أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ألأستزمان .















المزيد.....

مقامة ألأستزمان .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


مقامة الاستزمان :


تفاجأت اليوم بمقالة الكاتب مأمون فندي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون بعنوان (( ألأستزمان )) , والذي قال : (( انه الهيمنة على محور الزمن , في حين أن الاستعمار التقليدي كان هيمنة على المكان وأهله وموارده , فعلى مدى القرون الماضية , عُرف الاستعمار كفعل مادي يرتبط باحتلال المكان والسيطرة على موارده , بالقوة العسكرية أو بالهيمنة الاقتصادية والسياسية المباشرة , وقد ترسخ هذا الفهم في الفكر السياسي والتاريخي خلال العصر الكولونيالي , وحتى في أدبيات ما بعد الكولونيالية , حيث كانت الأرض والمكان مسرح الصراع , وتُقاس قوة الدول بقدرتها على بسط نفوذها على الجغرافيا والتحكم في الموارد , أما الاستزمان , فهو شكل جديد من الاحتلال يهيمن على زمن الأمم: ماضيها (عبر سرقة التراث والآثار أو تشويهها) , حاضرها (من خلال القوة الناعمة) , ومستقبلها (عبر الديون أو الحصار الاقتصادي) , وهو نتيجة التحولات المعاصرة في النظام العالمي , حيث لم يعد الاحتلال فجاجةً كالاستعمار القديم , بل صار أكثر خفاءً وتعقيداً , يتجاوز المكان ليطول الزمن نفسه)) .

(( الاستزمان )) هو مصطلح جديد وواسع الانتشار, يُستخدم لوصف شكل حديث من الهيمنة أو الاحتلال , لا يرتبط هذا المفهوم بالسيطرة على الأرض والموارد مثلما كان يحدث في الاستعمار التقليدي , بل يركز على السيطرة على الزمن الخاص بالشعوب والدول , بما يمكن فهم ان (( الاستزمان )) يعني إدخال الدول المهيمنة لآلياتها الثقافية , والاقتصادية , والسياسية التي تعمل على تعطيل (( زمن )) الأمم الأخرى , أي إنه نوع من الاحتلال غير المرئي الذي لا يُقاس بالحدود الجغرافية , بل بمدى القدرة على التحكم في مستقبل الشعوب , وإغراقها في حالة من التخلف والتبعية , مما يمنعها من تحقيق التقدم والنهوض .

يتم تحقيق هذا النوع من الهيمنة عبر عدة آليات : السيطرة على المعرفة بتحويل الدول المهيمن عليها إلى مجرد مستهلكة للمعرفة والتقنيات , مما يمنعها من المساهمة في إنتاجها , وهذا يخلق فجوة زمنية كبيرة بين الدول المتقدمة والدول التابعة , وبالتحكم الاقتصادي من خلال إدخال نماذج اقتصادية تخدم مصالح الدول الكبرى , ودفع الدول النامية إلى الدخول في دورات من الديون والتبعية الاقتصادية , مما يجعلها غير قادرة على التخطيط لمستقبلها المستقل , اضافة الى الهيمنة الثقافية, بفرض أنماط ثقافية واستهلاكية مستوردة , مما يشتت الشعوب عن تراثها وقيمها ويجعلها مهتمة باللحظة الحاضرة فقط , دون التفكير في أهدافها على المدى الطويل , والتأثير السياسي من خلال التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للدول , مما يعيق عملية التنمية المستدامة ويُبقيها في حالة من عدم الاستقرار السياسي , باختصار, الاستزمان هو معركة على مستقبل الأمم , حيث تُستخدم أدوات جديدة لإخضاع إرادتها وتجميد حركتها التاريخية , مما يجعلها تعيش في (( زمن )) غير زمنها , ومسيرة نحو أهداف لا تخصها.

الاستزمان مفهوم يمثل تحولاً في أشكال الهيمنة , فهو يختلف جذريًا عن الاستعمار التقليدي , بينما كان الأخير يرتكز على السيطرة المادية المباشرة , يعتمد الاستزمان على آليات غير مرئية تهدف إلى التحكم في مستقبل الأمم , وببساطة , الاستعمار هو احتلال للأرض , بينما الاستزمان هو احتلال للمستقبل, في الاستعمار, كان المحتل يأتي من الخارج , يفرض قوانينه , وينهب الثروات , أما في الاستزمان , فإن الهيمنة تأتي عبر آليات معقدة تجعل الأمة نفسها تشارك في (( احتلال )) مستقبلها , على سبيل المثال , اقتصاديًا, يصبح البلد تابعًا للسوق العالمية , وتُفرض عليه شروط معينة في التجارة أو الديون , مما يجعله غير قادر على تحقيق تنمية ذاتية , وتكنولوجيًا, يُجبر على استيراد التكنولوجيا من الخارج , ولا يُسمح له بتطويرها محليًا , مما يجعله دائمًا متأخرًا ومستنزفًا , وفكريًا وثقافيًا, يتم إدخال أنماط فكرية وثقافية معينة , تؤثر على طريقة التفكير وتجعل الشعب مستهلكًا للأفكار بدلًا من أن يكون منتجًا لها , لقد كان الاستعمار يقاتل بالجيوش , أما الاستزمان فيقاتل بالأفكار , والمعرفة , والتحكم في دورة الحياة الاقتصادية والتكنولوجية , مما يجعل التحرر منه أكثر صعوبة , لأنه يتطلب تحريرًا فكريًا واقتصاديًا قبل أن يكون سياسيًا.

