أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة عبثية .














المزيد.....

مقامة عبثية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


أعيد تشكيل نفسي كل صباح , كالسر الذي لا يقال , لا أنتمي إلا إلى لحظة ضائعة بين رقصات الهواء , بتوقيت لم يتغيّر منذ ما لا يُعدّ , كفتحة صغيرة في حلم عميق , تلتقط ظلال النظرأسئلة أطراف الذاكرة , نفس اللحظة , نفس المكان , لا شيء يتكرر إلا في الإيقاع المخفي , ووجود يملأ الفراغ كما يملأ السؤال نهايته , وصمتٌ يسمع في ضجيج غير مسموع , أخط في دفتري الرمادي كلمات لا تحوي معانٍ , فقط صدى , ومادام السؤال لم يُطرح , فكيف يولد الجواب ؟

يخترقني التوازن , ثم يغيب , وغيابه ليس حدثًا , كأن الهواء يصبح أثقل , وأصبح خدرًا بلا صوت , ووجودا زائدا لا يحتمل , ليبدأ في الظهور في الانعكاسات , وفي يوم عبثي لم يُسمّ بعد , حين اختنق الوجود بصمت غريب , رأيته , كان الدرويش واقفًا على الجانب ذاته , لكن لم يعد ظلاً , رفع عينيه نحو السماء بلا لون , وأضاف دون صوت : (( حين يفتح أحدهم نافذته عمدً , يريد أن يُلامسه غياب )) , أخيرا فهمت , لم أكن أنتظر أحدًا , وكانت النافذة مفتوحة لتسمح للغياب بالمرور.

هكذا قالت الحياة : في كل زمان ومكان , الجاهل أكثر جرأة من العارف , يقف الجاهل فوق قمة من الوهم يوزع اليقين بلا تردد , ويتصدر ويتنمر ويتهم الآخرين بالجهل والتردد وانه حامل الشعلة , بينما ينزوي العارف في ظلال الشك , حين يتكلم يتحفظ حتى إن تيقن , فيظن الناس انه ضعيف لا يثق بعلمه , هذا ما لاحظه الفلاسفة في عمق التاريخ: الجاهل لا يدرك جهله , بينما العارف يزداد وعيًا بحدود علمه , ترسم منحنى نفسيًا تبدأ فيه الثقة بالنفس عند القاع ثم تصعد مع قلة الخبرة إلى ذروة وهمية , لتنهار لاحقًا مع بداية الوعي , قبل أن تعود إلى الصعود بثبات مع التعلم الحقيقي : الجهل لا يولّد فقط ضعفًا , بل قد يمنح صاحبه ثقة زائفة تتجاوز حدود الواقع.

عندما تدخل قلب مزار حلال الدين الرومي في مدينة قونية , تحيطك الدهشة , وتقرأ ما سطره من كلمات وأشعار وكأنه يعلم ان مزاره سيكون مكاناً يقصده الزوار :(( انت ضيف يا قلب , افرح بما تجده , وليس بما تتمناه , ما تبحث عنه , يبحث عنك , القلب جوهر , والقول عرض , القول زائل , والقلب هو الغرض )) , ويقول في مكان آخر : (( ايها البشر الأنقياء , التائهون في هذا العالم , في هذا التيه من اجل معشوق واحد , ابحثوا عنه في دواخلكم , فما انتم سوى ذلك المعشوق , النور الذي في العين , ليس أثراً من نور القلب , وهو من نور الله )) , ومن اجمل ما قاله جلال الدين الرومي من أشعاره المترجمة التي شغلت اغلب المثقفين في العالم , بقواعد عشقها , وصفاء وبهاء كلماتها : (( بدأت اتعب من المخلوقات , أريد جمال الخالق , وحين أتطلع هناك , هناك فقط ,أرى نفسي , وحين أتطلع إلى نفسي ارى ذلك الجمال , دع روحك تجذبك بصمت إلى ما تحبه , انها لن تضلك أبداً )) , أخيرا تقرأ أنه كتب مرة : (( إلهي خذ روحي إلى ذلك المكان الذي اتحدث فيه من دون كلمات )) .

سألت ريحانه الحجاج : والعدل؟ قال : ذلك مجرد وهمٍ يردده من لا يعرف شيئاً عن الحكم , مثل هذا (وأشار الحجاج بإصبعه الى اسم سعيد بن جبير) , تبِع ابن الأشعث في تمرده , وأوقد نيران الفتنة , وتحدث للناس عن ضرورة فهم القرآن , قالت : وما الضير في ذلك ؟ نظر الحجاج بتعجب نحو ريحانة قبل أن يجيب : لو فهِم الناس ما في كتاب الله لأدركوا ان الخوف بابٌ من أبواب الشِرك , تخيلي لو أنهم نزعوا الخوف من قلوبهم , فما الذي سيتبقى للسلطة من قوة ؟ , كيف سنزرع الطاعة في صدورهم؟ , كلمات ابن جبير كانت فتنة , وهي التي أوصلته الى مصرعه على يدي , ردت ريحانه : لكن كلمات ابن جبير بَقيَت حيّة في أذهان الناس , أجاب : ربما , وإن حملها أحدهم في رأسه فسيف الجلاد ينتظر سماع صوتها ليمحوها بيُسر .

في بلد الألواح الطينية , وبيت الحكمة , ومهد الأدب والفلك ,في عراقٍ ذي إرث حضاريُّ وإنسانيٌ عريق , حيث سُطرَّت ملحمة جلجامش , وابتُكرت علوم الفلك والطب , وشيدت الزقورات وسُنَّت شريعة حمورابي , ووُضعت اللبنات الأولى للحضارة البشرية , ودونَّت أقدم القوانين , وأُسسَّت أول مكتبة في التاريخ , وكانت الحضارات تكتب التاريخ لا تكتفي بقراءته , وتخطَّ الشرائع لا تنتظرها من الغيب, في هذا العراق , يعلو اليوم دخان البخور, وتتصدَّر الخرافة على صوت العقل , وينحدر إلى زمن تُستبدل فيه المعرفة بالتعويذة , ويُستفتى فيه رجل دين بدل المُفكر, وتلجأ المرأة إلى (( المعالجة الروحية)) لطرد النحس من بيتها مستنجدة بوهم (( الخلاص الغيبي )) , بينما اطفالها بلا مدرسة ولا كهرباء ولا ماء نظيف, ففي هذا البلد تحلَّ المعضلات السياسية عبر (( قسَم الولاء عند الضريح)) لا بموجب الدستور.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ألأستلال .
- مقامة الأقصاء .
- مقامة الصقيع .
- مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .
- مقامة السفراء .
- مقامة ألأمشجي .
- مقامة الونين .
- مقامة البحث عن السعادة .
- مقامة المسكون .
- مقامة سفلة السفلة .
- مقامة نبي بني عبس .
- مقامة بوصلة لطفية الدليمي .
- مقامة الرويبضة .
- مقامة عودك رنان .
- مقامة الفرج بعد الشدة .
- مقامة لا يختبئان .
- مقامة المانديلائية .
- مقامة ألأستثمار .
- مقامة الهُبْرِيس .
- مقامة الرثاثة .


المزيد.....




- حسين الجسمي يحيي -ليلة من العمر- في الساحل الشمالي وليلى زاه ...
- أنطونيو بانديراس في عيده الـ65: لن أعتزل التمثيل
- مقهى -مام خليل-.. حارس ذاكرة أربيل وقلبها النابض
- بمشاركة 300 دار نشر.. انطلاق -معرض إسطنبول للكتاب العربي- في ...
- الصدق أحلى يا أصحاب. قصة للأطفال جديدة للأديبة سيما الصيرفي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- مجتمع ما بعد القراءة والكتابة: هل يصبح التفكير رفاهية؟
- السعودية.. تركي آل الشيخ يكشف اسم فنان سوري سيشارك وسط ضجة - ...
- المحرر نائل البرغوثي: إسرائيل حاولت قهرنا وكان ردنا بالحضارة ...
- مجاهد أبو الهيل: «المدى رسخت المعنى الحقيقي لدور المثقف وجعل ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة عبثية .