أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة يسار جديد ؟















المزيد.....

مقامة يسار جديد ؟


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 11:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقامة يسار جديد ؟ :

عندما نحاول تعيين نقطة البداية لتتبعنا التاريخي لحركات اليسار في العراق , فإننا من دون أدنى شك سننطلق من مطلع القرن العشرين , حيث تعتبر الاشتراكية باطروحاتها ألأوروبية المتعددة نتاج غربي دخل لمجتمعنا مع كل منتجات الحضارة التي تعرفنا عليها منذ مطلع القرن العشرين , ألا أنه تجدر الإشارة إلى محاولة بعض الباحثيين الأشتراكيين ربط الانساق الاقتصادية لمجتمعات ما قبل الحداثة , التي كانت تعيشها القبائل في المجتمع العراقي قبل الحرب العالمية الأولى , بالأفكار الاشتراكية , عبر وصفهم إنتاج الكفاف , والملكية المشاعية لديرة العشيرة , والزراعة والرعي المشترك لأفراد القبائل على أنها مظاهر (اشتراكية جنينية) حفّزت المجتمع العراقي على قبول الفكر الاشتراكي لاحقا , وأن اليسار بمفهومه السياسي الحديث دخل إلى الشرق الأوسط وبضمنه العراق بعد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية , مع الاشارة إلى أن الدور الأبرز الذي تمثل في إدخال أدبيات الفكر الأشتراكي للعراق في حقبة العشرينيات عبر الترجمة والتلخيص , وتسليط الضوء على مناهج الجدل ألأوروبية , والمادية التاريخية في زمن لم تكن فيه هذه الأدبيات قد توفرت باللغة العربية , كما أن أعداد العراقيين ممن يجيدون اللغات الأجنبية كانت محدودة جدا , وابتدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليسار العراقي , يمكن أن نسميها مرحلة البناء, الذي قامت به نخب جديدة تعلمت من جيل الرواد , وهكذا ظهر الشيوعيون ثم البعثيون والتجمعات القومية الماركسية , الذين كانوا أجيالا تعطي أنفسها للوطن , في حين اصبحنا بعد 2003 أزاء أناس يعطون الوطن لأنفسهم .

منذ 2003 احتل الإسلام السياسي , بشقيه الشيعي والسني , مساحة الحاضنة الاجتماعية التي اعتمد عليها اليسار بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة , كما رسمت التدخلات الإقليمية , من إيران وتركيا ودول الخليج , ملامح السياسة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي , مضَّيقة هامش المناورة أمام القوى اليسارية التي تفتقر إلى دعم خارجي مماثل , إلى جانب ذلك , أدى الانفتاح الاقتصادي غير المنضبط إلى تدمير البنية الإنتاجية , وإضعاف النقابات والطبقة العاملة , وهي القاعدة التاريخية لليسار , كما لعب تغيّر المزاج الشعبي والفكري دوراً آخر في الأزمة , حيث انتشرت الأمية السياسية والفكرية , وهيمن الخطاب الطائفي والعشائري , وتقلَّصت مساحة الخطاب الطبقي , الجيل الجديد بات يميل إلى حركات احتجاجية أفقية , مثل انتفاضة تشرين 2019 , ويركز على قضايا الحريات الفردية ومكافحة الفساد أكثر من الصراع الطبقي التقليدي , وفشل اليسار التقليدي في بناء حضور رقمي مؤثر يواكب سرعة التحولات , وبدت الحاجة ملحَّة إلى يسار جديد يخرج من عباءة الماضي , دون أن يتنكر لإرثه , ويتقدم بخطاب واقعي قادر على ملامسة هموم الناس اليومية , فقد تراجع التيار الذي حمل يوماً مشروع التحرر الاجتماعي والاقتصادي , تحت وطأة القمع , والانقسامات الداخلية وتبدّل المزاج العام وصعود الطائفية السياسية .

هكذا يقف اليسار العراقي اليوم , على هامش سياسي معادٍ , وفي أزمة ذاتية أيضاً , حيث يشهد العراق اليوم تحولات عميقة على كافة الأصعدة , فالأيدولوجيا مازالت أسيرة نصوص من قرن مضى , والتنظيمات شبه جامدة , بينما تغيَّر العراق جذرياً : الطبقة العاملة تلاشت تحت وطأة اقتصاد السوق , النقابات أفرغت من مضمونها , والجيل الجديد يبحث عن حركات مرنة وبلا قيود بيروقراطية , ومع ثورة الإعلام الرقمي , لم تعد الاجتماعات السرية والمنشورات الورقية تصنع الرأي العام , بل منصات التواصل الاجتماعي والفيديو , التي جعلت اليسار يخسر مساحة تأثيره.

إن الحاجة باتت ماسة إلى يسار جديد يخرج من عباءة الماضي دون أن يتنكر لإرثه الغني , يسار يتبنى خطابًا يلامس هموم الناس اليومية ويستعيد دوره كحامل لمشروع التحرر الاجتماعي والاقتصادي , فلقد تراجعت القوى اليسارية في العراق بشكل كبير على مدى عقود , بفعل عوامل متعددة ومتشابكة , فمن ناحية , كان القمع السياسي الشديد الذي مارسته الأنظمة المتعاقبة , سببًا رئيسيًا في تراجع نفوذها وإضعاف تنظيماتها , ومن ناحية أخرى , أدت الانقسامات الداخلية إلى تشتت جهودها وفقدانها للقدرة على التنسيق والعمل المشترك , يضاف إلى ذلك , تغير المزاج العام في المجتمع العراقي وصعود الطائفية السياسية التي استغلت الفراغ السياسي والمجتمعي لملء الفضاء الذي كان يشغله اليسار في السابق.

يعيش اليساريون في العراق في بيئة سياسية معقدة ومتغيرة , وقد تأثرت قوى اليسار في العراق بالصراعات الإقليمية والدولية, ولنا الحق بالتساؤل اين اليسار العراقي؟ اين الشخصية البراغماتية التي تتمتع بثقافة وتاريخ سياسي , كي يقود الحملة الانتخابية القادمة ؟ ولنعترف أن مقاطعة الانتخابات تعني اللا جدوى , لأنها لا توصل أي حركة للسلطة , وان لم تكن في السلطة بأي شكل من الأشكال , فكيف ستساهم في تحقيق المكاسب للمواطنين وتحمي الوطن , وعليه فأن النجاح ممكن حتى في الظروف الشبه مستحيلة , وعلى اليسار العراقي ان يدرس وضعه بعمق , ويستلهم دروسا وعبرا, وبأسرع ما يمكن , لأننا ربما قادمون على انتخابات قريباً جداً , صحيح إن الطريق أمام اليسار العراقي الجديد ليس سهلًا , ولكنه ليس مستحيلًا , أذ يتطلب الأمر إعادة تقييم شاملة للخطاب والأدوات السياسية , والتركيز على قضايا المواطنين الأساسية مثل العدالة الاجتماعية , مكافحة الفساد , توفير فرص العمل , وتحسين الخدمات العامة , ويجب أن يتبنى اليسار الجديد خطابًا وطنيًا شاملًا يتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية , وأن يعمل على بناء تحالفات واسعة مع الحركات المدنية والشبابية التي تحمل همومًا مشتركة.