في هذا السياق , يمكن فهم (( استعمار الزمن )) باعتباره امتداداً للاستعمار التقليدي , لكنه يستبدل التاريخ بالجغرافيا , والسنوات بالأرض , والهيمنة عبر الديون والآليات المالية طويلة الأمد بالاحتلال العسكري , هذه الآليات تعمل على محور الزمن , فتجعل القرارات السياسية والاقتصادية مرهونة بأفق زمني خارج إرادة الأمة ,فإذا كانت الديون ارتهاناً للزمان , فإن الحصار الاقتصادي أداة إضافية للتحكم فيه , فالعقوبات , سواء كانت مالية أم سياسية , لا تستهدف الموارد الحالية فقط , بل تقيد مسار التطور المستقبلي , وتجبر الدول على إعادة ترتيب أولوياتها بما يبطئ أو يسرع إيقاعها الداخلي , فإذا كانت القروض الطويلة الأجل استعماراً للزمن , فإن الحصار يكثف هذا الاستعمار, إما عبر تسريع أزمة الموارد وإجبار الأمة على قرارات عاجلة , وإما عبر تعطيل التنمية , وتأجيل أفق التقدم .

الاستزمان ليس مجرد استعارة شعرية , بل حقيقة تتجلَّى في قيود تمتد إلى ما بعد الحاضر , فتجعل الأجيال القادمة سجينة زمن الآباء المقيد , ففي تجارب مثل محاولة العراق عام 1973 تأميم موارده الطبيعية , فرضت عليه حروب وحصارات جعلته خاضعا لأستزمان أقسى من ألأستعمار, وأصبح التحرر من الاستزمان أصعب , إذ يشبه الدخول في دوامة زمنية لا مخرج منها , هنا يصبح المستقبل مثقلاً بالتزامات طويلة الأمد , ويتحول إلى حق انتفاع للحاضر على حساب أجيال لم تولد بعد, مع القيود التي يفرضها الحصار على النمو والاستثمار , وبالتالي على الزمن الإنتاجي للأمة.

ان الوعي بالاستزمان والحصار الاقتصادي ضرورة نظرية وعملية , ليس فقط لفهم القيود على الحاضر , بل أيضاً لاستعادة القدرة على رسم المستقبل , وكما أن التحرر من الاستعمار المكاني تَطَلَّبَ مقاومة سياسية وعسكرية , فإن التحرر من الاستزمان يتطلب مقاومة معرفية واقتصادية وسياسية , ورؤية طويلة المدى ترفض بيع الأجيال القادمة مقابل مكاسب آنية , فالزمن , مثل المكان , يمكن أن يُحتل , لكن استعادته أصعب لأنه غير مرئي ولا يُقاس بالحدود بل بالآفاق التي تُفتح أو تُغلق أمام الشعوب , وإن متاهة الزمان التي دخلتها بعض الأمم يصعب الخروج منها إلا بإدراك معاني الاستزمان , وابتكار سبل التحرر منه .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز.
- مقامة سيدوري .
- مقامة الكهرباء .
- مقامة البيلسان .
- مقامة العميان .
- مقامة الحنين .
- مقامة الفرح .
- مقامة عبثية .
- مقامة ألأستلال .
- مقامة الأقصاء .
- مقامة الصقيع .
- مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .
- مقامة السفراء .
- مقامة ألأمشجي .
- مقامة الونين .
- مقامة البحث عن السعادة .
- مقامة المسكون .
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .


المزيد.....




- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
- الثقافة تكشف خططها المستقبلية وتؤكد التوجه لإنشاء متحف عراقي ...
- سفارتا فلسطين وفرنسا تفتتحان عرض الفيلم الوثائقي
- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.. الرواية الإسرائيلية أو ...
- حيّ ابن سكران، حين يتحوّل الوعي إلى وجع
- التشكيلي يحيى الشيخ يقترح جمع دولار من كل مواطن لنصب تماثيله ...
- عمر خيرت: المؤلف المتمرد الذي ترك الموسيقى تحكي
- ليوناردو دافنشي: عبقري النهضة الذي كتب حكاية عن موس الحلاقة ...
- اختفاء يوزف مِنْغِله: فيلم يكشف الجانب النفسي لطبيب أوشفيتس ...
- قصة القلعة الحمراء التي يجري فيها نهر -الجنة-


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ألأستزمان .