أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة بوصلة لطفية الدليمي .















المزيد.....

مقامة بوصلة لطفية الدليمي .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


مقامة بوصلة لطفية الدليمي :

في خضم صخب الآراء وتصارع الأيديولوجيات , يتكشف لنا صوت حكيم من عمق التجربة , صوت الكاتبة لطفية الدليمي التي تختزل دروس الحياة في عبارة موجزة وعميقة : (( تعلمت آخر الأمر وآخر العمر, أن لا أثق بالجهات الأفقية , أعني اليمين واليسار وما بينهما , أؤمن بالأعالي والأعماق, أؤمن بالعقل والقلب حسب )) , هذه الكلمات ليست مجرد حكمة شخصية , بل هي دعوة للتأمل في مسارات الفكر, دعوة للانعتاق من أسر التصنيفات السطحية والبحث عن الحقائق الجوهرية ,تُعبّر الدليمي عن خيبة أملها في (( الجهات الأفقية )) , وهي تسمية جامعة لكل الأطياف السياسية والفكرية التي تتنازع فيما بينها على الأرض , أو على الأقل , ضمن إطار مادي ومباشر, اليمين واليسار, وما بينهما من تيارات ووسطيات , غالبًا ما تقع فريسة للجمود الفكري والانقسام , وتُبنى على مصالح ضيقة أو تصورات محدودة للعالم , هذه الجهات , وإن بدت مختلفة في ظاهرها , إلا أنها قد تلتقي في قاسم مشترك : التمركز حول الماديات , أو السلطة , أو الإيديولوجيات الجاهزة التي غالبًا ما تُقصي التفكير الحر والنقد البناء .

إن الإيمان المطلق بهذه (( الجهات الأفقية )) قد يقود إلى تضييق الأفق الفكري , ويُدخل الفرد في دوامة من الولاءات العمياء والتحزبات التي تحجب الرؤية الشمولية, وتجربة الحياة , خاصة في مراحلها المتأخرة , تكشف زيف الكثير من الشعارات وبريق الكثير من الوازع , وتُظهر أن الحقيقة غالبًا ما تكون أبعد من التصنيفات السهلة , فعلى النقيض من (( الجهات الأفقية )) , تُقدم الدليمي بديلاً عميقًا : الإيمان بـ(( الأعالي والأعماق )) ,هذا التعبير لا يُشير إلى مكان مادي , بل إلى أبعاد روحية وفكرية تُعنى بالجوهر لا بالمظهر , (( الأعالي )) هنا يمكن أن ترمز إلى المبادئ السامية , القيم الإنسانية النبيلة , المثل العليا التي تتجاوز حدود الزمان والمكان , إنها الفلسفة التي تسعى إلى الارتقاء بالفكر البشري , والبحث عن المعنى الأسمى للوجود , هي الطموح نحو الحكمة , ونحو الحقائق الكونية التي لا تتغير بتغير الأنظمة أو الأيديولوجيات , أما (( الأعماق )) , فتُشير إلى الذات الإنسانية الداخلية , إلى العوالم الخفية للنفس البشرية , وإلى ما وراء السطح الظاهر من المشاعر والأفكار , إنها دعوة للغوص في دواخلنا , لفهم الذات والآخر, للتعاطف والتأمل , وللكشف عن مصادر القوة الداخلية والإلهام , الإيمان بالأعماق يعني الاعتراف بأن الحقيقة لا تكمن فقط في الخارج , بل هي متجذرة في أعماق الوعي واللاوعي.

وتختتم الدليمي هذا التوجه بقولها : (( أؤمن بالعقل والقلب حسب )) , هذا المزيج يكشف عن رؤية متوازنة وشاملة للإنسان , العقل هو أداة التحليل , التفكير النقدي , المنطق , والبحث عن الأدلة , إنه القدرة على التمييز بين الحق والباطل , وبين الحقيقة والوهم , أما القلب , فهو مركز المشاعر, الوجدان , الحدس , والقدرة على التعاطف والفهم العميق الذي يتجاوز المنطق الجاف , والتوازن بين العقل والقلب هو مفتاح الحكمة الحقيقية , فالعقل وحده قد يقود إلى الجفاف والبعد عن الإنسانية , والقلب وحده قد يقود إلى العشوائية والانجراف وراء العواطف , معًا , يشكلان بوصلة للإنسان في رحلته الوجودية , توجهه نحو ما هو حقيقي وأصيل , بعيدًا عن ضجيج التصنيفات السطحية , لاحظ ان هذا الكلام يصدر من كاتبة عاشت كل عمرها وهي محسوبة على اليسار , فهل من مدلولات ؟ إن ذلك يحمل عدة دلالات قوية , فهو يعبر عن تحرر فكري بعد تجربة عميقة , كونها محسوبة على اليسار طوال حياتها يعني أنها كانت على الأرجح ملتزمة بمسار فكري وإيديولوجي محدد , له قناعاته وأطره , عندما تعلن في (( آخر العمر)) أنها لا تثق بـ(( الجهات الأفقية اليمين واليسار وما بينهما )) , فهذا يشير إلى مراجعة نقدية ذاتية , لم تعد متمسكة بالتصنيفات الجاهزة , بل خضعت هذه الانتماءات لمراجعة عميقة بعد تجربة طويلة , هذا ليس رفضًا سطحيًا , بل نتاج نضج فكري , يعني تجاوز الانتماء الحزبي/الإيديولوجي أنها وصلت إلى قناعة بأن الالتزام المطلق بجهة واحدة , حتى لو كانت جهتها , قد يكون قيدًا على الحقيقة الشاملة أو التفكير الحر, لذا هي تبحث عن جوهر أعمق , بعد أن استكشفت ما تقدمه (( الجهات الأفقية )) من حلول ورؤى , وجدت أنها غير كافية أو غير مرضية للوصول إلى الحقيقة الكاملة .

