أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .














المزيد.....

مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 15:14
المحور: الادب والفن
    


مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة :

حدَّثنا شيخُنا المندلاوي الجميل أبو العِزِّ, مُحمَّدُ بنُ عُبيدِ اللهِ , قال : بينا أنا ذاتَ يومٍ أسيرُ في دُروبِ بغدادَ , وقد أكلَ الدَّهرُ عليَّ وشَرِبَ , وشَهِدتُ من صُرُوفِ الزَّمانِ ما شابَ لهُ الوَليدُ , ووقفتُ على حالِ النَّاسِ في هذا العصرِ الذي تاهتْ فيهِ العقولُ وضاعتِ الحُقوقُ , إذْ نادى مُنادٍ : (( يا قومَنا , هلُمُّوا إلى شيخٍ خَبِيرٍ, يُفرِّقُ بينَ السَّمِّ والشِّفاءِ , وبينَ الرَّشوةِ والهديَّةِ , وما أصابَنا من الداءِ العُضالِ )) , فاجتمعَ حولَهُ قومٌ من سُقَاطِ النَّاسِ وأفاضِلِهِم , فاعتدلَ الشيخُ في جِلسَتِهِ , ونفثَ نفثَةً من صَدرِهِ , ثمَّ استهلَّ قائلاً : يا مَعشَرَ الحاضِرينَ , ويا رِفاقَ دَرْبِ الفَنَاءِ , أما عَلِمتُم أنَّ البلاءَ إذا عمَّ سُمِّيَ نظاماً , والفسادَ إذا تفشَّى سُمِّيَ سِياسةً ؟ لَقد كُنَّا نُعاني من فسادِ الأنظمةِ , حتى جاءَ من جاءَ لا بنظامٍ يُصلِحُ , بل بنظامٍ للفسادِ, وكُنَّا نبحثُ عن مُنتَشِلٍ يرفعُنا من وَهْدَتِنا , فما حَظِينَا إلا بِنَشَّالٍ يسرِقُ ما تبقَّى من كرامَتِنا وعزَّتِنا.

ويلي على زمانٍ أصبحَتْ فيهِ اليدُ العُليا هي اليدُ التي تَقبِضُ على ما ليسَ لها , ما أحوجَنا إلى فَهْمِ مِثلِ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رضيَ اللهُ عنهُ , إذْ قيلَ لهُ في الهديَّةِ : رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقبَلُها , فقالَ قولَهُ الفصلَ الذي صارَ حُجَّةً على كلِّ مُتَأوِّلٍ ومُتَعلِّلٍ: إنَّها كانت لرسولِ اللهِ هديَّةً , وهيَ لنا رِشوةٌ )) , يا للهولِ , كم من دولةٍ طامعةٍ , وكم من نفسٍ طامعةٍ , تَتَّخِذُ الهديَّةَ جُنَّةً , وتَتَدثَّرُ بها خِداعاً , تُعطَى لِتَسْري الأُمورُ, وتُمنَحُ لِيُسدَلَ السِّترُ على سُحتٍ وعِوَجٍ , أليسَت الرَّشوةُ ما اتَّفَقَ عليهِ الرَّاشي والمُرتَشي والمُرتَعشِي (الوَسِيطُ) على عَطِيَّةٍ مُقابِلَ عَمَلٍ في صَلاحِيَّةِ الوظيفةِ أو امتِناعٍ عنهُ ؟ بلى , فكيفَ يُحَوِّلونَها إلى قَهوةٍ أو حلاوةٍ أو إكرامِيَّةٍ أو اتعابٍ أو نصيبٍ أو لَحسَةِ إصبَعٍ؟

أفَرَقَ بينَ الهديَّةِ والرَّشوةِ في كثرةِ الأسماءِ؟ لا وربِّي , بل الفَرقُ الجوهريُّ كامِنٌ في النِّيَّةِ, الهديَّةُ تُعبِّرُ عن الوُدِّ والمحبَّةِ , لا تَطلُبُ مُقابِلاً , ولا تُرادُ لأجلِ مصلحةٍ غيرِ مشروعةٍ أو قانونيةٍ , وهيَ مِمَّا يُورِثُ التَّآلُفَ , لِقولِ الصادقِ المصدوقِ صلى الله عليه وسلم : تَهَادَوا تَحَابُّوا , أمَّا الرَّشوةُ فهيَ مَصلَحَةٌ وخِداعٌ وعَداءٌ , تُعطَى لِنَيلِ حقٍّ ليسَ لهُ أو لِإعفاءِ النَّفسِ من واجبٍ عليها , وهيَ الداءُ الذي نَهشَ في القضاءِ ودواوينِ الحُكمِ , وجعلَ الحقَّ يَصمُتُ والباطلَ يَنطِقُ , ومالَ بهِ ميزانُ العدالةِ , فضاعتْ الحُقوقُ , وسُلِبَتِ النِّعَمُ , وظُلِمَ المظلومونَ , ما ضرَّنا أنْ أصبحَ للمالِ صَدًى يتردَّدُ في أرجاءِ الدَّولةِ , لِيُغَيِّرَ القوانينَ والثَّوابِتَ .

ويحَكُم , إنَّ الرَّشوةَ إنحطاطٌ أخلاقيٌّ ودِينيٌّ , لا يُبرِّرُهُ مُبرِّرٌ , وهيَ في شَرعِنا جَريمةٌ وكبيرةٌ , لَعَنَ اللهُ فيها الرَّاشيَ والمُرتَشيَ في الحُكمِ , إلا من أُجبِرَ على دَفعِها لِيُخلِّصَ حقَّهُ أو يَدفعَ عن نَفسِهِ الظُّلمَ , فحينَئذٍ يَأثَمُ الآخِذُ دونَ المُعطِي , فإنْ قُلتُم : كيفَ المُحارَبَةُ ؟ قُلتُ: بالعودةِ إلى الشَّرعِ وتطبيقِهِ , وبإحياءِ الضَّميرِ الإنسانيِّ ورُوحِ المَسؤولِيَّةِ , وبِوَأدِ هذهِ العادةِ فلا تكونُ سَبِيلاً لتَسْيِيرِ المُعاملاتِ , وبِإزالةِ من لا يَستَحِقُّ من مَنصِبِهِ , وبِوَضعِ قانونٍ رَقابِيٍّ رادِعٍ , وبِالإعفاءِ الأخلاقيِّ (تَقويةُ الدِّينِ) والمادِّيِّ (إعطاءُ المَوظَّفِ ما يَكفيهِ عَنِ الحَرامِ) , وبِتَيسيرِ المُعاملاتِ على المواطنينَ حتَّى لا يُضطَرُّوا إليها , فكُلُّكم راعٍ , وكُلُّ راعٍ مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ.

فإنْ لم نَفعلْ , فالبلادُ إلى تَأخُّرٍ ووَهَنٍ , والأجيالُ إلى ضياعٍ ويَأسٍ , ولن يَنجوَ إلا من رَحِمَ ربِّي , هذا ما أراهُ من أمرِ هذهِ الآفَةِ التي أضحتْ بَاءَتَنا وعارَنا , ثمَّ سَكَتَ الشَّيخُ المندلاوي ورفعَ طَرفَهُ إلى السَّماءِ وقالَ : (( اللهمَّ ردَّنا إليكَ رَدَّاً جميلاً , واكفِنا بحلالِكَ عن حرامِكَ , وبطاعتِكَ عن معصيتِكَ , وبفضلِكَ عَمَّن سِواكَ )) , وانفضَّ المجلسُ , وقد وَقَعَ القولُ في النُّفوسِ مَوقِعَهُ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.


المزيد.....




- -سماء بلا أرض- للتونسية اريج السحيري يتوج بالنجمة الذهبية لم ...
- جدة تشهد افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان البحر الاحمر السينمائ ...
- الأونروا تطالب بترجمة التأييد الدولي والسياسي لها إلى دعم حق ...
- أفراد من عائلة أم كلثوم يشيدون بفيلم -الست- بعد عرض خاص بمصر ...
- شاهد.. ماذا يعني استحواذ نتفليكس على وارنر بروذرز أحد أشهر ا ...
- حين كانت طرابلس الفيحاء هواءَ القاهرة
- زيد ديراني: رحلة فنان بين الفن والشهرة والذات
- نتفليكس تستحوذ على أعمال -وارنر براذرز- السينمائية ومنصات ال ...
- لورنس فيشبورن وحديث في مراكش عن روح السينما و-ماتريكس-
- انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي تحت شعار -في حب السينما ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .