أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الثلاجين .















المزيد.....

مقامة الثلاجين .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 12:50
المحور: الادب والفن
    


تغيّرت نظرة الناس للثلج عبر العصورالإسلامية بتغيرأوضاع الدولة السياسية والاجتماعية , إذ احتل مكانًا مميزًا على موائد الخلفاء وكبار القوم , باعتباره من مظاهر الترف , ثم ما لبث أن أقبل عليه العامة وصار ملاذًا لهم من حرارة الجو, ويذكر السيد عادل عباس جاسم في دراسته (( استخدامات الثلج في الدولة الإسلامية حتى منتصف القرن الرابع الهجري )) , أن استخدامات الثلج اقترنت في العصور الإسلامية بالطبقات العليا في المجتمع , كالأغنياء والموسرين ورجال الدولة , بخاصة أن جُل المجتمعات الإسلامية في القرن الأول الهجري –على أقل تقدير– تربت على أساس الزهد والتقوى وبساطة العيش , ما يشي بأن استخدام الثلج يشير لمظهر من مظاهر الترف والبذخ , واعتبر أن من ينفق أمواله على بعض الأمور , مثل اقتناء المغنيات وشراء الفاكهة والطيب والشراب والثلج مخالفًا للشرع ومسرفًا , حتى إن الزهاد كانوا لا يقبلون على الماء المُثلج بعد أن شاع استخدام الثلج , واعتبروه من بهرج الدنيا , وظلت هذه النظرة المتقشفة قائمة ولآماد طويلة , ويؤيد ذلك افتقار الروايات والنصوص التاريخية الأصلية والمتقدمة لما يشير إلى استخدامات الثلج في تلك المرحلة من القرن الأول , إلا ما ذكره أبو هلال بن سهل العسكري , وهو مؤرخ متأخر نسبيًا , في كتابه (( الأوائل )) , من أن الحجاج بن يوسف الثقفي عامل الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (65-86هـ) على العراق , هو أول من حُمل إليه الثلج في الإسلام .

تغير الأمر في العصر العباسي (132-656هـ) , بسبب انفتاح الدولة على الأمم المجاورة , وتقبلها لعادات وقيم المجتمعات الجديدة التي انضوت تحت لوائها , وما ترتب عليه من تبادل وتمازج لتلك العادات , فتسربت مظاهر الترف والدعة ولو بشكل نسبي ومحدود في أول الأمر بين الفئات العليا من المجتمع , ويرد أول نص متقدم عند محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) في كتابه (( تاريخ الأمم والملوك )) , إذ يشير إلى استخدام الثلج على نطاق رسمي من قبل الخليفة المهدي (158-169هـ) , ففي سنة 161هـ حمل محمد بن سليمان عامل الخليفة على البصرة الثلج للمهدي حتى وافى به مكة أثناء أداء مناسك الحج , فكان المهدي أول من حُمل له الثلج إلى مكة من الخلفاء , وشاع استخدام الثلج في قصر الخلافة بعد ذلك , حتى إن الخليفة هارون الرشيد (170-193هـ) حُمل إليه الثلج أثناء أداء مناسك الحج في مكة من بغداد بعدما كان يُحفظ له في مخازن خاصة ومعدة وثابتة , وانسحب الأمر كذلك على ابنه الخليفة المأمون (196-218هـ) الذي حرص هو الآخر على استخدام الثلج في عهده , أما الخليفة المتوكل (232-247هـ) فبلغت نفقات الثلج في عهده ألف ألف درهم .

