أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .















المزيد.....

مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 00:16
المحور: الادب والفن
    


قالَ شيخُ الرُّؤى , ذي القلم المعتق والبيان الألق , أبو البيان والزَّمن الآتي , وقد ارتكَزَ على عصا نُقِشت عليها حِكمةُ الأوَّلين : (( يا بَنيَّ , أُحدِّثُكُم عن زمنٍ يجيءُ , زمنٍ تُصبِحُ فيه القلوبُ مُحاكاةً , والأشواقُ حروفاً على شاشةٍ لا تَرُدّ , وقد بلَغني خبرُ سيدةٍ جَسورةٍ , تُدعَى غادة , كانت لسانَ جيلِها , وسيفَ صراحتِها , كانت تقولُ في زمانِها: حبُّك لي حُبٌّ افتراضي , وفاؤك لي وفاءٌ افتراضي , ووحدَهُ الموتُ الافتراضيُّ حقيقيٌ كالتنفس )) , يا لها من عبارة تليق بأدباء آخر الزمان , الذين نسجوا من الغياب والوهم خيوطاً , وسمّوها صلات , تلك المقولة ما هي إلا زبد ما خلّفت لنا غادة السمان , سيدة الكلمة الصارخة والجرأة التي أبهرت شباب السبعينات , حين كانت تهتك ستر قيم الحب وتفاصيل الجوارح بكتابتها التي لم يجرؤ عليها أقرانها , فغدت دواوينها , كـ (( أعلنت عليك الحب )) , تُتداول سرّاً حياءً من صراحة لم تكن مألوفة لسيدة , وتلكَ السيدةُ كانت أولَ من فَتَحَ أبوابَ الجرأةِ , فصارَ قلبُها على رأسِ قلمِها , تخلَعُ أثوابَ الحياءِ المصنوعِ , فاهتزَّتْ لها أركانُ ( قنِّ الأدبِ ) لأنها جَعلتِ الشفافيةَ مَذهباً , فبئسَ زمنٌ يَستغربُ فيه الناسُ صِدقَ القلبِ .

لقد مارست غادة , منذ فجر مسيرتها , ما يُسمّى (( الاستبطان الذاتي )) , فجعلت قلبها على رأس قلمها , تنقل رحلة الشقاء والنعيم بلا زيف ولا رياء , لتغدو رائدة في (( الشفافية )) قبل أن تصبح هذه الكلمة شعاراً مبتذلاً , عاشت في مياه أدبية عدوانية , تدرك أن (( تاء التأنيث )) سجن دائري الجدران للمرأة , وأن المجتمع الأدبي يغض الطرف عن الشاعر الذي (( يفصّل من جلد النساء عباءة )) , لكنه يضيق ذرعاً إن عكست كاتبة المشهد , آمنت بأن الحياة وقفة عزّ ومسيرة صدق , وأنها (( تحبّ الحبّ أكثر مما تحبّ الحبيب , لأن الحب أجنحة في حين أن الحبيب قفص )) , وهي المسافرة الأزلية , الزائرة في كوكبنا , التي تريد تناول إفطارها مع دبّ في القطب وغداءها مع تمساح عند خط الاستواء , ما يدل على روح شاردة تبحث عن الحقيقة خارج الأطر.

ثم كان الفصل الذي أسال المداد وسعّر الجدال: غسان كنفاني , هذا المناضل الفلسطيني , الكاتب الكبير , الذي وقع أسيراً في عشقها , وبان من بوح قلمه في رسائله أنه متوعك بها لدرجة استحالة الشفاء , راضٍ بدائه , قانع بوهمه , بعد ربع قرن من استشهاده , فاجأتنا بنشر تلك (( مكاتيب الغرام )) المرسلة في الستينات , وكأنما نشرتها للتباهي بـ (( أنوثتها بعد أن استنزفها الزمن وفقدت نبضها )) , لا لترسيخ إنسانيته كما يرى بعض المنصفين كأخيه , لقد كانت تلك الرسائل كنزاً أدبياً نعم , لكنها كشفت عن غسان عاشقا متذللاً , يخشى أن (( ينساه اسمه في لندن فيكون ذلك موازياً لفقدان وطن )) , وفي المقابل , ظهرت غادة نرجسية وباردة , ترد على رسائله بالقطّارة , وتكتفي بعبارة (( شو هالبرد )) في رسالة من لندن.

