أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أصنام العقل .














المزيد.....

مقامة أصنام العقل .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 13:32
المحور: الادب والفن
    


مقامة أصنام العقل :

تمرّ أمتنا العربية والإسلامية , بأزمة خانقة وحالة عجيبة من العجز وفقدان التوازن والتعثر المستمر , إزاء مواجهة الأحداث الكارثية المتلاحقة , والانحطاطات السياسية والاخلاقية , والكوارث المدمرة , والتحديات العظيمة , الناتجة عن تراكمات ومخلفات أفرزتها سلسلة متتابعة من الأزمات والأخطاء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية , ولا بد من الأعتراف ان أنظمتنا الفكرية هي السبب الرئيسي في هذه الأزمة , بمصادرها الضبابية المضطربة , ومناهجها المختلة , وهويتها الغائبة , الامرالذي عجزنا معه عن إيجاد فلسفة علمية وتصوّر واضح يلائم مقتضيات الواقع , واستشراف المستقبل , ويخرجنا من دوامة الصراع المفزغة , التي شتت قُوانا واستُنزِفت طاقاتُنا , ولعل أحد أبرز التساؤلات التي تطرحها المرحلة بواقعها المرير هو أين الخلل في نظام الفكر العربي؟؟؟

ربما نجد الإجابة فيما كتبه المفكر الإنجليزي (( فرانسيس بيكون )) ابن القرن السادس عشر في كتابه (( الأورجانون الجديد )) , والأورجانون , كلمة إغريقية تعني (( الآلة )) أو (( الأداة )) , تحدث فيه عن فلسفة جديدة قائمة على العلم والعقل , وتعمل على مراجعة الإرث القديم وتنقيته من الهشاشة والركاكة والوهم والزيف , لقد رصد بيكون فى كتابه الأصنام الأربعة فى العقلية الإنسانية التي ترسّخت على مر العصور , وزرعت فى عقولنا جميعًا مجموعة من الضلالات والخرافات والتقاليد الفاسدة التى تباعد بيننا وبين جوهر العقل الصافى ومعدنه الأصيل الذى يوصلنا إلى الحقيقة , وأقرّ بوجوب تحطيمها حتى نفيق على حال الوعى والتحضّر , ودعانا لنحاول تحطيمها فينا، وفيمن حولنا.

أول تلك الأصنام , صنمٌ جمعىٌّ عام يخص الجنس البشرى بكامله , هو (( صنم القبيلة)) , لأنه يخص (( قبيلة الإنسان )) , وهو الهوى الشخصى وكافة الاعتقادات الزائفة المغروسة فى الطبيعة الإنسانية , فتشكّل أحلامه وأمانيه وحدوسه التى تنزع نحو التعميم فى الأحكام وعدم تحليل الأمور على نحو علمى منطقى, بل على العكس تجعل الإنسان يُسلّم دون وعى بمعتقدات قبيلته أو عرقه أو جماعته , فالعقل البشرى لا يقبل إلا ما يوافق نزعاته وميوله , ولا يتلفت إلى التجارب التى لا تتفق مع رؤاه وترضى ميوله , لهذا نستسلم للخرافة والسحر والأحلام والتنجيم.

الصنم الثانى يخصُّ كل إنسان على حدة , وهو (( صنم الكهف )) وهو استلهام من قصة الكهف التى نسجها أفلاطون ليدلل على أن الإنسان , كل إنسان , أسيرٌ فى كهفه الخاص المعزول عن الرؤية الشاملة الخاضعة للمنطق والعلم , فكل إنسان هو عبدٌ تابعٌ لبيئته الخاصة ومستوى تعليمه وثقافته وظروفه الخاصة وتجاربه الشخصية وملكاته وعيوبه , كل ما سبق يحاصر عقلَ الإنسان ويفرض عليه لونًا من العزلة فيظل متقوقعًا فى كهفه المحدود , ولا يرى من العالم ومن الحقيقة إلا ظلال أفكاره وتجاربه الشخصية الضيقة , أما قصة أفلاطون فتحكى عن مجموعة من البشر مقيدين بالسلاسل داخل كهف مظلم ليس به إلا فتحة صغيرة , موجودة خلف ظهورهم , فلا يشاهدون من الحياة الخارجية إلا ظلال البشر السائرين بالخارج المنعكسة على جدار الكهف المقابل لعيونهم , وفق منهج أفلاطون , فإن العالم خارج الكهف , هو عالم المُثُل , وهو العالم الحقيقى غير المرئى لنا , وأما داخل الكهف , فهو الحياة التى نعرفها على الأرض وهى زائفة لا ترى من الحقيقة إلا ظلالها.

أما الصنم الثالث , فهو (( صنم السوق )) , وهو الآراء والمعتقدات المغلوطة الناتجة عن تواصل البشر وتبادلهم المعلومات دون علم , وينتج عن هذا الصنم تشويه المصطلحات والتعريفات وتعميم الأمور, بسبب تداول البسطاء والعامة والدهماء لآراء علمية دون فهم ولا دراية ولا دراسة , فى المقاهى والأندية والأسواق وغيرها من مناطق تجمع الناس , يتداول الناس فى شؤون الحياة والطبيعة والسياسة بلغة مشتركة بعيدة عن المنطق , فتفقد الألفاظُ دلالاتها الحقيقية وتستقر فى الأذهان مجموعةٌ من المغالطات المشوهة.

نصل إلى الصنم الرابع والأخطر , وفيه تكمن آفةُ عصرنا الراهن فى المجتمع العربى , (( صنم المسرح )) , وهو تزييف المصطلحات على يد الإعلام والنخبة , إنها الأفكار المغلوطة التى نتداولها عن المذاهب والمدارس الفكرية التى تشكّلها القيادات والمشاهير ذوو النفوذ والتأثير المجتمعى العميق على الأفراد فى كل مجتمع , وهى الآراء التى تناقلناها عن أفواه السلف القديم دون تفكير , وبالرغم من أن بيكون كان يقصد (( بالسلف )) أرسطو وأضرابَه من فلاسفة الإغريق الذين ناصبهم العداء , إلا أن الأمر ينسحب اليوم على كل من نراهم علماء أجلاء وفقهاء فى كل عصر ومكان , نحفظ أقوالهم ونسلّم بها ونتداولها ونرددها كالببغاوات دون أن نتدبر أقوالهم ونفنّد ما بها من مغالطات علمية أو آراء قد لا تصلح لزماننا الراهن , إنه التسليم المطلق بصحة تلك الآراء دون ذرة شك تخالجنا فى جواز خطأها أو نقصها .

إن (( أصنام العقل )) المذكورة هي التي التي تأخذ العقل بعيداً عن الصواب , وهي تتعاضد في توجيه العقل نحو مسارٍ محدد , منحازٍ غالباً , وبالتالي فلن نتيقن من سلامة ما يتوصل إليه , لتنطبق أفكار فرنسيس بيكون بقوة على لحظتنا الراهنة بكل ما تحمل من فوضى وعبثية وافتقار للعلم فى مجتمعاتنا العربية , وبالأخص صنما : (( السوق )) و(( المسرح )) , حيث لا مهرب لنا من مأساتنا الفكرية العربية الراهنة إلا بتبنّى مقولة بيكون العاقلة : (( لا تقرأ لتعارض وتُفنّد , ولا لتؤمن وتُسلّم , ولا لتجد ما تتحدث عنه , بل اقرأ لتزن وتفكر وتحلل )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .
- مقامة العثرات .
- مقامة إدارة الفئران: استعارة لحال العراق بعد 2003.
- مقامة وشالة العمر .
- مقامة ياريحان .
- مقامة الحر العراقي .
- مقامة البجعة السوداء .
- مقامة يسار جديد ؟
- مقامة الأنتاج .
- مقامة الأغتراب .
- مقامة المجال الحيوي .


المزيد.....




- -بغداد أجمل حين نقرأ-.. انطلاق معرض بغداد للكتاب وقطر ضيف شر ...
- 4 عروض تفوز في ختام المهرجان العربي لمسرح الطفل بالكويت
- فيلم -كوتور-.. أنجلينا جولي تقتحم كواليس عالم الموضة من قلب ...
- -صعود إيران- لمحسن ميلاني.. -أمّة منبوذة- تنافس واشنطن على ق ...
- تونس.. مهرجان مدنين السينمائي الدولي يطلق بوستر دورته الـ11 ...
- بانكسي فنان مجهول برسائل تربك السلطات وتنصف الفلسطينيين
- آنا وينتور تدلي برأيها الحقيقي في فيلم -الشيطان يرتدي برادا- ...
- فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
- هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
- فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أصنام العقل .