في ظل الأزمة الوطنية الراهنة , حيث تتشابك الطائفية مع الفساد , وتتراجع قيم الدولة المدنية أمام سطوة المليشيات والخرافة , تبرز الحاجة إلى يسار عراقي جديد , أكثر وعياً بمتطلبات المرحلة وأقرب إلى الناس , ويتطلب ذلك معالجة على مستويين متوازيين , ألأول فكري/ تنظيمي : صياغة برنامج عصري يتجاوز شعارات الحرب الباردة , ويرتبط مباشرة باحتجاجات العراقيين حول العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والمساواة وحماية الدولة المدنية , مراجعة التجربة السابقة بشجاعة , والاعتراف بالأخطاء , مع دمج البعد الوطني بالبعد الاجتماعي ورفض الطائفية والتبعية , والثاني عملي/ جماهيري : توحيد الصفوف وإنهاء الانقسامات التاريخية أو بناء جبهة عمل مشترك , وإفساح المجال أمام جيل شاب يمتلك مهارات رقمية وتنظيمية , ومنح المبادرة للتنظيمات المحلية , استعادة الصلة بالجمهور عبر التواجد الميداني والانخراط في قضايا العمال والطلبة والنساء والعاطلين , واستثمار المنصات الرقمية والبودكاست والفيديو القصير , مع خطاب شعبي مبسط يلامس مشاكل الناس.

أن السعي الدؤوب نحو يسار عراقي جديد , ضرورة للخروج من عباءة الماضي , وإن إعادة إحياء اليسار ليست مجرد ترف فكري , بل هي ضرورة ملحّة لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي , وتقديم بديل حقيقي للمواطنين الذين يئنون تحت وطأة الفساد والطائفية , فهل يستطيع اليسار العراقي أن ينهض من كبوته ويقدم مشروعًا سياسيًا جديدًا قادرًا على استعادة ثقة الجماهير؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهه اليوم , وأن مواجهة الطائفية والفساد تتطلب جبهة واسعة حتى مع المختلفين أيديولوجياً , ودعماً لحقوق المعلمين والأطباء والفلاحين لترسيخ العمل اليساري في بنية المجتمع , وتقديم بديل ثقافي عقلاني جذاب يواجه الفكر الخرافي والطائفي , ويستثمر الفنون والآداب كأدوات فعَّالة لتغيير المزاج , العراق بحاجة إلى تيار يساري يعيد تركيز الصراع من الهويات الفرعية إلى قضايا العدالة الاجتماعية والتنمية , ورغم أن الطريق طويل وشاق , فإن بناء هذا التيار ضرورة وطنية عاجلة.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الأنتاج .
- مقامة الأغتراب .
- مقامة المجال الحيوي .
- مقامة الهايكو و الهايبون : رحلة الأدب الياباني إلى العالم ال ...
- مقامة المراجعة .
- مقامة ألأستزمان .
- مقامة في الفروقات الصغيرة يكمن التميّز.
- مقامة سيدوري .
- مقامة الكهرباء .
- مقامة البيلسان .
- مقامة العميان .
- مقامة الحنين .
- مقامة الفرح .
- مقامة عبثية .
- مقامة ألأستلال .
- مقامة الأقصاء .
- مقامة الصقيع .
- مقامة الجهل ( الحفر في العقول ) .
- مقامة السفراء .
- مقامة ألأمشجي .


المزيد.....




- خامنئي يؤكد رفض إيران -الإذعان- للولايات المتحدة داعيا إلى ت ...
- إسرائيل تقصف مدينة غزة وسكانها يستعدون لهجوم وشيك.. إليكم آخ ...
- غرق 3 شقيقات صغيرات وإنقاذ العشرات من قارب يقل مهاجرين لإيطا ...
- كارثة إنشائية بالصين.. مقتل 12 عاملا جراء سقوط جسر ضخم فوق ا ...
- كاتب إسرائيلي يحذر من تداعيات -تسونامي الاستيطان الصامت- بال ...
- كاتس يتوعدها.. تعرف على مخيمات الضفة الغربية
- أوكرانيا تعلن استعادة قرى في دونتسك وروسيا تحدد شروطها للسلا ...
- قمّة ألاسكا: صراع وتحالفات جديدة من أجل إعادة اقتسام العالم ...
- فلترفع الامبريالية الأمريكية يدها عن فنزويلا وشعبها
- سائق شاحنة ينعطف بطريقة مخالفة ويتسبب بحادث مميت.. شاهد لحظة ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة يسار جديد ؟