أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أموت نظيفًا .














المزيد.....

مقامة أموت نظيفًا .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 12:01
المحور: الادب والفن
    


مقامة أموت نظيفًا :

في مطلع السبعينيات , كنا قد أصبحنا طلبة جامعيين , ندخل العشرين من أعمارنا , كانت نشوة انتشار الأحزاب الوطنية النظيفة تدفعنا للانتماء , فكان فينا البعثي , والقومي , والشيوعي , جمعتنا مشاعر مشتركة بأننا صناع مجد الماضي وبناة المستقبل المشرق , كانت الأهداف واضحة ومتقاربة , والتنافس كان مشتركًا على الوطن.

لم يختلف البعثيون عن غيرهم من أحزاب (( الحتميات التاريخية )) التي تلتزم بنظرية المركزية الديمقراطية , فالرحم الثقافي الذي أنجب ستالين هو نفسه الذي أنجب جمال عبد الناصر وصدام حسين , هذا الرحم جعلهم بقوة (( الشرعية الثورية )) قادرين على حسم معاركهم ضد المنافسين بسهولة , ووفر للمصفقين لهم فرصة لتجميل الموقف بمساحيق لم تكن أبدًا قادرة على إخفاء تجاعيد الضمير.

وجدنا أنفسنا جزءًا من مرحلة تاريخية تحكمت فيها العقائد والإيديولوجيات , أصبح تاريخ الفرد لا يمكن فصله عن تاريخ حزبه , حتى بات يُحسب عليه ما يُحسب على حزبه وعقيدته , وفي الأحزاب الشمولية , يتراجع سلوك الفرد لصالح السلوك الجمعي , بحيث يصبح الحديث عن الأشخاص مستحيلًا خارج الحديث عن أحزابهم السياسية وعقائدهم الفكرية.

لكن هذه القاعدة التعميمية لا تلغي حقيقة أن هناك أفرادًا خرجوا عن النص بمواقف جعلتهم أشخاصًا تاريخيين , هؤلاء الأشخاص نجحوا نجاحًا باهرًا في موقعة الخروج الشخصي على النص العام المتعنت , والوقوف المبكر والحازم ضد هيمنة (( القبيلة )) ونهج التفرد , ولكن دون الوصول لحد الاصطدام .

أتذكر المرحوم داود الفرحان , صاحب الجملة الشهيرة في الأوساط الصحفية: (( البقاء للأصلع )) , بدلًا من (( البقاء للأصلح )) التي تختصر عوالم البقاء والتطور وفق نظرية داروين , قالها الفرحان عندما أُعفي من وظيفته في صحيفة (( الجمهورية )) حينذاك , وأُسندت إلى الشاعر الأصلع سامي مهدي , رحمه الله , ليكون رئيسًا للتحرير, تلك كانت حدود المعارضة الساخرة في حزبنا العريق : ننفذ ولا نناقش , ونساوم بهدوء حتى لا نذهب ضحية تغليب قناعاتنا الضميرية.

حكمة الماضي ورؤية المستقبل , عندما تدخل بوابة اليونيسكو في باريس , ستجد لافتة تقول : (( لأن الحروب تولد في عقول البشر , ففي عقول البشر يجب أن تُبنى حصون السلام )) , وفي عالمنا , كانت (( الدقيقة التي تمر هي الحقيقة التي تفر )) , رحمك الله يا دكتور وصفي محمد علي , لقد علّمنا ذلك عند دراسة الطب العدلي , فما بالك إذا بقيت الجثة فترة طويلة وتم التلاعب بمكان وجودها؟

يقول صلاح المختار: (( كم وثقنا بأفاعٍ تظاهرت بصورة أحبة ولم نكتشفها إلا بعد أن غرست أنيابها في قلوبنا )) , هذه العروض تحمل التباس الواقع العراقي وتفتح كوى على هشاشة الإنسان أمام الفوضى , وفي هذا التداخل بين النظرية والممارسة , بين النص والعرض , تتبلور شخصية العضو الحزبي الذي لا يستسهل المقولات ولا تغريه الشعارات , بل يسير في الدرب الأصعب : درب التحليل العميق والرؤية المتأنية , حيث الكلمة ميزان , والموقف مسؤولية.

في زمن أصبحت فيه ألسنة البعض سيوفًا تُغتال بها سمعة الآخرين , نجد أن الجهد الذي يُبذل في تتبع العيوب ونشر السوء يمكن أن يكون وقودًا لإصلاح النفس وتزكيتها , فبدل أن ننشغل بتشويه صورة غيرنا , الأولى أن ننشغل بتنقية قلوبنا من الحسد والحقد والغيرة , هذه الدعوة ليست أخلاقية فقط , بل هي أمر إلهي وتوجيه نبوي .

وكما يقول إبراهيم البهرزي : (( كل الأيام مريرة , نخادع اللسان لأجل الكلمة الحلوة التي لابد منها لاحتمال الأيام , أنت تريد أن تقنع هؤلاء بأنك لست عدوهم , كل هؤلاء الغاضبين الذين لا تعرفهم ولا يعرفونك أيضًا , لمجرد أنك لم تغضب , أنت تريد أن تكون آمنًا , ولا تدري أن هذا يغضبهم أكثر, وهكذا حتى تغضب يومًا )) .

بعد الاحتلال , ظللنا صامتين كل الوقت , لأننا اعتقدنا أن مواقفنا وسياقات التزامنا تلك كانت كافية للحديث , وحينما سقطت القيادات , لم نهرع كما فعل الآخرون لتسويق مآثرنا وبيعها في سوق السياسة الملوثة , وفي هذا , أصبنا مرتين : مرة حينما قلنا الحق بألتزام ثابت بالمنهج , ومرة حينما حفظنا الحق من التلوث.

أن التمسك بالمبادئ والشرف في عالم مليء بالانتهازية والفساد يمثل رسالة أخلاقية قوية , وهكذا , عندما يواجه (( الثمانينيون عمرًا )) , مبدئيو السبعينيات , السؤال : (( كيف يموت المؤدلجون؟ )) , تكون الإجابة قاطعة: (( الموت نظيفًا )) .

صباح الزهيري.



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .
- مقامة ألأكتظاظ .
- مقامة العراق: مهد الأديان واللغات المنسي؟


المزيد.....




- رحيل الممثلة كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً... -أجمل إيطالية ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...
- -السينما الغامرة-.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم تجربة المش ...
- رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً
- صور لغزة في معرض بمدريد لـ-إيقاظ الضمائر-
- عرض كتاب.. الاعتداءات الإسرائيلية على الأحياء والقرى والبلدا ...
- برعاية وزارة الثقافة .. بلدية البيرة تنظم معرض -حروف تجوب ال ...
- قصائد تحتفي بأمجد ناصر وتعاين جرح غزة
- -أجمل إيطالية في تونس-... وفاة أيقونة السينما كلوديا كاردينا ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أموت نظيفًا .