أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .














المزيد.....

مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 10:38
المحور: الادب والفن
    


مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف.

وردت عبارة (( أباطيل أنمقها , وأكاذيب ألفقها)) على لسان الدكتور تحسين طه أفندي في سياق قصة مؤلمة عن أبو القاسم الصابي , كاتب الإنشاء في العصر البويهي , هذه العبارة هي المفتاح لفهم كيف يُصنع التاريخ تحت ضغط السلطة , كان الصابي في محبسه عندما سأله صديقه عن عمله , فجاء رده الصادق ليشير إلى ما يفعله وهو يكتب (( كتاب التاجي في أخبار بني بويه )) , إنه يجمّل الأكاذيب ويُزخرف الافتراءات , هذا النوع من الكتابة التاريخية يندرج تحت ما يوصف بـ (( أكاذيب الفقهاء)) , وهنا لا يقصد الفقهاء الدينيين حصراً , بل العلماء والحكماء بشكل عام , و(( أحاديث أنمقها )) , أي الروايات التي تُصاغ بأسلوب أدبي فاتن لتكون مقبولة لدى العامة والحاكم , إنها شهادة على أن (( التاريخ كتب تحت سيف الحاكم )) .

حين أسهب الدكتور تحسين في رواية تفاصيل حكاية الصابي التي دارت أحداثها أيام البويهيين , فهمنا كيف كان القلم بين يدي الجلاد , فبعد دخول عضد الدولة إلى بغداد سنة 367هـ , اعتقل إبراهيم الصابي لميوله وتحيزه لابن عم عضد الدولة , اشترط الأمير البويهي لإطلاق سراحه أن يعمل على تأليف تاريخ يمجد مآثره , شرع الصابي في محبسه بكتابة (( كتاب التاجي )) وهو كاره , مضطراً للمداجاة والنفاق لاسترضاء الأمير, الذي كان يقرأ الأوراق بنفسه ويدخل عليها تعديلاته, في خضم تبييض وتسويد الكتاب , خرق الصابي الحيطة وأخبر صديقاً زاره في محبسه بما يدور, فجاءت الكلمة القاتلة: (( أباطيل أنمقها , وأكاذيب ألفقها )), نقل الصديق الخبر إلى عضد الدولة , الذي أمر بإلقاء الصابي تحت أرجل الفيلة , ولم ينجُ من الموت إلا بشفاعة حاشيته , لكنه ظل في السجن من سنة 367هـ حتى تخلص لاحقاً.

هذه الحكاية تثبت ان التاريخ عجينة الأقوياء , فهي ليست مجرد قصة من الماضي , بل هي صورة متكررة لكيفية صناعة الروايات , (( إذا شط جيل خط من جاء بعده , أكاذيب عنه بالثناء تزوق , فما كتب التأريخ في كل ما روت لقُرائها إلا حديث ملفق , نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا , فكيف بأمر الغابرين نصدق )) , والتاريخ كالعجينة يصنع منها الأقوياء ما يرغبون , يوظفون الأقلام المأجورة لتمجيد أفعالهم , تسطير مآثرهم , وحجب مثالبهم , يغدقون عليهم فيكتبون , فكيف يصح في الأفهام تصديق مدونات تُكتب بمداد الكراسي , وتنزع من أصحابها بشريتهم لتضفي عليهم ما لا يتوافق وبديهيات الطبيعة والسلوك ؟ إن مشكلة التأريخ أن من يكتبه يمزج بين أهوائه وتصوراته , فيرسم صورة قد تقترب أو تبتعد عن الحدث الأصلي , ليتحول كل ما دُوّن إلى مجرد خبر بحاجة إلى تمحيص وتدقيق.

المؤلم في مجتمعاتنا أن التأريخ يقودنا , ومعه الويلات وصراط الأضاليل , وهو حمّال أوجه ورؤى وتصورات وأضاليل تنطلي على الناس , لقد أصبح صراطاً لتمرير الويلات والاستثمار في التداعيات , وبسبب السقوط في حبائل التاريخ المفتعل والمصمم على مقاسات الرغبات والنفوس الأمّارة بالسوء , تعيش الأجيال في مثرمة الحياة ,فالكتب كثيرة بمجلداتها ومدوناتها , لكن القليل منها كُتب في زمن الحدث , ومعظمها وُضع على الورق بعد عقود أو قرون , منقولة عن أقوال تداولتها الأجيال , وعندما نتأملها بمنظار زمانها ومكانها , وما في مجتمعات غيرها , تتبيّن عوراتها , فالسابقون ليسوا بأذكى من اللاحقين .

(( كذا التأريخ يأتينا بوهمٍ...ويمنحنا مزاعم ذات بهتِ ,لماذا ندّعي صدقا بكذبٍ...وقد ظهرت أساطيرٌ كنعْتِ )) .

صباح الزهيري.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .


المزيد.....




- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .