أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.














المزيد.....

مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 16:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يوجد تعبير أدق من (( نقيق الضفادع في قاع بئر)) لوصف ما حل بالعراق بعد عام 2003 , هذه العبارة لا تعكس فقط حالة العقلية البالية التي حكمت البلاد , بل تصف أيضًا العزلة والانفصال عن الواقع الذي عاشه صانعو القرار, إنهم كضفدع في قاع بئر, لا يرى من السماء إلا ما تسمح به فتحة البئر الضيقة , فيتوهم أن هذا الجزء الصغير هو كل الكون , يصف الأديب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمة في مقاله (( الغربال)) ((ضفادع الأدب)) بعبارة بليغة : (( مصيبة الضفادع , أن الحياة تسير بهم وهم قعود , فيتوهَّمون أن الحياة قاعدة مثلهم )) , هذه الكلمات تنطبق تمامًا على (( ضفادع السياسة)) في العراق , لقد أدى هرجهم ومرجهم السياسي إلى تجاهل الواقع المرير الذي يعيشه الشعب , متوهمين أن الحياة لم تتغير, بينما هي تتقدم بهم نحو الهاوية.

إن ما أنتجته دولة النقيق في العراق هو حصادٌ مرعب من البؤس والتخلف والفقر , لم يكن نقيقهم سوى أصوات جوفاء أفرزت : أفواجًا من الأرامل واليتامى والمعاقين , ودولة اللا دولة: كيان ينخر فيه التقهقر المرعب في كل مناحي الحياة , واغتيال للمواطنة, فقد قتلت هذه العقلية وبسبق إصرار وترصد شيئًا اسمه المواطنة , واغتالت إحساسًا اسمه الانتماء للوطن , لقد استخدمت هذه الدولة أذرعًا ميليشياوية طائفية وقبلية لنشر الرعب والإرهاب , مما أدى إلى تشتيت الانتماء والولاء في زوايا ضيقة , بعيدًا كل البعد عن أي مفهوم للوطن أو الوطنية , لقد أصبح صوت النقيق هو السائد , بينما صوت الشعب المقهور أصبح صدى لا يُسمع .

تحمل كلمة (( نقيق )) في طياتها معاني مختلفة , ففي تراثنا الإسلامي , ليس مجرد صوت مزعج , بل هو تسبيح لله تعالى , يذكر الإمام السفاريني في كتابه (( غذاء الألباب )) أن (( نقيق الضفدع تسبيح لله )) , ويُروى عن سفيان أن (( ليس شيء أكثر ذكرًا لله من الضفدع )) , وهناك قصة عظيمة عن ضفدع ألقت بنفسها في النار خوفًا من الله , فأثابها الله ببرودة الماء وجعل نقيقها تسبيحًا , ويُروى أيضًا أن النبي داود قال (( لأسبحن الله تسبيحًا ما سبحه به أحد من خلقه )) , فنادته ضفدع لتذكره بأنها تسبح الله منذ سبعين عامًا بكلمتين عظيمتين: (( يا مسبحًا بكل لسان , ومذكورًا بكل مكان )) , هذه القصص ترفع من قيمة (( النقيق )) , وتحوله من مجرد صوت عادي إلى رمز للإيمان والتسبيح والتفاني في ذكر الله.

أما نقيق اليوم , هو صدى الفشل واليأس , لأن ما يحدث في العراق هو انقلاب على هذا المعنى النبيل , لقد تحوّل (( النقيق )) من تسبيح إلى أصوات جوفاء من صنع (( ضفادع السياسة )) , التي لا تسبّح بحمد الله , بل تنعق بالفشل والفساد , ولم يعد نقيقهم صوت إيمان , بل هو صوت الكذب والفساد الذي فرّق الشعب وقتل المواطنة , لم يعد نقيقهم تسبيحًا يقرّبهم من الله , بل هو صوت مليشيات طائفية تقتل وتشرّد الأبرياء , أن هذا التناقض بين المعنى الروحي والإسلامي للنقيق وبين واقعنا المرير , هو الذي جعل منارة الحق في قاع البئر, وهو بيت القصيد.

إن نقيق الضفدع في قاع البئر ليس فقط صوتًا لا يعكس سوى عقلية بالية , بل هو أيضًا رمز للسياسيين الذين انفصلوا عن الشعب والواقع , متوهمين أن الحياة تسير بهم وهم قابعون في أماكنهم , لقد أصبحوا كالضفدع التي لا ترى من السماء إلا دائرة صغيرة , فيظنون أن هذه الدائرة هي كل الكون , بينما الحياة تمضي وتتقدم نحو الهاوية.

لقد أدت هذه العقلية إلى ضياع العراق , وتسببت في أفواج من الأرامل واليتامى والمعاقين, السؤال الذي يجب أن نطرحه الآن هو: هل يمكننا أن نعيد لـ(( النقيق )) معناه النبيل , ونخرجه من قاع بئر الفشل واليأس؟ وهل سيتمكن الشعب العراقي من استعادة صوته , وتحويله من صوت الفساد والخراب إلى صوت التسبيح والإصلاح , كما كان في تراثنا؟

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟
- مقامة مرّة ومرّة .
- مقامة الغيرة .
- مقامة دروب المعنى .
- مقامة العثرات .
- مقامة إدارة الفئران: استعارة لحال العراق بعد 2003.
- مقامة وشالة العمر .
- مقامة ياريحان .


المزيد.....




- اكتشاف يذهل العلماء.. فتاة تعثر على صدفة سلحفاة عمرها 32 ملي ...
- مجلس الأمن يصوت ضد مشروع قرار يمنع تفعيل -آلية الزناد- في ال ...
- مقتل قيادي في -داعش- بعملية أمنية عراقية في سوريا.. ما علاقت ...
- كيف تحولت عملية مياه بيضاء بسيطة إلى كابوس يهدد بصر العشرات ...
- غزة: لماذا كانت دائماً ساحة صراع؟
- -سيأتي دورك-.. كاتس يهدد زعيم الحوثيين ويتوعد برفع العلم الإ ...
- الدوحة تستقبل بريطانيين أفرج عنهما من أفغانستان بوساطة قطرية ...
- التجويع الإسرائيلي يحصد مزيدا من أرواح الأجنة والخدج
- الاحتلال يهدد بقصف غير مسبوق لغزة وغاراته توقع عشرات الشهداء ...
- كابل ترفض تصريحات ترامب بشأن السيطرة على قاعدة باغرام


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صباح حزمي الزهيري - مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.