ذكرت فوزية عبداللطيف شحادة في دراستها (( فن الطبخ والموائد في العصر العباسي )) , أن طقس إقليم العراق كان باردًا في الشتاء , وربما جُمد الماء في البصرة وبغداد , وتكونت الثلوج التي كثيرًا ما كانت تلحق الضرر بالزرع , لذا كان الثلاجون يجمعون هذا الثلج ويكبسونه ويخزنونه بطريقة معينة لاستخدامه في فصل الصيف الذي كان شديد الحرارة , كما كان الثلج يُجمع من جبال فارس وخوارزم ويُنقل بالشاحنات, وكان (( الثلاجون )) متخصصين في تخزين الثلج في أقبية مبطنة بنشارة الخشب , استخدم العباسيون الثلج لتبريد المشروبات , حفظ الفواكه , والعلاج الطبي , وأصبح رمزاً للرفاهية والفخامة لدى الأثرياء , وذكر الطبري أنه في سنة 285هـ وقع بردٌ كبيرٌ , وفي سنة 296هـ سقط في بغداد ثلج كثير, وكذلك في عام 339هـ في منطقة أعالي الفرات سقطت ثلوج كثيرة , وجمد الماء في بغداد عام 392هـ , وفي بداية القرن الرابع الهجري سنة 417-418هـ شهدت العراق موجات برد شديدة وعواصف ثلجية هوجاء , صحبها سقوط مطر وثلج في منطقة النعمانية , وفي عام 430هـ سقط في بغداد ثلج علا وجه الأرض قدر شبر, وفي صيف نفس العام كان حر شديد.

كان الثلج يُجمع من أعلى الجبال ويُكبس ويُحفظ في أكياس خيش , ويغطي تمامًا بنشارة الخشب , لمنع تسرب الحرارة إليه , وهذه الطريقة كانت مستعملة في الأقطار المختلفة , واستعمل الثلاجون أيضًا صهاريج أو (( مثالج )) تحت الأرض لحفظ وخزن الثلج في أوان سقوطه في الشتاء إلى أوان استعماله في الصيف ,وكانت هناك مراكز للثلج ينتقل فيها من منطقة لأخرى بواسطة مراكب أعدت خصيصًا لنقلها , وكانت تُدفع مكوس كبيرة على عملية النقل , لكن هذه المكوس أزيلت في ما بعد , وبسبب شدة حرارة الصيف في بغداد , استعمل الخلفاء والأغنياء الثلج في حياتهم اليومية لتبريد الماء والمشروبات , أما العامة من الناس فاستعملوا وسيلة أخرى من خلال ملء أوان ووضعها داخل أوانٍ أخرى في الشتاء , فإذا انقضت شربوا منها ماء باردا في الصيف , وسموا هذه الأكواز بـ(( الثلجيات )) , كما استعملوا أيضًا الجِرار لتبريد الماء , وكذلك ما يسمى بـ(( المزملة )) أو (( البرّادة )) , وهي عبارة عن آنية تُلف بالخيش أو الجلود للحفاظ على برودة الماء , ونفس هذه الطرق التي استعمل العراقيون فيها الثلج استعملت في باقي الأقطار الأخرى كالشام وطرابلس ومصر , وكان التثليج هو الطريقة الوحيدة الشائعة لحفظ المأكولات طازجة , فعلى سبيل المثال , كان الشمام يُنقل من خوارزم إلى بغداد محفوظًا في صناديق نحاسية حولها جليد , كما استعملوا قوالب رصاص معبأة بالثلج لحفظ الفواكه والبطيخ وبعض العلاجات والوصفات الطبية , وكانت تُرسل إلى المأمون والواثق.

يذكر الدكتور فهمي سعيد في كتابه (( العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع للهجرة. دراسة في التاريخ الاجتماعي )) , أنه منذ نهاية القرن الثاني عرفت بغداد محلة (( أصحاب الثلج )) أو (( درب الثلج )) حيث يكبسونه ويبيعونه , وكان بعض الموسرين يكبسون الثلج في دورهم ويشربونه , لكن ذلك لم يمنع من حصول الفقراء على الثلج , فقد كان الماء المثلج يباع في شوارع بغداد , إذ كان من الطبيعي أن ينتشر السقاؤون يبيعون الماء المبرد أو المثلج للحرفين والتجار والمتسوقين , وكان في بغداد منفذ يعرف بـ(( مشرعة الروايا )) يأتيها السقاؤون ويملؤون جِرارهم منها , وكان المحتسبون يوصون موظفيهم بمراقبة السقائين وجِرارهم ونظافة مياههم , وبحسب سعيد , من الثابت أن الخليفة وكبار رجال القصر كانوا يستهلكون الثلج بكميات كبيرة , فقيل إن نفقاته في زمن المتوكل بلغت مليون درهم , وأقام مفلح الأسود أحد رجال الخليفة المقتدر مأدبة للسلطان سنة 312هـ , فأغلق أنهار بستانه ورصف بعضها , وطرح فيها 50 ألف رطل ثلج , وأجرى فيها الماء والشراب.

يقول طارق حرب عن وسائل التبريد ببغداد في العهد العباسي الاول , ان بغداد عرفت مظاهر حضاريه كثيره منها حفظ الثلج وبيعه والتفنن في وسائل التبريد اذ اتخذ أهل بغداد وخاصة الاغنياء منهم جملة من وسائل التبريد والتهويه أيام الصيف الحاره في العصر العباسي الاول , ونجد في كثير من الكتب والشعر الكثير عن الثلج والثلاجين من ذلك ما كتبه الدكتور ناصر الحانب في كتابه صور عباسيه , والمقدسي الجغرافي في أحسن التقاسيم , وغيرهم ,ذلك ان مناخ بغداد حار في الصيف الذي يمتاز بطول شهوره عن الشتاء وما أكثر من ضاق ذرعاً بحر بغداد فذموا صيفها غير ان البغداديين رغم كل ذلك عملوا على تخفيف وطأة الحر وهيأوا الوسائل لتخفيفه باستعمالهم الثلج ووسائل التبريد الاخرى وان كان البعض يرى ان أول من وضع الثلج في بيت الشراب الحجاج بن يوسف الثقفي , وكان خلفاء بغداد والوزراء والاغنياء من أوائل من استعملوا الثلج في تبريد الماء للشرب واستعملوه لتبريد الهواء واستعمل أهل بغداد في تبريد الماء الجرار والمزمله أو البراد والحبوب الفخاريه والمزمله آنيه يبرد فيها الماء توضع عليها لفائف ثياب خشنه وتغشى بجلد أو ثوب وتوضع بشكل ترتفع به عن الارض)) .

وممن اشتهر باسم الثلاج ببغداد عبد الله بن محمد بن الثلاج المحدث الذي يروي عن جده انه كان يجمع الثلج لنفسه ويشربه , وان الخليفه الموفق طلب ثلجاً فلم يوجد الا عنده , فأهداه للخليفه , لذلك لقب الخليفه جده بالثلاج , ويروى عن أحد الثلاجين ببغداد انه أثرى ببيع الثلج الى عبيد الله بن عبدالله الطاهر الذي طلب ثلجاً فلم يجده الا عنده فطلب مبلغاً كبيراً , فقبل عبيد الله ذلك لأن الثلج كان لجارية أحبها حباً شديداً , برأت من مرضها بسبب هذا الثلج حتى ان عبيدالله قال للثلاج أنت بعد الله رددت حياتي بحياة جاريتي لأجله فقد استخدم هذا الثلاج في شرابه وثلجه وكثير من أمر فكانت تلك الواقعه أصل نعمة هذا الثلاج.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .
- مقامة العثرات .
- مقامة إدارة الفئران: استعارة لحال العراق بعد 2003.
- مقامة وشالة العمر .
- مقامة ياريحان .
- مقامة الحر العراقي .
- مقامة البجعة السوداء .
- مقامة يسار جديد ؟
- مقامة الأنتاج .
- مقامة الأغتراب .
- مقامة المجال الحيوي .
- مقامة الهايكو و الهايبون : رحلة الأدب الياباني إلى العالم ال ...
- مقامة المراجعة .
- مقامة ألأستزمان .
- مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز.
- مقامة سيدوري .


المزيد.....




- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- -فوات الأوان- لمحمد أبو زيد: في مواجهة الوقت الذي أفلت
- صوت هند رجب: فيلم عن غزة يفوز بالأسد الفضي لمهرجان البندقية ...
- فيلم -هند رجب- يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائ ...
- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الثلاجين .