أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الغيوم .














المزيد.....

مقامة الغيوم .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 22:17
المحور: الادب والفن
    


مقامة الغيوم :

يقول محمود درويش : (( يمشي على الغيم في أحلامه , ويرى ما لا يرى , ويظن الغيم يابسة , عالٍ هو الجبل )) , وقبل أن يكتب درويش هذه الكلمات , كان امرؤ القيس قد وصف الغيوم في شعره بأبلغ صورة : (( ديمة هطلاءُ فيها وطفٌ طبقُ الأرضِ تحرى وتدرْ )) , حتى أبو تمام لم يختلف عنهما حين قال في وصف الديمة : (( ديمةٌ سمحة القياد سكوب مستغيث بها الثرى المكروب )) , إننا في خضم حياتنا المليئة بالركض والصخب , ننسى أحيانًا أن نرفع رؤوسنا للسماء , لكن حين تتعب أرواحنا وتكلّ , نلتفت للأعلى دون وعي , فنراها , كائنات سماوية ترقص على نغمات لا نسمعها , حينها فقط , ندرك أن الحياة تشبه الغيوم أكثر مما نظن.

الغيوم مرآة الحياة , تأمل أشكال الغيوم المتغيرة باستمرار , كيف تتحول من قطن أبيض رقيق إلى تكتلات رمادية ضخمة , ثم تتلاشى لتفسح المجال لغيرها , هذه الديناميكية المستمرة تعلمنا مرونة الحياة وتقبل التغيير, فكما أن الغيوم لا تدوم على حال , فإن الأحزان والأفراح عابرة , في لحظات الضعف واليأس , قد نرى في الغيوم الداكنة انعكاسًا لحالتنا النفسية , لكن حتى في هذه اللحظات , يمكننا أن نتذكر أن هذه الغيوم ليست دائمة , وأن الشمس ستشرق حتمًا من جديد , إنها تذكير بأن الأمل موجود دائمًا , حتى وإن حجبه عنا سحب الظروف مؤقتًا , لذا , حين تشعر بأن الحياة باتت ضيقة , لا تطرق أبواب البشر, اطرق باب السماء , ارفع عينيك وتحدث مع الغيوم , قد لا ترد , لكنك ستشعر بأنها تفهمك , وهذا يكفي , إننا بحاجة لأن نتأمل السماء أكثر, أن نتعلم من غيومها فن التغيير , فن التخلي دون أن نفقد ملامحنا , أن نكون مثل الغيوم : نمرّ ونترك أثرًا , ولو كان ظلًا ناعمًا على وجه النهار.

الغيوم في الشعر العربي : لم يكن هذا التأمل وليد اليوم , فقد عني العرب قديمًا وحديثًا بالغيوم وأنواعها وهطولها , ولأنهم كذلك , أطلقوا عليها مسميات مثل الديمة (الغيمة السكوب) , والسواري (الغيوم التي تسري وتبكر بتهطالها عند الفجر) , والنشاص (السحاب المرتفع) , ولأن حياة العرب كانت مرتبطة بالغيوم حيث يتوقف عليها خصب نباتهم وازدهار مراعيهم , وجدنا تعلق الشعراء بها ووصفها في شعرهم , يقول أبو تمام في الديمة : (( ديمةٌ سمحة القياد سكوب مستغيث بها الثرى المكروب )) , ويصف الشاعر بشر السحاب النشاص فيقول : (( فلما رأونا بالنسار كأننا نشاصُ الثريا هجتهُ جنوبها )) .

رسائل الغيوم : لا تأتي الغيوم من فراغ ولا تمضي دون أثر, هي رسائل السماء وبريدها الأبيض الرمادي , وموسيقاها التي لا تُسمع بل تُحَس , هي انعكاسات لقلوبنا , حين نعيش بحذر, حين نحب بصمت , حين نحزن بلا دمع , ففي الصباح , تسير الغيوم بخفة فوق رؤوسنا , بيضاء كأنها أحلام لم يمسسها اليأس بعد , وفي زوايا الغروب , تتبدل اللوحة بألوان حارة , بين الأحمر والبرتقالي والرمادي , غيمة تميل للخجل , وأخرى تتهامس مع قرص الشمس الراحل , وثالثة كأنها تبكي بلون غامق حزين , وكأن كل غيمة تحمل قصة لم تروَ, أو حزنًا لم يفصح عنه.

في الختام , يمكننا القول إن الغيوم ليست مجرد ظاهرة جوية , بل هي مرآة تعكس حالاتنا النفسية ونافذة نطل منها على آفاق الأمل , سواء كانت بيضاء نقية أو رمادية داكنة , فإنها تحمل في طياتها دروسًا قيمة عن الحياة والتغيير والثبات , فلنتعلم كيف ننظر إلى السماء بعين المتفائل , وكيف نستلهم من لوحات الغيوم المتغيرة قوة الاستمرار والإيمان بغد أفضل.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .
- مقامة العثرات .
- مقامة إدارة الفئران: استعارة لحال العراق بعد 2003.
- مقامة وشالة العمر .
- مقامة ياريحان .
- مقامة الحر العراقي .
- مقامة البجعة السوداء .


المزيد.....




- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...
- عبث القصة القصيرة والقصيرة جدا
- الفنان غاي بيرس يدعو لوقف تطبيع رعب الأطفال في غزة.. الصمت ت ...
- مسرحية الكيلومترات
- الممثلة اليهودية إينبندر تحصد جائزة إيمي وتهتف -فلسطين حرة- ...
- الأبقار تتربع على عرش الفخر والهوية لدى الدينكا بجنوب السودا ...
- ضياء العزاوي يوثق فنيًا مآسي الموصل وحلب في معرض -شهود الزور ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الغيوم .