أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المسكون .














المزيد.....

مقامة المسكون .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


في زاويا الولاية المنسية , غالباً ما يذوب الحاضر في ذاكرة الأزقة العتيقة , ففي كل مكانٍ تجد أثراً يروي آلاف الحكايا عن أولاءك الذين قادتهم الخطى للسير في طرقاتها دون ان يعلموا شيئاً عن النهايات التي تنتظرهم , بعضهم ترك ذاكرة المدينة تتحدث عنه , والبعض الآخر حملت أفواه ساكنيها أخباره في المجالس والمقاهي , والتي أرتادها لسماع ما يتناقله الناس من تلك الأخبار , ها أنا انصت الى نهايات دور التسليم لمقام الخلوتي ( الجهاركاه ) الذي يقرأه المتصوفة , نغم يسمى ( الركبانية ) , وعلى درجة القرار المنخفض , يكاد المؤدي أن يكلم نفسه وهو يردد (( أرد آخذك وأنهزم وأسكن بلاد الروم , مالوم منك يابعد رويحتي مالوم )) , ذلك هو عتب العاشق للمعشوق , وتلك هي الومضة التي تُحرر في قفص الكلمات , هذه الومضة القصيرة , كضوء في ليل طويل , تختزل عالماً من الدلالات في حيز ضيق من الكلمات .

ما زلت أغازل الشغف القديم للغة , لعلّي أستنشق من بين حروفها ظلّاً من ألأحلام الضائعة , فليست اللعبة أن تلامس ما تريد وجهًا لوجه , ولا أن تقف أمام المرآة منتظرًا أن تردّ لك الغياب بصورة , فأنت هناك في البعيد , تمارس طقوسك بصمت كما لو أنك تعانق الضباب برجاءٍ أن يثمر وجهًا في أقصى الأفق , لعلّ في الكلامِ مشقّة لا تحتملها النفوس , ولا تألفها الأرواح , لعلّ فيه خدشًا للحُب , والكرامة , والإباء , لما تعاتبنا غلب علينا الفضول , وربما الشغف , وربما لا , كلُّ ذلك كان بلا كلمات , وحين حان وقتُ الكلام , صمتنا , كأنّه لم يُعجبنا الأمر , انتهت الحكاية , فعدنا إلى الصمت ,صمتًا , كما بدأنا , وكما نستحق.

في لحظة لا احد يستطع تفسيرها , فلا أحد يرى المزاج حين يقسو ولا أحد يسمعه حين يهمس , هو الذي يقرّر متى أكون أنا ومتى أكون ظلي , يا سلمى , يا سيّدةَ الشعرِ والنَّبضِ ووهجَ الحروفِ بعينِ الغضبْ , نسجتِ الوجعَ على ضوءِ روحٍ تُعانقُ في الأرضِ مجدَ الحَطَبْ , أنا لستُ غيرَ حروفٍ تهادتْ على شرفةِ الوجعِ المُلتَهِبْ , أنا ظلُّ محب يمرُّ الحنينُ بأوردتي , ويعودُ يَنسكِبْ , أنا نفْسُ سالكةٌ في الغيابِ تُرى حين تُفنى , وتخفى إذا اقتربتْ , أيا سلمى , والعشقُ مذهبي وفي الحبِّ وحدهُ قد عرفتُ النّسَبْ , وعندما تكون الكلمات بسيطة , لا تسأل كثيرا , لا تبوح بما يفوق حاجتها , لكن الكلمات تترك في حديثها فراغات ذكية , كأنها تدعوه لاكتشافها دون أن تعطيه خريطة.

كتب أنطون تشيخوف في رواية (( السيدة صاحبة الكلب )) : (( هناك حب لا يُنسى , يبقى متجذرًا في القلب حتى بعد أن يمضي كل شيء , تظن أنك تجاوزته , أنك تحررت منه , ثم فجأة , في لحظة عابرة , تسمع صوتًا يشبه صوته , أو تلمح شخصًا يحمل ملامحه , فترتجف روحك وكأنك التقيته من جديد , لكنك تعلم , في أعماقك , أن ما ضاع لا يعود , وأن بعض المشاعر تبقى حبيسة القلب , لا تبوح بها ولا تموت أبدًا , إنها تظل هناك , تنبض في صمت , كجمر تحت الرماد , تنتظر نسمة واحدة لتشتعل من جديد , فهل الحب الحقيقي هو الذي ينتهي , أم ذاك الذي يبقى , حتى لو لم يعد له وجود؟ )) .

