أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الكهرباء .














المزيد.....

مقامة الكهرباء .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


مقامة الكهرباء :

في مسرحية (( كاسك ياوطن )) , طلب المحقق بعد صد ورد بينه وبين ((غوار)) أن يتم وصله بالتيار الكهربائي , ليستجيب بشكل أسرع مع مجريات التحقيق , إلا أن ((غوار)) بدا متنعماً فرحاً بما شعر به , بل ارتفعت ضحكته مع ارتفاع شدة التيار, فقد كانت سعادته لا توصف كون أن الكهرباء وصلت (( لقفاه )) قبل ضيعته حسب وصفه, كما ضوى وجهه أيضاً , واكتشف أن الكهرباء (( بتكهرب )) , وتمنى لكل شخص أن يظفر بتلك التجربة.

(( سنجعل الكهرباء رخيصة جدا بحيث إن الأغنياء وحدهم من سيضيئون الشموع )) , تُنسب هذه المقولة الملهمة إلى توماس إديسون , مخترع المصباح الكهربائي الذي أضاء بمصباحه حياة البشرية وغير وجه العالم , كان إديسون يحلم بمستقبل تكون فيه الطاقة الكهربائية متاحة للجميع , وسهلة المنال , لدرجة أن استخدام الشموع سيصبح ترفاً لا يقوى عليه سوى الأثرياء , لكن , هل كان يدور في خلد إديسون أن اختراعه العظيم , الذي وُلد ليضيء , سيتحول في مكان ما وزمان ما إلى أداة تُستخدم لإطفاء الأمل ؟ هل تخيل أن السياسة , بقوتها المتسلطة , ستُدخل الكهرباء في متاهات الفساد والصفقات المشبوهة , لتصبح سلعة نادرة , وليست حقاً أساسياً من حقوق الإنسان ؟

تحولت مقولة إديسون في العراق بعد عام 2003 إلى سخرية مرة , فبدلاً من أن تكون الكهرباء رخيصة ومتاحة , أصبحت أزمة مزمنة تلاحق العراقيين في صيفهم الحارق وشتاءهم القارس , تحولت الأعمدة الكهربائية إلى رمز للفشل الإداري والفساد المستشري, الذي لا يتورع عن استغلال أبسط ضروريات الحياة لتحقيق مكاسب شخصية , لقد تحول حلم إديسون في العراق إلى كابوس , فعلى الرغم من المليارات التي أُنفقت على قطاع الطاقة , ما زال العراقيون يعانون من انقطاعات متكررة , ويضطرون للاعتماد على مولدات أهلية ترهق كاهلهم مادياً.

التطور سلاح ذو حدين دائما وابدا في حياة البشر , الحياة خلقتنا قوي وضعيف , قادر وعاجز, مستفيد ومستغل , هنا يتجلى الوجه الآخر للتطور الذي تحدثت عنه , فالتطور يمكنه أن ينير العالم , ويمكنه أيضاً أن يغدو سيفاً مسلطاً على رقاب الناس , تُستخدم من خلاله السلطة لا للارتقاء بالحياة , بل لاستغلالها والتحكم بها , وفي العراق , تجسد هذا السلاح في قطاع الكهرباء الذي كان من المفترض أن يكون مصدر قوة ونماء , فصار بؤرة للفساد وضعفاً ينخر في جسد الدولة , وفي ظل أزمة الكهرباء , نجد المستفيدين هم من يستغلون قوتهم السياسية لإبرام عقود فاسدة , ونجد الضعفاء هم المواطنون الذين يدفعون ثمن هذا الفساد من صحتهم وأموالهم وراحتهم , لقد أصبحنا كـ (( طيور النعام التي تحلم بالطيران ورأسها مدفون بالتراب )) , نعيش على وعود براقة بحل الأزمة , بينما الواقع يؤكد أن الظلام ليس مجرد انقطاع في التيار, بل هو انعكاس لظلمة أعمق وأكثر خطورة.

يجمع المراقبون ان الفساد هو العنصر السلبي للتطوروهو سارق النور في العراق , فلم تكن أزمة الكهرباء وليدة الصدفة , بل كانت نتيجة مباشرة للفساد الذي استشرى في قطاع الطاقة , لقد أنفقت منذ سقوط النظام السابق مليارات الدولارات على مشاريع كهربائية لم تر النور أبداً , عقود فاسدة , صفقات وهمية , ومحطات توليد لم تعمل بكامل طاقتها , كل ذلك أدى إلى تدمير بنية تحتية كانت بحاجة ماسة إلى الإصلاح والتطوير, المفارقة تكمن في أن العراق , وهو من أغنى دول العالم بالنفط والغاز, ما زال عاجزاً عن توفير الكهرباء لمواطنيه , بينما تُصدر البلاد النفط يومياً بمليارات الدولارات, يضطر المواطن العراقي إلى دفع فاتورة شهرية باهظة لأصحاب المولدات الأهلية للحصول على بضع ساعات من الكهرباء , وأصبح الظلام حليفاً يومياً في حياة ملايين الأسر.

أزمة الكهرباء ليست مجرد انقطاع في التيار, بل هي انعكاس لظلمة أعمق وأكثر خطورة , فغياب الكهرباء له آثار مدمرة على حياة الناس , في الصيف , ومع درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين مئوية , يصبح غياب التكييف مأساة حقيقية , خاصة للأطفال وكبار السن والمرضى , المستشفيات تعاني , والمصانع تتوقف , والقطاع الخاص ينهار, والجانب الأبرز لهذه المأساة هو صعود اقتصاد الظلام , أو ما يُعرف بـ (( أصحاب المولدات )) , لقد تحول هؤلاء إلى بديل غير رسمي عن الدولة , يملكون شبكاتهم الخاصة ويفرضون رسوماً مرتفعة , مستغلين بذلك حاجة الناس الماسة للكهرباء , هذا الاقتصاد الموازي لا يمثل حلاً , بل هو جزء من المشكلة , فهو يثقل كاهل الأسر الفقيرة , ويُكرس حالة الفساد والإهمال.

أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى ما وصفته بالفساد المستشري في العراق , وقالت إن أهالي بلاد الرافدين يعانون جراء انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي , وأضافت أن الكهرباء التي تعد معيارا للتقدم في العالم باتت تخذل العراقيين وتدلل على فشل السياسيين أنفسهم في البلاد , وقالت نيويورك تايمز إن عبارة (( ماكو كهرباء )) باللهجة الشعبية العراقية أي (( لا توجد كهرباء )) باتت تتداول في شتى أنحاء العراق لترمز إلى (( اللعنة )) التي يعانيها أهالي البلاد على مدار سنوات مابعد الغزو العجاف , وقالت إن أحلام العراقيين بالحصول على التيار الكهربائي بالشكل المتواصل وعلى الخدمات وأساسيات الحياة الكريمة الأخرى تشبه إلى حد بعيد أحلامهم في الحصول على الديمقراطية , ولكن يبدو أنه لا الغزاة ولا السياسيون العراقيون المتنازعون استطاعوا تحقيق أحلام الشعب العراقي في كلتا الحالتين , وفي معرض احتجاجه على الأوضاع السائدة في البلاد , قال المواطن العراقي حسن شهاب إن (( السياسيين العراقيين يقتلون عنصر التفاؤل في أنفسنا )) , مضيفا أن (( الدكتاتورية تبقى أكثر رحمة فينا )) من غيرها.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة البيلسان .
- مقامة العميان .
- مقامة الحنين .
- مقامة الفرح .
- مقامة عبثية .
- مقامة ألأستلال .
- مقامة الأقصاء .
- مقامة الصقيع .
- مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .
- مقامة السفراء .
- مقامة ألأمشجي .
- مقامة الونين .
- مقامة البحث عن السعادة .
- مقامة المسكون .
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .


المزيد.....




- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...
- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...
- بين رواندا وكمبوديا وغزة.. 4 أفلام عالمية وثقت المجاعة والحص ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الكهرباء .