عندما يأتي النقد من الداخل , يكون أكثر تأثيرًا ومصداقية , قول الدليمي ليس نقدًا من خصم سياسي أو فكري , بل هو شهادة من شخص عاش داخل إطار معين , واختبره بشكل مباشر , هذا يجعله أكثر إقناعًا , يصعب اتهامها بالتحيز أو عدم الفهم , لأنها تتحدث من موقع معرفة واطلاع مباشر على ما تتضمنه هذه (( الجهات )) , وشهادة على قصور التصنيفات, فهي بمثابة إقرار بأن الأطر الإيديولوجية , حتى لو كانت نبيلة في ظاهرها , قد تفشل في احتواء تعقيدات الحياة الإنسانية والوجود , إن تبرؤ لطفية من (( الجهات الأفقية )) وتمسكها بـ (( العقل والقلب )) كبوصلة , يعكس انتقالًا من مستوى الجزئي والمحدود (الإيديولوجيات) , إلى مستوى الشمولي والعالمي (الحكمة الإنسانية), وهذا يعني أولوية القيم العليا , مثل العدالة , الكرامة الإنسانية , التفكير النقدي, والتعاطف , تتجاوز الانقسامات الأفقية , هي ليست حكرًا على يمين أو يسار, وبدلاً من الاعتماد على (( الحزب )) أو (( التيار)) كمرجعية وحيدة , تُصبح مرجعية الفرد هي عقله وقلبه , وهذا يتطلب وعيًا ومسؤولية ذاتية أكبر .

بالتأكيد لا يعني كلامها رفضًا مطلقًا للمبادئ الأساسية التي قد يكون اليسار قد حملها (كالعدالة الاجتماعية أو مقاومة الاستغلال) , بل قد يكون رفضًا للممارسة العملية أو الطريقة التي تجسدت بها هذه الإيديولوجيات على أرض الواقع , وما شابها من جمود , أو انقسام , أو فشل في تحقيق الوعود ,هي تنتقد شكل التعبير عن هذه المبادئ , أكثر من انتقادها للمبادئ ذاتها , باختصار, كون لطيفة الدليمي كاتبة محسوبة على اليسار وتصل إلى هذه القناعة في آخر عمرها , يجعل قولها أكثر قوة , وأعمق تأثيرًا , وأبعد مدى , إنه شهادة من الداخل على ضرورة تجاوز التصنيفات الضيقة والبحث عن الحقيقة في الأعماق والأعالي , بالاستناد إلى أدوات الإنسان الأزلية : العقل والقلب.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .
- مقامة لا يختبئان .
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .
- مقامة الشامات .
- مقامة معطف ديدرو .
- مقامة حين يرتبك المعنى .
- مقامة جدل اللغة .
- مقامة الشخة .
- مقامة الشطح .
- مقامة الخرق .
- مقامة طِشّاري .
- مقامة الباينباغ .
- مقامة مربع المجون .
- مقامة النوم .
- مقامة السكارى .


المزيد.....




- بيان المجلس الأعلى للثورة الثقافية استجابةً للرسالة الاسترات ...
- مستوطن يقتل فلسطينيا شارك بإنتاج فيلم فائز بأوسكار
- سواد القدور الخاوية يوثق في لوحات ظلام مجاعة غزة
- هل نجح الباحثون الأردنيون في توثيق هوية القدس وحمايتها معرفي ...
- كيف أثّر فن وفكر زياد الرحباني في أجيال متعاقبة؟
- الكتابة من تحت الأنقاض.. يوسف القدرة: في الشعر لغة -فرط صوتي ...
- تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني... وفيروز في وداعه
- (فيديو) في وداع الرحباني.. ماجدة الرومي تبكي عند أقدام فيروز ...
- أطروحة دكتوراة عن الديستوبيا في روايات سناء الشّعلان في جامع ...
- -ركعت أمامها وقبلت يديها-.. تفاعل مع أسلوب عزاء ماجدة الرومي ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة بوصلة لطفية الدليمي .