أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ألأمشجي .















المزيد.....

مقامة ألأمشجي .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


مقامة ألأمشجي :

مهنة (( الأمشجي )) هي مهنة تاريخية تعود إلى أيام الاحتلال العثماني , وكان صاحبها يسير حافيًا أمام عربة الباشا أو رجل الدولة , دافعًا المارة ومبعدًا إياهم عن الطريق وهو ينادي بعبارات مثل (( امشي... هش... ابعد )) , أو (( وسّع للباشا يا جدع )) باللهجة المصرية , كانت هذه المهنة تهدف إلى تمهيد الطريق للشخصيات المهمة وإظهار نفوذها, وعلى الرغم من مرور الزمن , لم تنقرض هذه المهنة الوضيعة , بل تغير شكلها وتحوّرت لتتناسب مع السياق الحالي , في العراق اليوم , يمكن ملاحظة تجليات مختلفة لـ (( الأمشجي)) المعاصر , خصوصًا في المشهد السياسي والانتخابي , و يُلاحظ أن هذه المهنة تغيّر شكلها فقط , أو تحورت على شكل (( بودي جارد )) أو نبّيحة حاكم أو شبّيحة مجرم , أو زبانية إعلام و و أبواق الوكالات الإخبارية.

(( الزمار والطبال وكل من يشتغل في اللهو لا تُقبل شهادته )) , هكذا كان القضاء المصري قديما يتعامل مع من يمتهنون صنعة (( التشخيص )) (التمثيل) , وقد استمر في رفض شهادتهم حتى الخمسينيات من القرن الماضي , والواقع أن المجتمع كله كان ينظر إلى المهنة وأصحابها بدونية , ويستخدم كلمة (( مشخصاتي )) (الممثل) للتقليل من شأن ممتهنيها , وقد دخل التمثيل المسرحي مصر عام 1833 من خلال (( مهرجين )) كانوا يقدمون فقرات للترفيه في المناسبات لدى الأسر الغنية , ولكن على مرّ عقود بعد ذلك بذل بعض رواد تلك المهنة جهودا مميزة لتحسين النظرة إليها , ولتلعب دورا يحترمه الناس , مهنة أخرى من العصر ذاته لم تكن محل تقدير اجتماعي هي ))الأمشجي )) , وهو ذلك الرجل الذي كان يسبق مواكب الأثرياء وكبار المسؤولين ليفسح لهم الطريق هاتفا في الناس (( وسع يا جدع )) (أفسح الطريق) , والمفارقة أن هذه الوظيفة التي ينظر إليها المجتمع بدونية كانت من لوازم الأبهة والتفخيم التي يلجأ إليها الأثرياء ليشعروا المارة في الطرقات بأهميتهم.

انقرضت مهنة (( الأمشجي )) واختفت من الشوارع والطرقات , لكنها ظهرت بأشكال أخرى في فضاءات بديلة , هناك من يقوم بهذا الدور لنفسه وبنفسه فنكاد نسمعه يقول (( وسع يا جدع )) كلما ظهر في فضائية أو نشر شيئًا على منصات التواصل الاجتماعي , وكأنه سيأتي بما لم يأت به من سبقوه منذ بدء الخليقة , ومع الإلحاح (( والزن )) (التكرار) يجد من يتطوعون للعب دور (( الأمشجي )) له مجانا وبحماس زائد , وصدق المثل الشعبي (( الزنّ على الودان أمرّ من السحر )) أي التكرار أشد تأثيرا على الأذنين من السحر , لنكون إزاء سيل من القيم والنماذج والأفكار المريضة والغريبة تحفل بها أعمال درامية , وبرامج تلفزيونية , ومنشورات في الشبكات الاجتماعية , وهي محمية جميعها بهؤلاء (( الأمشجية )) الذين يضفون عليها هالات المهابة , ويرهبون من يحاول نقدها من الجماهير.

باختصار, يمكن القول إن مهنة (( الأمشجي )) لم تختفِ , بل تطورت وتكيفت مع متطلبات العصر , وأصبحت أكثر تعقيدًا وتأثيرًا , خصوصًا في المشهد السياسي والانتخابي في العراق , إنها تعكس جانبًا من الديناميكيات الخفية التي تشكل الرأي العام وتؤثر على سير العملية الديمقراطية , وأصبح الأفراد الذين يؤدون دور البودي جارد والحماية الشخصية جزءًا أساسيًا من حاشية السياسيين والشخصيات النافذة , مهمتهم لا تقتصر على تأمين الحماية الجسدية فحسب , بل تمتد لتشمل إظهار قوة ونفوذ الشخصية التي يحمونها , فهم يمهدون الطريق في التجمعات والمناسبات , ويتحكمون في حركة الجمهور حول السياسي , وفي عالم الإعلام , ظهرت فئة من (( الأمشجية )) الجدد الذين يعملون على ترويج أجندات معينة والدفاع عن سياسيين أو كتل انتخابية , هؤلاء يقومون بنفخ صور بعض المرشحين وتشويه صورة المنافسين , مستخدمين مختلف المنصات الإعلامية, يمكن أن يكونوا محللين سياسيين متحيزين , أو إعلاميين يروجون لخطاب معين , أو حتى حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تعمل بشكل ممنهج لدعم جهة معينة.

(( النبيحة )) الإعلامية وأبواق الوكالات الإخبارية , والشبيحة والزبانية في العمل السياسي , في بعض الأحيان , قد يتخذ الأمر منحى أكثر خطورة , حيث تظهر مجموعات تعمل كـ(( شبيحة )) أو (( زبانية )) لأحزاب أو شخصيات سياسية , هؤلاء قد يستخدمون الترهيب أو الضغط للتأثير على الرأي العام أو حتى على الناخبين مباشرة , خاصة في أوقات الانتخابات , هدفهم هو إزاحة أي عائق أمام مرشحيهم , سواء كان ذلك عائقًا ماديًا أو معنويًا يتمثل في الأصوات المعارضة , وفي ظل التحضيرات للانتخابات الجارية في العراق , تتجلى ظاهرة (( الأمشجي )) بوضوح , نرى حملات إعلامية ضخمة تهدف إلى (( تمهيد الطريق )) لمرشحين معينين , سواء كان ذلك من خلال البرامج الحوارية التي تمدح إنجازاتهم , أو الأخبار التي تتجاهل سلبياتهم وتبرز نقاط قوتهم المزعومة , كما نشهد انتشارًا للجان الإلكترونية التي تعمل على تضليل الرأي العام ونشر الشائعات ضد المنافسين .

ان الانتقال من الامشجي التقليدي العتيق الى الامشجي المودرن , يؤشرالتغير في الشكل والاسلوب اما الجوهر والمضمون فقد ظل على حاله , هذه هي ثقافة الخازوق وما انبثق عنها من أمجاد اِختصوا بها من هم أهل لها ,هذا هو عصر ألأمشجية الذي يتصدر المشهد فيه كثير من أنصاف المواهب ومحدودي القدرات , والويل لمن (( يتطاول )) فينقد عملا من أعمالهم أو ذواتهم (( المقدسة )) , يتحول هذا الناقد مباشرة إلى ظلامي معاد للتقدم , وهو لا يقدر من (( يضحون بحياتهم لإسعاد الناس )) , وكأن أحدا طلب منهم التضحية أو تظاهر عند اعتزال أي منهم , وكأنهم لا يتقاضون تلك الأموال الغزيرة في مقابل التضحيات المزعومة , بعض هؤلاء يتقمصون حاليا أدوار قادة الرأي , ويمطروننا بمزاعم عن دورهم في (( رفع وعي الجماهير)) , ثم تراجع ما قدموه فلا ترى إلا ابتذالا محضا لا يحاول التخفي , هذا السيل من الغثاء هو تهديد كبير لقيمنا وأفكارنا ووجداننا وذوقنا , والاستسلام له يعني فقدان الأمل في المستقبل , فهل نقبل بالتردي المتواصل والمتنامي؟ أم نصارعه لنصنع لأنفسنا مكانا ومكانة تليق بنا ؟

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الونين .
- مقامة البحث عن السعادة .
- مقامة المسكون .
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .
- مقامة لا يختبئان .
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .
- مقامة الشامات .
- مقامة معطف ديدرو .
- مقامة حين يرتبك المعنى .
- مقامة جدل اللغة .
- مقامة الشخة .
- مقامة الشطح .


المزيد.....




- أكثر 10 لغات انتشارا في العالم بعام 2025.. ما ترتيب اللغة ال ...
- مشروع قانون فرنسي لتسريع إعادة منهوبات الحقبة الاستعمارية
- خلال سطو مسلح على شقتها.. مقتل الفنانة ديالا الوادي بدمشق
- فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات ا ...
- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...
- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ألأمشجي .