أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ديالى شقائق النعمان .















المزيد.....

مقامة ديالى شقائق النعمان .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 21:35
المحور: الادب والفن
    


مقامة ديالى شقائق النعمان :

لازلت أحب زهرة شقائق النعمان المتدلية من فوق أسيجة حدائق بيوت وبساتين ديالى , لرقتها وللونها الأحمر القاني المطرّز بالأسود في وسطه , والتي كثيرًا ما كان الأهل يستخدمونها لمنافعها الطبية , بقيت أنقّب عن تسمية زهور شقائق النعمان , ومن أين جاءت؟ فتوصلت إلى أن ملك الحيرة النعمان بن المنذر كان يستلطفها ويوصي بزرعها حول قصره الشهير ((الخورنق )) ويأمر بحمايتها , فنُسبت إليه , وثمة أسطورة تقول أن علاقة حب نشأت بين أدونيس وعشتار, وحين قتُل أدونيس بكت عليه عشتار بحرقة ومرارة , وتضرّعت إلى السماء أن تنبثق زهرة من دمائه , وبعد ساعات ظهرت زهرة بلون الدم , وهي زهرة شقائق النعمان وتُعرف أيضًا ﺑ((زهرة النساء)) أو (( زهرة الرياح)) عند اليونانيين , وهي دليل على انبعاث الحياة بعد الموت.

ودائمًا ما يرتبط بذهني أن بساتين ديالى هي (( زهرة النساء )) , فهي بوصلتي أينما ذهبت وحيثما حللت , وعلاقتي بها مثل علاقتي بالتاريخ والفلسفة , وأنا مُغرم بكليهما , فالفلسفة هي أم العلوم , أما التاريخ فهو أبوه , وديالى هي الجغرافية الأولى لهذا التعاشق الذي شكّل مجرى حياتي , وأعتبر بعقوبة خارج خطوط الطول والعرض , وأنجذب نحوها عاطفة , فللقلب أحكامه الخاصة , كما أميل إليها فكرًا , فدروب العقل تهديك إليها , وهكذا يلتقي القلب والعقل عندها , وثمة حيرة وأسباب حين تكتب عن ديالى , وحسب ابن عربي : (( الهدى في الحيرة , والحيرة حركة , والحركة حياة )) , فكل شيء فيها حركة وحياة , وحيرتي في ديالى تقوم على عدد من الاعتبارات :

أولها – أنها صاحبة مقام طفولتي المبكرة جدا في قلعة الهويدر التي تفتح نوافذها ولا تغلقها , بل تترك أبوابها مفتوحة أيضًا , حتى وإن كانت مواربة , فمن أخوالي الأميين كان يدخل نسيم المعرفة ونور الفكر, مثلما تدخل الشمس والهواء , وهكذا كان الترنح بين اليقينية الإيمانية التبشيرية , وبين التساؤلية العقلانية النقدية المفتوحة , لتصبح قرية جدل مثلما هي قرية نور , وهي مدينة إدراك ي مثلما هي مدينة تساؤل , وبقدر ما هي مدينة يقين فهي مدينة شك.

وثانيها – بعقوبة , مثل كلّ المدن , حيث تتعرى دهاليز الروح فراغ مسطح , تنتمي إلى ناسها مثلما ينتمي الناس إليها , والناس هم يصنعون المدن مثلما هي تصنعهم بأرضها وسمائها وشمسها وشجرها ونسائها ورائحتها , والمدينة مرآة الناس مثلما الناس مرآتها , وهذا هو تاريخها بكلّ ما يزخر به ,
وفي مدينة بعقوبة حيث التاريخ يتكئ على ضفاف وادي ديالى , وحيث ينبت الشعر كما تنبت السنابل , في واحدة من تلك الزوايا التي لا تنجب إلا من يضيء ليل العراق الطويل , ومنذ أن تشكّلت أولى صور الحياة في العيون , كانت الكلمة ترافقنا كالظل , وتنبض في الوجدان كما ينبض الدم في الشرايين.

وثالثها – أن ديالى بقدر ما هي مدينة ريفية فهي مدينة مدنية أيضًا , وكان التفاعل الريفي – المدني قد أزهر أدراكنا ألأولي , المستصحب بالتساؤلات .-

ورابعها – المناخ الفكري والثقافي الذي يمتازبحيوية , فهي معهد علمي يتّسع للجدل والنقاش والنقد في علوم الدين والثقافة والأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص, وهو ما ينعكس على الشارع , وتجده أحيانًا على لسان البقال وصاحب المقهى والمعلم والدارس والمثقّف والمتطلّع إلى الحداثة والتنوير , ومنهم تعلّمنا أن ما لا يُقاوَم , لا يُغيَّر.

وكلّ ذلك يتعايش في ديالى الخير في هارموني عجيب للتنوّع والتعددية يسير في أزقتها وحواريها القديمة مع أرغفة الخبز والليالي الرمضانية والمناسبات الاجتماعية والمكتبات الخاصة والعامة وخلايا اليسار والمنشورات السرية والعشق المكتوم , والسوق الكبير, وتغضب ديالى أحيانًا وتتمرّد وتحزن , ولكن غيمها لا يُمطر إلّا علمًا وفقهًا وأدبًا وفكرًا وكرامة وحبًا , فيا ليت النوايا تدرك كم تعذبت في دروبها أرواح العشاق , وياليت النهاية لم تكن كالبداية حين تمردت على بعض الأعراف .

لا نملك رأس الحكمة ولا ذيلها , نكتب حزننا وفرحنا بشفافية مطلقة , سطرًا أول في دفتر الحكاية , بين الحس المتخيل والرؤية الجمالية , والبنية الفنية المحكمة , بوصفها معادلًا موضوعيًا للهشاشة والقوة , للغياب والحضور, ونظل نحمل في داخله شغفًا خامدًا , ووهجًا سيكبر لاحقًا ليصير صوتًا شجريًا ينمو على ضفاف الوجدان , وفي زمن ألأبتهاج نختارأن نظل بعيدين عن المنابر, قريبين من صدق الحرف .

هكذا ينهمر الجمال أمامك ويتجسّد في صور وخيالات وأحلام , وتنبجس الحقيقة , كأنها شلالات حنين , لأن المدن تشبه رجالها , مثلما تشبه نسائها , وبقدر ما في ديالى من صبر وصلابة , ففيها براءة ورقة , وبقدر ما فيها من تعصّب وتطرّف , فثمة فروسية ومروءة ورحمة وتسامح , وديالى في شراييني , ولو فتحتم شراييني لوجدتم ديالى وأزقتها القديمة تجري فيها , وحين أشرب أي كأس ماء فإنني أتذكّر نهر ديالى العظيم , الذي يصب في دجلة الخير , ولا أدري كيف يختلط الماء بالماء , نفس ما شاهدته عند التقاء البحر المتوسّط بالمحيط الأطلسي في مدينة طنجة المغربية الساحرة الغافية على البحر.

ديالى , أهالةُ وجهكِ هذه أم ضفافُ طَيْفٍ حينَ تُنادي الشمسُ على شعرِكِ ينتهي الصيفُ , أدْمَنْتُ بُعدَكِ , وفي الإدمانِ دواءٌ وحينَ يختلسُ القمرُ النظرَ إليكِ ينتهي الشتاءُ , تخرجينَ في الليلِ عاريةً مِن أفكاري وأنتِ ترتعشينْ , أغطيكِ بالكلماتِ وأغلقُ عليكِ الكتابَ , وأنتِ تلهثينْ , أنا القادمُ مِن منعطفٍ على خاصرةِ الريحِ بيني وبينَ قدمِكِ كتابٌ مفتوحٌ على البرقِ , هل أعومُ في حريرِ الوسائد؟ لأهربَ ككلِّ مرةٍ تهربُ فيها شقائق النعمان ؟

وياديالى نبيذك التمري يَشْرَبْنِي , وَأَنَا مُحْتَسِيكِ , هَلُمِّي , نَبْرُمُ كَالدَّرَاوِيشِ , سُوسَنَةٌ النعمان ضَرَبَتْهَا عَاصِفَةٌ فِي سَفْحِ قَنْدِيلٍ , فِي رَوْقِ الحِسِّيِّ الرُّوحِيِّ , وهيفُكِ رِوَاقُ تَمَنُّعِي , بِذْرَةٌ تَقْدَحُ حَاجَتَكِ لِشتال , فَتَغَوْسَقِي , وَأَرْعِفِي الطَّلَلَ لِتَعَبِ فَرَاشَةِ شَفَتَيَّ , وَهَوَسِهَا لِلسُّكْرِ ,
فيَا شُمُولَ قَوَارِيرِكِ انْدَلَقْنَ : وَصَالًا , نَفْحَاتُكِ الْخُضْرُ اشْتَهَيْني فَانْسَكَبْنَ , وَالْيَاسَمِينُ تَرَاقَصُوا حِينَ اقْتَرَبْنَ , وَخُيُوطُ نُورِكِ فِي الدُّجَى لَمَّا نَسَبْنَ .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .
- مقامة العثرات .
- مقامة إدارة الفئران: استعارة لحال العراق بعد 2003.


المزيد.....




- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة ديالى شقائق النعمان .