أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .















المزيد.....

مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 14:38
المحور: الادب والفن
    


يقول جورج أورويل : (( ليس الجهل ما يُخيف , بل أولئك الذين يحرسونه )) , كم من أمة تسبح في دياجير الجهل , وتلوك لذائذ تخلفها , تحتفي بالسحر والرقية , وتهمش علماءها , وتدمر مؤسساتها العلمية, ويعاني الأساتذة والمدرسون الفقر والتهميش , وتباع الدرجات العلمية العليا في أسواق الفساد , تلك أمم قد هوت , من دون أن تعلم أنها تعيش في جوف الخطر, علينا أن نغادر عقولنا ذات التفكير الدائري , والتي عندها نقطة النهاية هي نقطة البداية, علينا ألا نعود الى ماضينا, وماضينا السحيق إلا لمعرفته , وأخذ الدروس المفيدة منه , لا لتطبيقه حرفيا كما يحدث الآن عند بعض أبناء مجتمعنا.

يُعد الجهل آفةً حقيقيةً تُعيق تقدم الأمم وازدهارها , وللأسف يُمكن ملاحظة تأثيره السلبي بوضوح في العراق , حيث يُسهم في تأخير التنمية الشاملة على مختلف الأصعدة , فبينما تتقدم دولٌ أخرى بخطىً سريعةٍ نحو المستقبل , لا يزال العراق يواجه تحدياتٍ كبيرةً في استغلال إمكاناته الهائلة , ويرجع جزءٌ كبيرٌ من ذلك إلى انتشار الجهل بشتى صوره , ويتجلى هذا التأثير السلبي للجهل في العراق بعدة أوجه , أحدها هو إهمال الاستثمار في رأس المال البشري , وكما أشار الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل ميلتون فريدمان عند سؤاله عن أفضل بلد من وجهة نظره , كانت إجابته تايوان , فرغم أن تايوان دولةٌ تفتقر إلى الموارد الطبيعية وتقع في منطقةٍ جغرافيةٍ صعبة , إلا أنها استطاعت أن تحقق نجاحًا اقتصاديًا باهرًا , وتمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم , ويرجع سر هذا النجاح , بحسب فريدمان , إلى اختيار تايوان (( الحفر في عقول أبنائها بحثًا عن الإبداع بدلًا من الحفر في الأرض بحثًا عن المعادن )) , فالقوة الحقيقية للأمم تكمن في البشر, فهم طاقتها الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد , هذا المفهوم , للأسف , لم يُطبق بالشكل الكافي في العراق , حيث لا يزال التركيز ينصب على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز, بدلًا من الاستثمار الحقيقي في بناء الإنسان العراقي وتطوير قدراته.

الحقيقة لا تخيف إلا من بنى إيمانه على الأسطورة , أما من بنى إيمانه على العلم , فالتاريخ صديقه لا عدوه , كتبنا وما كتبنا وخسارة ما نكتب ما دامت كرة الثلج تكبر وتتضخم وتتصلب ولا أمّل في الذوبان حتى بلغت درجة الحرارة على الأرض درجة خرافيّة , ولكنا نكتب ما دام هناك ومضة أمّل وراء الأفق بزمنٍ ما , وفي ظرفٍ ما , وعند ساعة قد تذوب فيها كرة الثلج , ولكن هناك بعض الشعوب لديهم متعة شديدة أن يبقوا في المستنقع , في السبخ , في الأرض ذات نَزٍّ ومِلح وماء مر وعكر , هؤلاء لا يستطيعون العيش في الهواء الطلق , في الأجواء الطبيعية , على الأرض الصلبة , الجدبة , لأنهم تعودوا على الطين المملح الذي يشدهم إلى الأسفل , لهذا لا تتوقعوا أن ينتصروا أو يخرجوا من النز أو القيح المملوء بالإِفْرَازات الملوثة , ففي هذا المكان يجدون أنفسهم ومستقبلهم لهذا دعهم ولا تيقظهم , دعهم في جهلهم يعمهون , وكل ما كتبنا حول الجهل والغوغاء , نخسر الورق والحبر والعزف على الكيبورد , يرتفع جبل الجهل ويكاد ينطح السماء , ويزداد الغوغاء وينظم اليهم الشعراء والكتاب والصحفيين , يسبقهم مذيعوا ومحرروا نشرات الفضائيات حتى تكاد طوابيرهم تصل لحدود سور الصين , فهل من أمل في تحرير هذه البلاد من الجهل المطبق , وما دام الوضع بهذا الحدّ من الاستعصاء فلماذا نكتب وننادي ولمن؟ ثمة فئة قليلة خارج جوقة الملايين من هذا القطيع الذي ما زال يؤمن بأننا مهما اخترعنا وانتجنا وأبدعنا فمصيره الفناء , ولنكتفي بما ينتجه الغرب الكافر ونستهلكه , ولندع لهم الدنيا ونربح الآخرة , هذا هو منطق القطيع الذي ما زال يقود هذه البلاد ومعه شعراء وكتاب وصحفيين وحتى مفكرين ولكن متخفين وراء أقنعة هذه الألقاب بينما هم في الواقع لا يختلفون عن رعاة الغنم مع كافة الاحترام والتقدير لهؤلاء الأبرياء , أن الجهل هو نقيض العلم والمعرفة , والسبيل إلى العلم والمعرفة (( أحد أهم شروط التقدم )) هو التعليم والتثقيف العام .

يُمكن قياس تقدم أي دولة في القرن الحادي والعشرين , وفقًا لفريدمان , من خلال ما تنفقه على (( خلق )) المعلم الناجح , وتربية الأبناء , وزرع الجدية فيهم , والاهتمام بمقرراتهم التعليمية. فمستوى (( مخرجات التعليم )) هو الذي يُحدد قوة أمم المستقبل وثراءها , وليس امتلاكها للذهب والألماس والنفط , صحيحٌ أن امتلاك الموارد الطبيعية مفيدٌ , لكنه يصبح بلا جدوى إن لم يُستغل بطريقةٍ سليمةٍ ومُوجهةٍ نحو التنمية البشرية المستدامة , لا يزال التعليم يواجه تحدياتٍ هيكليةٍ كبيرة في العراق , من نقص الاستثمار إلى تدهور جودة المناهج , مما يُعيق تخريج جيلٍ قادرٍ على قيادة البلاد نحو التقدم .
تبقى في ألأذهان عبارة ابن رشد : (( اذا اردت ان تتحكم في جاهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف ديني )) , علاوةً على ذلك , يُسهم الجهل في انتشار الخرافات والأساطير التي تُعمم الفكر الظلامي المعادي للأفكار التنويرية , عندما يغيب الوعي والمعرفة , تُصبح المجتمعات عرضةً لتصديق الأفكار غير المنطقية والخرافية , مما يُعيق التفكير النقدي والعلمي , ويُبقي الأفراد حبيسي قناعاتٍ قديمةٍ لا تتماشى مع متطلبات العصر الحديث , هذا الفكر الظلامي يُعيق أي محاولة للتجديد والتطوير, ويُرسخ مفاهيم تُخالف مبادئ التنوير التي تدعو إلى العقلانية , والمنطق والبحث العلمي .

يؤكد الإمام الشافعي على أهمية العلم والمعرفة وخطورة الجهل , حيث يقول: (( تعلَّم فليس المرءُ يولد عالمًا وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ )) , إن السبيل الوحيد للعراق لتحقيق التقدم المنشود هو مكافحة الجهل بجميع أشكاله , يتطلب ذلك استثمارًا حقيقيًا في التعليم , بدءًا من جودة المعلم والمناهج , وصولًا إلى غرس ثقافة البحث العلمي والتفكير النقدي في الأجيال الناشئة , كما يتطلب العمل على نشر الوعي ومحاربة الأفكار الظلامية , وتشجيع الحوار المفتوح والبناء الذي يُعزز التسامح وقبول الآخر , فالمستقبل الحقيقي للعراق يكمن في عقول أبنائه , وليس في باطن أرضه, فهل نستيقظ من سبات الجهل قبل فوات الأوان؟.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة السفراء .
- مقامة ألأمشجي .
- مقامة الونين .
- مقامة البحث عن السعادة .
- مقامة المسكون .
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .
- مقامة لا يختبئان .
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .
- مقامة الشامات .
- مقامة معطف ديدرو .
- مقامة حين يرتبك المعنى .
- مقامة جدل اللغة .


المزيد.....




- عشرات الفنانين والإعلاميين يطالبون ميرتس بوقف توريد الأسلحة ...
- حكايات ملهمة -بالعربي- ترسم ملامح مستقبل مستدام
- مسرحية -لا سمح الله- بين قيد التعليمية وشرط الفنية
- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...
- نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة ...
- تضارب الروايات حول استهداف معسكر للحشد في التاجي.. هجوم مُسي ...
- ديالا الوادي.. مقتل الفنانة العراقية السورية في جريمة بشعة ه ...
- مقتل الفنانة ديالا صلحي خنقا داخل منزلها بدمشق والتحقيقات تك ...
- القنبلة الذرية طبعت الثقافة اليابانية بإبداع مستوحى من الإشع ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .