أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!














المزيد.....

مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


حدّثنا الأديب أبو بكر العراقي , قال : كنتُ ذات يوم أسير في سوق الكُتب القديمة ببغداد , أرض الرشيد التي أضحت مرتعاً لكلِّ غريب ووبال , فمررتُ بمتجرٍ ضيِّق , فيه شيخٌ ناحل , جالسٌ على ركامٍ من المخطوطات التي أكل عليها الدهر وشرب , وبيده ورقةٌ صفراء عليها بيتُ أبي العلاء المعرّي : (( حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ حديثُ خرافةَ يا أمَّ عمروٍ )) , فألهمني البيتُ أن أسأل الشيخ عن أصل هذه الخرافة , وهل ما زال للعراق نصيبٌ من الأحاديث المستملحة المكذوبة التي لا يقبلها عقل ولا منطق , أم غلبت الحقيقة الكالحة كلَّ خيال؟ تنهد الشيخ تنهيدةً لو وزّعت على أهل دجلة لأغرقتهم , وقال : (( يا ولدي , كلُّ ما نراه اليوم في بلادنا هو حديث خرافة طويل , تتناقله الأجيال ولا تكاد تُصدّقه , لقد قيل قديماً إنّ خرافة كان رجلاً من عُذرة أسَرته الجن , فرأى من الأعاجيب ما جعله مضرباً للمثل لكلّ قولٍ لا يُصدَّق , ولكن ما نراه اليوم , فاق كلَّ أعجوبةٍ حكاها خرافة عن لقاءاته بالجِن , بل حتى قصصهم عن الجِنّي الذي طارد عِجلاً سبعين عاماً , والجِنّي الذي مُسِخ مرتين بين رجل وامرأة , والجِنّي الذي ركب بغلته المسخوخة من أمه الخائنة , كلها تهون أمام خرافة العراق اليوم )) .

الفاسد والبلاء المبين : قلتُ للشيخ : (( ويحكَ , ما خرافة العراق التي تُقارنها بما هو أشدُّ غرابة ؟ )) , هزَّ الشيخ رأسه وقال : (( الخرافة يا ولدي هي أن تصدّق إمكانية إخراج هؤلاء الفاسدين من سُدَّة الحُكم , تلك هي القصة التي لا يتقبلها عقل ولا منطق , وكلُّ حُبكة درامية فيها نهايتها مُعلَّقة )) , ثم أشار بيده النحيلة إلى لقطةٍ حُفرت في ذاكرته من فيديو شاهده , وكأنها تمثيلٌ لحالنا: (( أربعة أشخاص يدخلون حديقة عامة بمنشار كهربائي , يختارون شخصاً عشوائياً ويربطونه ويبدؤون بتقطيعه نصفين , ثم يقطعون المُحتجّين على وحشية الموقف , تلك يا ولدي , هي صورة الفساد عندنا , أربعة (أو يزيدون) يستبيحون جسد الوطن أمام الملأ , يقطعونه بـالمناشير تارةً , ويُفرِّقون ثرواته أخرى , والأدهى أنَّهم يستمرون في التقطيع , وكلما ارتفع صوتٌ محتجٌ قالوا له : اصبروا ,هذا هو الإصلاح )) .

الخيال يُضاهي الواقع , انظر إلى عجب هذه الخرافة الفاسدة : نصفُ البلدِ نائمٌ على مصطبة اليأس , يرى نصفَه الآخر يمشي حرّاً متألماً , والجمهور في هلعٍ وخوف , لا قطرة دم تظهر أمامهم , ولكن جراحات الروح غائرة , وعندما يظهر من يقول : إن الإصلاح ممكن , وإن التغيير آت , يكون حديثه هو حديث خرافة يا أم عمرو, تماماً كذاك المشهد في الفيديو, الذي يظنُّ المُشاهد أنَّ الرُعب حقيقي , ثم يكتشف أنَّ الجمهور نفسه كان جزءاً من فريق التمثيل , وأن هلعهم هو ما جعلنا نصدق الكذبة , (( هؤلاء الفاسدون , يا بني , قد أحكموا قبضتهم على السلطة , وتفنَّنوا في نهب القُوت , وسيطروا على مفاصل الدولة , كلُّ حديث عن إصلاح في ظلِّ وجودهم هو محضُ خيال , رواية لا يُصدِّقها حتى الأساطير التي تعني الأحاديث العجيبة , هم الأساطير التي دوَّنها الإنسان عن الوُحول , ونحن الشعب الذي رفض هذه الأسطورة فكُنِّيت بـ الخرافة )) .

ماذا تتوقع من بلدٍ ما زال بعضُ أهلِ سُلطته يعتقدون بأحاديث منسوبة عن الأرضين السبع , ويفسِّرون الواقع بتلك الروايات التي رفضها العقل ؟ إنهم يقدّمون لنا كل يوم بطلاً متخيلاً بعيداً عن الواقع , لا يصلح لأن يكون مثالاً يُحتذى به , يَعِدُنا بلبنٍ وخمرٍ في الآخرة , بينما يُجرِّعنا المُرَّ والذُلَّ في الدنيا , فحالنا كحال ديك الجنّ الشاعر: (( أأترك لذة الصهباء عمدًا لما وعدوه من لبن وخمر ؟ حياة ثم موت ثم بعث حديث خرافة يا أم عمرو )) .

خاتمة اليأس والأمل : (( يا ولدي , طالما أنَّ عقلية أهل الصحراء في زمن انقطاع الحضارات هي التي تحكم , وطالما أنَّ هؤلاء الفاسدين هم القابعون على الكرسي , فإنَّ محاولة إصلاح وضع العراق هي الوجه الجديد لـ حديث خرافة يا أم عمرو , لا إصلاح يُرجى ما لم يُقطع دابر الفساد بالمنشار, من أساسه , فلا تتوهمن إصلاحاً ما دام المُفسدُ في السلطة )) , ثم أغلق الشيخ عينيّه وكأنّه يودِّع هذه القصة , وقال بصوتٍ خافت : (( رحم الله العراق وأهله , فما بقي لنا إلا أن نروي حكاياتنا عن هذا الواقع الخرافي لعلَّه يكون عبرة لمن يعتبر , إن كان في الأمة من يعتبر )) , أليس هذا يا شيخ , هو جوهر المأساة ؟ أن يصبح الأمل في الإصلاح هو الخرافة الكُبرى التي لا يصدقها عاقل؟

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.


المزيد.....




- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!