يقول ميشال زيفاكو : (( الحب لا يعرف الألقاب ولا يخضع للتراتيب إنه تمرّد القلب على قوانين العالم )) , عندما قالت له غاضبة : ﺳﺄﻗﺘﻠﻚ ﺇﻥ ﻋﺮﻓﺖ ﺃﻧﺜﻰ ﻏﻴﺮﻱ , قال :الميت لا يموت الا مرّة وأحدة , فكيف تقتلين من مات فيكي عشقاً ؟ هل سمعتم عن غزل الفقهاء : (( كان عروة بن أُذينةَ زاهِدًا ورعٍا , وكثيرُ علم و فقيه , ومَعَ ذلكَ كَانَ رقيق الغزل كثيره , مِن جمِيل مَا قالْ : (( إذا وجَدْتُ أُوارَ الحبِّ في كبدي أقبلتُ نحو سقاء القوم أبتردُ , هبني بَرَدتُ ببرد الماءِ ظاهرَهُ فمن لِنَار ٍعلى الأحشاء تَتَّقِدُ؟ )) , الحب ليس في العثور على شخص تعيش معه , بل في العثور على شخص لا يمكنك تخيل الحياة دونه , لا تقع في الحُب إلا مع شخص يجنّ إن تخللت أصابعك بين أصابع غيره , يسأل عن أسباب الخدوش في أطرافك ويراها بمثابة علامات لأيام مرّت على قلبك , يلاحظ أبسط تفاصيلك تلك التي قد تظن أنها غير مهمة , لكنه يراها كل شيء,يعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون .

الْحبُّ مرضٌ خطيرٌ لَا يُصابُ بهِ إلَّا مَنْ فِي قلْبِهِ قبسٌ منْ نورٍ , وفي دعْوةُ الْحبِّ : ( اللَّهْ يَعْطِيكْ مَرْضْ الْقَيْسْ ) سمعْتُها تُكرارَا مراراً , دعْوةٌ غيْرُ مُسْتجابةٍ , لأنَّ كفّارَهَا كُثْرٌ, دعونا نأتي إلى الحب , ذاك الكائن الذي يتسلل إلينا من خارج المنطق , ويعطّل فينا أدوات التحليل , هو الفوضى الوحيدة التي يتساوى فيها الأميّ والعالِم , لا عجزًا فيهم , بل لأن المنطق لا حاجة له هناك , وانظر إلى لعبة العيون , حين يصنع الوهم ابتسامة , وتكون هناك خشية من الاقتراب كثيراً , فالقرب يكشف العيوب , والكشف يجلب الخذلان , وخشية من منح الثقة مرة أخرى , ولكن لابد من تجاوز هذا الخوف معه , والسَّهْمُ الذي اخْتَرَقَ القَلب لَمْ يُدْمِهِ , لَقَدْ مَلَأَهُ عِشْقًا , يريد ان يضمه كما يَضُمُّ شاعرٌ عَجُزَ بَيتٍ إلى صَدْرِهِ ,
فالحُبُّ هُوَ أنْ يَكُونَ قَلْبُ الحَبيب هُوَ خَرِيطَةَ الكَوْنِ , كالعِطْرِ مُدْهِش في حُضُورِه , هَشًّا في التلاشِي .


(( مسكون بالحب )) تعني possessed by love أو haunted by love باللغة الإنجليزية , يشير إلى الشعور القوي والمستمر بالحب , أو قد يكون تعبيرًا مجازيًا عن التأثير القوي للحب على الشخص , وفي الأدب , قد يشير (( مسكون بالحب )) إلى الشعور العميق والمتواصل بالحب , حيث يكون الشخص مغمورًا بمشاعر الحب لدرجة أنها تسيطر على تفكيره وسلوكه.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .
- مقامة لا يختبئان .
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .
- مقامة الشامات .
- مقامة معطف ديدرو .
- مقامة حين يرتبك المعنى .
- مقامة جدل اللغة .
- مقامة الشخة .
- مقامة الشطح .
- مقامة الخرق .
- مقامة طِشّاري .
- مقامة الباينباغ .


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المسكون .