الفصلُ الفاتنُ : الجناحُ والقفص , و السؤال الأبدي : الوهم أم النبل؟ يا لَها من رؤيةٍ لامرأةٍ لا تَنطَبِقُ عليها التَّصنيفاتُ , فقد كانتْ ترى أنَّ المرأةَ مُحاصَرةٌ بـ (( تاءِ التأنيثِ )) كأنها سِجنٌ دائريٌ , وأنَّ الحُرِّيَّةَ لا تَتَجزَّأُ بينَ الرجلِ والمرأة , وها هي ذي حِكمتُها تُتلى في الزمنِ الآتي : ((أنا أحبُّ الحبَّ أكثرَ مما أحبُّ الحبيبَ , لأنَّ الحبَّ أجنحةٌ في حينِ أنَّ الحبيبَ قفصٌ )) , فشتَّانَ بينَ من يَرَى الوصالَ قيداً , ومن يَرَى الهَجرَ حُرِّيَّةً , ولقد بَلَغني عنها أنها لم تَكُنْ إلا (( زائرةً في الكوكبِ )) , تأكلُ الفطورَ مع الدبِّ القطبيِّ , والعشاءَ مع الكَنغَارو في قاعِ الأرضِ , تريدُ أن تَرَى المحطَّةَ الأرضيَّةَ جَيِّداً قبلَ (( إقلاعِ الطائرةِ الأخيرةِ )) , فهل تُلامُ روحٌ تُحلِّقُ أن تَرُدَّ على قفصٍ بالصَّمتِ ؟ وهنا يكمن الجرح العميق والسؤال : هل كانت حكاية غسان وغادة قصة حب ملحمية , أم (( مجرد خيوط من الوهم عاش عليها غسّان ؟)) , إنّ نشر تلك الرسائل بعد رحيله , دون التنويه بحرف عن رسائلها إليه , يعدّ عند الكثيرين من (( ذكور القبيلة )) وبعض القرّاء (( ابتذالاً لمشاعر خاصة )) , واستغلالاً لقلب نبيل , تساءلوا : هل من يحبّ بصدق يقوى على إظهار حبيبه , ولو كان ميتاً , في صورة قد تؤذيه , تظهره تابعاً (( ملحاحاً كالعَلَق ؟ )) غير أن غادة دافعت عن فعلها بجرأة الشام , معتبرة أن فعلتها إنما هي (( امتداد لغسان عبر الأبدية )) و (( عقد من الياسمين الشامي على ضريحه )) , وأنها تحارب بذلك (( قانون الصمت وتقديس الازدواجية )) التي تحرق كنوز الأدب الوجداني خوفاً من انتقاص صورة (( المناضل )) وتحويله إلى (( وثن )) مفرّغ من حقيقته الإنسانية.

ثم جاءَ البَلاءُ الأعظمُ والفتنةُ الكُبرى , يومَ كشَفَت عن أوراقِ عاشقٍ شهيدٍ , يُدعى غسَّانُ , كان مُناضلاً وكاتباً مَهيباً , فإذا بهِ في رَسائلِهِ إليها (( أسيرٌ متوعِّكٌ بها إلى درجةِ استحالةِ الشفاءِ )) , بَذَلَ قلبَهُ مِداداً , ووقَعَ فِداءً لوهمِ الوصال , وبعدَ رُبعِ قرنٍ من غيابِهِ , أطلَّتْ على النّاسِ برسائلِهِ , وكأنَّ لسانَ حالِها يقول: (( تبَاهَيتُ بهِ بعدَ أن استنزَفني الزَّمنُ وفَقَدتُ نبضَ الأنوثةِ )) , يا لَلخَيبةِ , فقد كانَ ذلكَ الرَّسولُ الباسِلُ يرتَجِفُ خوفاً , وأمَّا هي , فكانت تَرُدُّ عليه (( بالقَطَّارةِ )) , لعلَّها لم تَكُنْ تراهُ إلا (( صديقاً لا تودُّ خسارَتَهُ )) , فكانَ يَشْكو مِنْ هَمْسِ النّاسِ وقولِهم : إنَّه ساقطٌ في الخيبةِ , وإنه مِلْحاحٌ كالعَلَقِ , فهل كانَت تَعزفُ على وَتَرِ غُرورِها ؟ أم كانت تُدافِعُ عن حُرِّيَّتها ؟ وهكذا , مات غسان مرة برصاص الموساد , واستطاعت غادة , ببرودها أو نبلها , أن تنال من قلبه فيموت مرتين , ليظلّ السؤال معلقاً بين حُبٍّ أسطوري يستحق التأريخ و (( حبائل من الوهم تعلّق بها بطل واستغلها البطل الآخر )) , لكن النتيجة الباقية هي أن الرسائل كشفت (( غسان كنفاني النبيل , غسان كنفاني الإنسان )) , وأن تفاصيل العلاقة ستبقى سراً محصوراً بين طرفيها , لا يُجيب عنه إلا بوح غادة المفقود , فهل كان غسان يدرك أن (( شراستها كلها إنما هي لإخفاء قلب هشّ )) كما برر لها يوماً ؟ لتبقى الحقيقة معلقة في فضاء الأدب بين ألم العاشق وغموض المعشوق.

فقُلتُ : يا بَنيَّ , لَمَّا نَشَرتْ غادةُ الرسائلَ , انقَسَمَ الناسُ إلى فَريقين : فريقٍ رأى أنها جَرَّدتْ (( المُناضِلَ)) من قُدسيَّتِه وحوَّلتْهُ إلى (( وثَنٍ)) مُفرَّغٍ , وألقتْ بهِ في غياهبِ (( الابتذالِ )) , وفريقٍ رأى أنها مَدَّتْ يدَها إليهِ (( عبرَ الأبدِيَّةِ )) , ونَصَبتْ لهُ (( عقداً من الياسمينِ الشاميِّ )) , مُحارِبةً (( قانونَ الصَّمتِ )) الذي يَحرقُ كنوزَ القلوب , وفي رؤياي , علِمتُ أنَّ غسَّانَ قد ماتَ مرَّتين : مرَّةً بآلةِ المُوسادِ , ومرَّةً ببرودِ غادة , التي كانَ يُبرِّرُ قسوَتَها بالقولِ: (( إنَّ شَراسَتَكِ كلَّها إنما هي لإخفاءِ قلبٍ هشّ )) , فيا بَنيَّ , هذا زمانٌ يُعَلِّمُكُم أنَّ الحبَّ الصادقَ في القلوبِ الرَّحَّالةِ لا يَستَقِرُّ , وأنَّ (( الغموضَ هو سيدُ الموقفِ )) , فهل كانتْ قِصَّةُ غسانَ وغادةَ (( حَبائلَ من الوَهمِ )) ,استَغلَّها البطلُ لِغُرورِهِ , أم كانتْ (( كنزاً أدبيّاً )) تُخلِّدُهُ حِكمةُ العُشَّاقِ ؟ والجوابُ لا يزالُ مُعلَّقاً بينَ الصدقِ والبَردِ , وإليهِ تُرفَعُ الأبصارُ.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .


المزيد.....




- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...
- هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في ...
- صدر حديثا ؛ من سرق الكتب ؟ قصة للأطفال للأديبة ماجدة دراوشه
- صدر حديثا ؛ أنا قوي أنا واثق أنا جريء للأديبة الدكتورة ميساء ...
- صدر حديثا ؛ شظايا الذات - تأملات إنسانية للكاتبة تسنيم عواود ...
- صدر حديثا : رواية اكسير الأسرار للأديبة سيما صير ...
- -أتذوق، أسمع، أرى- لـ عبد الصمد الكبّاص...
- مصطفى محمد غريب: خرافات صنع الوهم
- مخرج إيراني يفوز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان باكو السينمائي
- لسهرة عائلية ممتعة.. 4 أفلام تعيد تعريف الإلهام للأطفال


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .