أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤولة عن ثروة العراق .














المزيد.....

مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤولة عن ثروة العراق .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 18:59
المحور: الادب والفن
    


مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤولة عن ثروة العراق .

قال الشيخ أبو زيد السروجي يوماً , وهو يخاطب رئيساً عظيماً من رؤساء الزمن الأغرّ, قد أُوتي الحكمة والجَلَد , وكشف عن خبيئة القوم وغَلَد : يا فخامة الرئيس , يا من نطق بالحقّ فكشف الستار عن قبح المشهد , أيُها الرئيس الذي أطلقت الكلمة فصارت سِهاماً, نعم , لقد صدقت , وربّ رميةٍ من غير رامٍ أصابت كبد الحقيقة , حين قلت أمام وفود العالم عن بلادنا : (( إنها تسبح في بحر من النفط , ولا تحسن تدبيره )) , أشهدُ أنك وضعت يدك على الجرح , وكشفت العورة التي حاول القوم سترها بأثواب من الوهم والوعود الخاوية , فها هي بلاد الرافدين , التي أودع الله في باطنها خيراً عظيماً , وقد صارت حالها إلى ما ترى , لم يعد العجب في وفرة الثروة , بل في ضياعها تحت وطأة الفشل والفساد , إن ما قلته عن وفرة النفط وعجز الإدارة , لم يكن مجرد تصريحٍ عابر, بل كان (( رميةً من غير رام )) أتت على الأكاذيب المُتقنة , فعرّت الطبقة التي حكمت , وتوالدت منها حكوماتٌ غارقةٌ في الفساد والعبث والأُميّة الاقتصادية .

لقد اعتمدت حكوماتنا المتوالية , منذ زمن ليس ببعيد , على أسلوب (( الاقتصاد الريعي )) فصار النفطُ غايةً لا وسيلة , بيعٌ للخام , وقبضٌ لثمنه , وتوزيعٌ عشوائيٌ أورث عجزاً مستديماً وفساداً بنيوياً , كأنما خُلقت هذه الثروة لملء خزائن معدودة , لا لبناء أمةٍ وتنمية أوطانها , ألا يعلم القوم , يا سيدي , أن هذا (( الزيت الأسود )) ليس مجرد وقودٍ يُحرق , بل هو خزانٌ لمستقبلٍ ضائع ؟ يدخل النفط الخام في آلاف الصناعات البتروكيماوية التي لا تُحصى , وفي صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل , وفي الأسمدة التي تُحيي الأرض , وفي مواد البناء التي تُشيد الحضارة , دول العالم تتمنى قطرة منه لتُقيم عليها مصانع , بينما نحن نكتفي ببيع (( البرميل )) خاماً كأنه سلعةٌ لا قيمة مُضافة لها .

والعجبُ الأكبر, أن بلادنا تنام على أعظم احتياطي نفطي , وتُنتج ملايين البراميل كل يوم , ورغم هذا , فإنها تستورد الغاز والكهرباء من الجيران , ميزانيتها تعاني العجز الدائم , ومديونيتها تتصاعد كاللهب , ومدينة النفط الأولى (( البصرة الفيحاء )) يشكو أهلها العطش , وتُقابل مطالبة شبابها بالماء بهراوات مكافحة الشغب , لقد فشلوا فشلاً ذريعاً , ليس في إدارة الثروة النفطية وحدها , بل في إدارة الثروة البشرية أيضاً , فهل رأيت بلداً يُهمل أبناءه ويُضيّع كنوزه بهذا الشكل؟ أَوَليسَ العراقُ الذي أنجبت أرضُه الحكمة وعلّمت الدنيا الكتابة , قد غرق الآن في بحر من الفشل الاقتصادي المُميت ؟ لقد اعتمد القوم على أسلوب (( الاقتصاد الريعي )) الفجّ , فصارت الدولة مجرد (( صندوق )) لبيع النفط الخام , لا (( ورشه عمل )) تُنتج الثروات وتُنمّي الأوطان , باعوا الكنزَ دون أدنى تفكير في قيمةٍ مضافة ,واكتفوا بالدخل السريع دون بناء صناعات وطنية تُنافس في الأسواق العالمية.

إن النفط الخام , يا سيدي ابا ايفانكا , ليس فقط ما يملأ خزانات وقود سياراتكم , إنهُ سرُّ ألفِ صناعةٍ وصناعة , هو عصبُ الصناعات البتروكيماوية التي لا تُعدّ ولا تُحصى , والتي تُنتج اللدائن والألياف الصناعية والمطاط الاصطناعي , وهو ما تقوم عليه نهضة العالم الحديث , وهو يدخل في الصناعات الدوائية ومُستحضرات التجميل , وفي الزراعة لإنتاج الأسمدة والمُبيدات , وفي مواد البناء والتشييد , ووقود السفن العملاقة , إن قائمة الصناعات التي يعتمد عليها هذا السائل الأسود تتجاوز العشرة آلاف نوع , ولكن ما حالنا ؟ العراق يبيع النفط خاماً فحسب , تاركاً خلفه الهوامش الربحية الهائلة ليجنيها غيره , والأدهى والأمرّ , أن هذا الخام يُصبح مادةً للتهريب والهدر في السوق السوداء والصفقات السياسية المُريبة , ليُصبح مورداً غير مُعلن للأحزاب وحملة السلاح والمافيات التي أُعطيت لها التسهيلات لتمارس النهب العلني والمُقنّع , وسلطاتُ البلاد لا تعرف ماذا تفعل بما يخرج من أراضيها , بل ولا تعرف تحديداً كم يخرج .

نعم يا فخامة الرئيس , نحن في صميم هذه المشكلة منذ سنين , وهي أكبر من مجرد إدارة نفط , بل هي قضية إدارة وطن , واختناق رؤية , وغياب حكمة , فمتى تُستفاق الأمة من غفوتها , وتُحوّل هذا الخير الكامن إلى حضارةٍ قائمة , بدل أن يبقى خاماً يُصدّر ليُبنى به غيرنا ؟ انتهى كلام الشيخ , وبقي العراقيون يرقبون متى يُستبدل هذا الاقتصاد الأعوج باقتصادٍ منتج , يرفع الأمة من غياهب الريع إلى نور الصناعة والتنمية المستدامة.

العجزُ فضيحةٌ كُبرى : ننتج كل يومٍ أكثر من أربعة ملايين برميل , هذا بحسابات (( الأبيض )) المُعلن , أما حسابات (( الأسود )) والتهريب , فلا يعلم حجم مدخولاتها أحد , ورغم هذا الإنتاج الهائل , فإن موازنة البلاد تشكو عجزاً دائماً وديوناً مُتراكمة , بينما نحنُ نستورد الغاز والكهرباء من الجيران , مُظهرين عجزنا عن استغلال ثرواتنا الغازية المُصاحبة للنفط , نعم , نحن في صميم هذه المشكلة منذ سنين , لكن ما العمل , وأنتم يا سيدي , جئتم لنا بهذه (( البضاعة السياسية )) التي أطبقت على صدر البلاد لدرجة الاختناق؟ المشكلة أكبر من مجرد برميل نفط , إنها مشكلة حكمٍ فاشل , ورؤية غائبة , وفساد أكل الأخضر واليابس , متى يعي القوم أن الأوطان تُبنى بالصناعة , لا بالبيع العاجل للثروات الخامدة ؟ متى يستفيق العراق ويُحول النفط من مُجرد دخل ريعي إلى قاطرة للتنمية الشاملة ؟ هذا هو السؤال الذي يرقب جوابه كل مُحبٍّ لبلاد الرافدين .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .


المزيد.....




- كتارا تطلق مسابقة جديدة لتحويل الروايات إلى أفلام باستخدام ا ...
- منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة تحتفي بأسبوع ...
- اختيار أفضل كلمة في اللغة السويدية
- منها كتب غسان كنفاني ورضوى عاشور.. ترحيب متزايد بالكتب العرب ...
- -دليل الهجرة-.. رحلة جاكلين سلام لاستكشاف الذات بين وطنين ول ...
- القُرْنة… مدينة الأموات وبلد السحر والغموض والخبايا والأسرار ...
- ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
- كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤولة عن ثروة العراق .