانَتْ نَعَمَ الخُضُوعِ المُهِينِ , وَنَعَمَ البَيعَةِ لِلطَّاغِي الَّذِي وَلَّى , أَو لِلْغَازِي الَّذِي بَقِيَ, وَنَعَمَ التَّبَرُّؤِ مِمَّنْ كُنَّا نُحِبُّ , وَالقَبُولِ بِمَنْ نَكْرَهُ , وَإِنْ قُلْنَا لَا , لَكَانَتْ لَاءَ الصُّمُودِ القَاتِلِ , وَلَاءَ المَوتِ المَجَّانِيِّ الَّذِي يَتْرُكُ خَلْفَهُ أَيتَامًا وَأَرمَلاتٍ , وَيُفْرِغُ بُيُوتَنَا مِن حُطَامِهَا القَلِيلِ , فَمَا نَفعُ البُطُولَةِ إِذَا كَانَ ثَمَنُهَا الاضمِحلالَ وَالفَنَاءَ؟ )) , فَأَخرَجَها , بَعدَ مُعَاناةِ النَّفْسِ وَصِرَاعِ الحُروفِ , وَنَطَقَها مُنْتَصِفَةً , لا بَاكِيَةً وَلا ضَاحِكَةً : (( لَعَمْ )) .

ثُمَّ أطلقها , كَأنها رصاصةٌ تَائِهةٌ , أو زَفرةٌ حَبِيْسَةٌ : (( لَعَمْ )) , يَا ويحَ هَذِهِ الكَلِمَةِ , مَا أَعْجَبَها مِن حَرفَيْنِ صَارَا مُلخَّصَ الحَالِ ومَتنَ المَقَالِ , هيَ لَا تُرِيدُ الرُّكوعَ فَتَتْرُكُ مِن النُّونِ حَرفًا , وهيَ لَا تَستَطيعُ البُطولةَ فَتَبتَلِعُ مِن المِيمِ حَرفًا , فَصَارَتْ (( لَعَمْ )) بِرْزَخًا بينَ الجَزاءِ والنَّجَاةِ , ومَضْمَرةً بينَ المَوتِ والحَياةِ , فسُبْحانَ الَّذي جَعَلَ اللُّغَةَ تَتَلَوَّى خَجَلاً , وَحَروفَها تَستَغيثُ بَينَ أَلسِنَةِ قَومٍ , أُجبِروا عَلَى لُغةٍ ثَالِثَةٍ , لا تَعرِفُها المَعاجِمُ القديمةُ , ولا تَحمِلُها قَوَافِي الشُّعراءِ المُتَحَمِّسينَ .

وعن مقامة اللّعم في زمن الحيرة والتبديل , قَالَ عيسى ابنُ هشامٍ أنه كان مُتَحَدِّثًا عن رَجُلٍ آخر سَمَّاه أَبَا الحَائِرِ : لَمَّا وَقَعَت الواقِعَةُ الكُبرى , ونَزَلَ الزَّمَنُ بِغَيرِ أَوزَانِهِ على أَرضِ الرَّافِدَينِ , وتَشَابَكَتِ الفِتنُ كَأَغصَانِ الشَّوكِ في وَادِي الهَلَكَةِ , بَيْنَمَا كُنتُ أَطُوفُ فِي سُوقِ الحُزنِ المُقَامِ عَلَى أَنقَاضِ بَغدَادَ , رَأَيتُ شَيخًا قَد اِرتَسَمَتْ خَرَائِطُ المَآسِي عَلَى جَبِينِهِ , هُوَ أَبو الحَائِرِ, مَنْ بَاتَ لَيلَهُ يَقُومُ بَينَ الخُضُوعِ والصُّمُودِ , دَنَوتُ مِنهُ كَتَنَاهِيدِ الفَجْرِ الخَجُولَةِ. سَلَّمتُ تَسْلِيمَ مَن يَحْمِلُ هَمَّهُ عَلَى كَفِّ يَدِهِ , وَجَدْتُهُ جَالِسًا , كَأَنَّهُ نُصُبٌ مِن الرِّمَادِ , عَيْنَاهُ بِرْكَتَا صَمْتٍ تُحَدِّقَانِ فِي لا شَيءَ , قُلتُ : (( يا أَبا الحَائِرِ, بِرَبِّكَ , أَخبِرنِي عَن هَذا الدَّهرِ المُتَقَلِّبِ الَّذِي أَلبَسَ النَّاسَ ثَوبَ التَّلَعثُمِ , كَيفَ يُجِيبُ العِرَاقِيُّ عَلَى أَسئِلَةِ الزَّمَنِ الجَائِرَةِ؟ هَلْ أَمِنَّا حَتَّى نَقُولَ نَعَمْ؟ أَمْ بَطَلْنَا حَتَّى نَقُولَ لا؟ )) .

وفي تحليل صوت الضمير المحاصر, يَا لَلمَعْنَى الَّذِي اِستَقَرَّ فِي هَذَيْنِ الحَرْفَينِ الهَارِبَينِ , كَأَنَّ ( اللَّامَ) فِي (( لَعَمْ)) هيَ لَامُ الرَّفْضِ الَّتِي اِختَبَأَتْ خَوْفًا , وَكَأَنَّ ( العَيْنَ والمِيمَ) هُمَا بَقِيَّةُ النُّونِ الَّتِي لَمْ تَستَطِعِ الخُرُوجَ مِنْ مَخْرَجِهَا الصَّحيحِ , (( لَعَمْ)) لَيسَت إِجَابَةً , بَل هيَ شَكوَى , هيَ اِعتِرَافٌ بِالعَجزِ عَن القَرارِ المُرِيحِ , هيَ الجَمْرَةُ الَّتِي تُحَرِّقُ اللِّسَانَ فَيَتَلَوَّى , هيَ المَنْفَى الأَخِيرُ الَّذِي التَجَأَ إِلَيهِ العِرَاقِيُّ حِينَ ضَاقَت بِهِ فَسَاحَةُ اللُّغَةِ وَمَضَايِقُ الوَاقِعِ ,فَالشَّعبُ الَّذِي يَنامُ عَلَى بَارُودِ الأَمسِ وَيَصْحُو عَلَى دُخَانِ اليَوْمِ , كَيفَ لَهُ أَنْ يُقَرِّرَ بَينَ ضِفَّتَيْنِ كِلتاهُما غَرَقٌ؟ بَينَ حَيَاةٍ بِذُلٍّ مُقِيمٍ وَمَوتٍ بِعِزٍّ زَائِلٍ؟

فَوَاعَجَبَاهُ , عَلَى قَومٍ خَفَّتْ ظُلُوفُهُم , وَثَقُلَتْ أَحزانُهُم , يَسأَلُونَ : (( أَزَالَ البَلاءُ؟ )) فَتَأتيهم (( لَعَمْ )) , يَسأَلُونَ : (( أَتَذَكَّرُون العِزَّ؟ )) فَتَأتيهم (( لَعَمْ )) , يَسأَلُونَ : (( أَتَرجُونَ الفَرَجَ القريبَ؟ )) , فَتَأتيهم (( لَعَمْ )) , وَأَدرَكتُ حِينَها : أَنَّ لَعَمْ لَيسَت نِصفَ نَعَم وَلا نِصفَ لَا , بَل هيَ صَوتُ الضَّمِيرِ المُحَاصَرِ , وَصَرخةُ الحَقِّ المَكسُورَةِ , وإِعلانُ التَّعَبِ الأَبَديِّ , والحَارِسُ الأَخيرُ لِكرَامَةٍ تَأبَى أَن تَمُوتَ وتَخَافُ أَن تَحيَا , وبِـ اللَّعمِ , نَختِمُ حَدِيثَنا , وَلَيسَ بِـ اليَقينِ , وفي خاتمة الحيرة الأزلية , لَقَدْ أَدرَكتُ حِينَها : أَنَّ لَعَمْ هيَ بَلِيغَةُ البُلَغَاءِ فِي زَمَانِنا , فَمَنْ نَطَقَها , فَقَدْ وَصَفَ حَالَ أُمَّةٍ حَشَدَت كُلَّ قُوَّتِها لِتَقُولَ شَيئًا , ثُمَّ اِنْهَارَتْ تِلْكَ القُوَّةُ عِندَ عَتَبَةِ النُّطْقِ الأَخيرِ, وَمَا زَالَ أَبو الحَائِرِ يَتَنَهَّدُ تِلكَ (( اللَّعَمَاتِ)) كُلَّمَا اِستَوقَفَهُ سُؤَالٌ عَن غَدٍ أَو مَاضٍ ,فَـ (( اللَّعَمُ)) هيَ العِرَاقُ كُلُّهُ , وَلَيسَ بَعدَ اللَّعْمِ إِلَّا تَسْلِيمُ الأَمْرِ لِلقَدَرِ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .


المزيد.....




- بعد وفاة بطلته ديان كيتون.. العمل على إنتاج جزء ثانٍ من Fami ...
- البرلمان يقر تشديد شروط تعليم اللغة السويدية للمهاجرين
- انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب بشعار -عاصمة الثقافة.. وطن ...
- -عين شمس- و-بغداد- تتصدران الجامعات العربية في -الأثر البحثي ...
- في ترجمة هي الأولى وغير مسبوقة: ‎الشاعر والمترجم عبد الله عي ...
- الوكيل؛ فيلم وثائقي يروي حياة السيد عيسي الطباطبائي
- تهديدات بن غفير.. استراتيجية ممنهجة لتقويض السلطة والتمثيل ا ...
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالشاعر عذاب الركابي
- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة (( لعم )) .