أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة لا يختبئان .














المزيد.....

مقامة لا يختبئان .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 16:59
المحور: الادب والفن
    


مقامة لا يختبئان :

يقول مثل صيني قديم وحكيم : (( الحب والعطر لا يختبئان )) , حقيقة تلامس الروح , وما أصدقها من كلمات تلامس جوهر التجربة الإنسانية , فمثلما تفضح رائحة العطر وجودها وتعلن عن نفسها , كذلك يفعل الحب , إنه يتسرب من العيون نظراتٍ , ومن الشفاه بسماتٍ , ومن القلب دقاتٍ متسارعة , لا يمكن للقلب أن يحمل كل هذا الشغف وكل هذا الحنين ويستمر في التظاهر باللامبالاة , ففي كل حركة , وفي كل كلمة , بل وحتى في الصمت , تجد أثراً خفياً للحب الذي يعتمل بداخلك , تخيل معي للحظة , هل يمكنك إخفاء رائحة الياسمين حين تتفتح أزهارها في ليالي الربيع ؟ أو كتم عبير المسك عندما يفوح في الأجواء؟ بالطبع لا, وهكذا هو الحب , لا يمكنه أن يظل مخبأً بين طيات الروح , ولا حبيساً خلف أسوار الصمت.

بَيْنَ طَوْقِ الحَمامةِ , وفُصوصِ الحِكَمِ , وتَحْتَ ظِلالِ تَرْجُمانِ الأَشْواقِ , تُولدُ رائحة الحب كمَا يُولدُ السِّرُّ في غَفْلةٍ مِنَ الوُضوحِ , وَيُكْتبُ الحَنينُ بِنبْضٍ يُخْطئُ الجَسدَ لِيُصيبَ المَعْنى , هُنا , لا يُرْوى العِشْقُ مِنْ كُؤُوسِ الهَوى المُعْتادةِ , بَلْ يُرشُّ على القَلْبِ كالمَطرِ الَّذي ضَلَّ طَريقهُ , فَنزلَ في الدَّمِ , مِنْ طَوْقِ الحَمامةِ ذَاكَ الَّذي كَتبَهُ ابْنُ حَزْمٍ , كَفَقيهٍ عَاشِقٍ , إِلى فُصوصِ الحِكَمِ الَّتي فَتَقَ فيها ابْنُ عَرَبيٍّ أَسْرارَ الوُجودِ , إِلى تَرْجُمانِ الأَشْواقِ الَّذي جَعلهُ لِسانَ العَارِفينَ , إِذَا هَامُوا في تَجلِّياتِ الجَمالِ ,في ذَلِكَ الكِتابِ الأَخيرِ, نَحتَ ابْنُ عَرَبيٍّ رائحة تجلت كَمَبْدإٍ كَوْنيٍّ , كَاسْمٍ مِنْ أَسْماءِ الجَمالِ الإِلهيِّ , وحرَّرَ الشَّوْقَ مِنْ قَفصِ الجَسدِ إِلى مَيْدانِ المُطْلقِ.

كم من مرة حاولنا أن نكتم شعوراً جارفاً , أن ندفن لهفةً عميقة , أو أن نتجاهل انجذاباً قوياً ؟ ولكن هل نجحنا حقاً ؟ سرعان ما تجد هذا الشعور يتجلى بطرق غير متوقعة , ربما في ابتسامة غير مقصودة عند رؤية من تحب , أو في توتر الصوت عند الحديث معه , أو حتى في لهفة السؤال عنه من بعيد , الحب الصادق يجد دائماً طريقاً ليُعلن عن نفسه , لأن طبيعته هي الظهور, مثلما هي طبيعة العطر أن يفوح , إنه يتسرب كأشعة الشمس الذهبية من بين الغيوم , لا يمكن حجبها طويلاً , إنه قوة دافعة , إلهام لا يمكن إطفاؤه , ونبض حياة يرفض أن يُقمع , فلماذا نحاول إخفاء ما هو جميل وجوهري إلى هذا الحد؟ لماذا نخشى أن نُظهر هذا النور الذي بداخلنا؟

لَمْ أَسْمَعِ البَابَ , لكنِّي رأيتُ الضَّوءَ يَنسِجُني على كُرْسيٍّ مائِلٍ بَيْنَ النَّارِ والمَاءِ , قُلتُ: هذِهِ قَدم تَكْتُبُ خُطًى لا تُحاكَى , وتَعلَّقْتُ بخَنَسي كَأَنِّي لَمْ أُوعَدْ بَعدُ , كُلُّ الشُّرُفاتِ كَانَتْ تَنْظُرُ , كَأَنَّهَا تُحَاوِلُ فَهْمَ لِماذا يُغَيِّرُ العِطْرُرَسْمَ الفضاء حينَ الشروق ؟ لَمْ أَسْأَلْ: مَن أَنْت ؟ كُلُّ الأَجْوِبَةِ نَهَضَتْ مِنْ غَفْوَتِي , وَلَفَّتْني بلُغةٍ لَيْسَ لها نُطْقٌ إلَّا على الشَفَتيْن , ذاتَ لَيْلٍ , اسْتَحْملْتُ القَلقَ كَوِسَادةٍ يَنامُ عَلَيْها التَّعَب , كُنا نتنَفَّس نَجْمًا , وَنسْكُبَ جُرْحًا , وأنا , أَتَعلَّمُ كَيْفَ يَصيرُ اللَّمْسُ صَلَاةً , فلا تَوقيتَ للجُنُون , حينَ تَتَفتَّحُ (( فينوس)) , يَغيبُ الزَّمَنُ , ويَبْدَأُ شَيْءٌ لَيْسَ مِنْ هَذَا الكَوْنِ.


لَوْزُالحب مُرٌّ, عِنْدَمَا يَبْقَى عِطْرُك مَا بَقِيَ عَلَيْكِ مِنِّه , أَدْمَنْتُه , لِلشِّفَاءِ مِنْه , وخِضَابُ الكَفَّيْن دَمِ , أَثْمِدُ الكُحْلِ , لأتشهى رَمَادُ الأَحْلَام , مبعثرة سِنِينُ العُمْر , وفي فَجِيعَةُ التَّجَلِّي يَشْتَدُّ الرَّمَادُ , وَيَتكَثَّفُ المَجَازُ: طُوفانَاتٌ , سْبَارْتاكُوس , تَكيَّةُ أَلْفِ لَيْلةٍ , شِعَابٌ , انْتِظارَاتٌ ,أَرْخَبيلُ صَمْتٍ , وَالخِتَامُ لا يُغْلِقُ الجُرْحَ , بَلْ يَتْرُكُهُ مَفْتُوحًا , حَيْثُ لا فِدَاءَ إِلَّا في السُّقُوطِ الأَخيرِ: (( سَبَحْتُ فِي عُقَابيلِ الغَمْرَةِ , وَسَلَّمْتُ بِقَدَرِي , فَخَلَاصي : هَذَا السَّحِيقُ الدِّيْجُورِيُّ )) , هَا أَنَا , أُغْلِقُ الكِتَاب , والانْتِظَارُ: مُتَلَازِمَةُ الشَّوْق , وَالغِيَابُ : مَرَادِفٌ لِلنِّسْيَان , أَطْلِقُوا الفَرَاشَات , ستقتفي رائحة سَمَاءِ الله وتُفْتَحُ أُصُصُ الزُّهُور, لقد قَرَشَتْ أَنْسَامُ عِطْرِنا , قَمَّطْناهَا بِطِينِ العَبْرَة , وَاسْتَوْدَعْناَها ضُحَى الحُلْم , فَلنتَوَكَّأ عَلَى الرُوح , لا على الظِلِّ , واللَّيْلُ طَوِيل , وَبِكِ مُعلَّقٌ , مُؤَرَّق , نَبتَ عَنِّي .

في النهاية , دع الحب ينبعث منك كما ينبعث العطر من زهرة , دعه يملأ الأجواء من حولك , ويصل إلى من يستحقه , فالحب , كالعطر, كلما انتشر, كلما زاد جماله وعمّ خيره , وعندما يَتَشابكُ الأَثرُ بِالمَأْثُورِ , وتَغْدُو المُرَاوَدةُ فِقْهًا شِعْرِيًّا في العُبورِ مِنَ الذَّاتِ إِلى الأُخْرَى , ومِنَ الأُخْرى إِلى التَّلاشي , التسريب لايغدو اسْتِعارَةً , كَأَنَّها الكَلِمةُ الأُولى الَّتي خُلِقتْ , والأَخيرَةُ الَّتي تُطْفِئُ النُّورَ , لِتُضيءَ بِالغيَابِ , فيسمو العطر , القَصِيدَةٌ التي لا تُقَالُ , بَلْ تُسَالُ مِنَ الجِرَاحِ , ولا تُفْهمُ , بَلْ تُعَاشُ وتُرَتَّلُ , وفي الِانْكِشافُ , هُناكَ تَوتُّرٌ نَاعِمٌ , وعِطْرٌ , ولَمَعانٌ في الأَصَابِعِ , ودَهْشةٌ فِي اسْتِقْبالِ الضَّوْءِ, كَأَنَّ الحَبيبَ نَزَلَ مِنْ نَصٍّ صُوفيٍّ , أَوْ مِنْ مِرْآةٍ مُعَلَّقةٍ بَيْنَ المَاءِ والنَّارِ.

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .
- مقامة الشامات .
- مقامة معطف ديدرو .
- مقامة حين يرتبك المعنى .
- مقامة جدل اللغة .
- مقامة الشخة .
- مقامة الشطح .
- مقامة الخرق .
- مقامة طِشّاري .
- مقامة الباينباغ .
- مقامة مربع المجون .
- مقامة النوم .
- مقامة السكارى .
- مقامة الكتابة .
- مقامة الأنهيار .
- مقامة صدأ الروح .
- مقامة الرحاب .


المزيد.....




- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...
- ايران تحرز ميداليتين ذهبيتين في الفنون القتالية ببطولة آسيا ...
- فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة
- أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في -الجونة السينمائ ...
- حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسل ...
- توقف عن التسويف فورا.. 12 كتابا تكشف علاقة الانضباط بالنجاح ...
- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...
- هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة لا يختبئان .