أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .














المزيد.....

مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 16:42
المحور: الادب والفن
    


في زمن أصبحت فيه علب الأدوية رفيقاً ضرورياً في الجيب , وبينما تزدحم ذاكرة هواتفنا برسائل العلاج بكل شيء ما عدا الدواء , يبقى مكان واحد يهمس فيه التاريخ بالشفاء , وتفوح منه رائحة البخور والتوابل التي تحمل أسراراً ضائعة : إنه دكان العطار. هل أنت مستعد لاكتشاف أن أقدم الوصفات الطبية لم تُكتب في مختبر , بل نُقشت على ألواح طينية سومرية قبل 4600 سنة ؟ وأن مفاتيح صحتك قد تكون مخبأة في زاوية عتيقة بأحد أسواق القدس أو بعقوبة ؟ هذه ليست مجرد قصة عن الأعشاب , بل هي معركة بقاء لمهنة ترفض الانكسار أمام التطور العلمي والدجل التجاري.

تعود مهنة العطارة إلى عهد الأجداد , حين كانت الأرض هي الصيدلية الوحيدة , لا يُنكر التاريخ مكانة العطّار , فقد وجد الباحثون نصوصاً طبية مسمارية تعود إلى 2600 سنة قبل الميلاد في بابل , وورد ذكره في بردية إبيرس المصرية التي حوت أكثر من 800 وصفة , إنها ليست مهنة , بل إرث يتوارثه الأبناء عن الآباء , وكما أرسى الجد عبد الحليم عمر عزام عبارته الشهيرة : (( كونه عملاً يؤمن أجراً وأجرة )) , نقلها إلى الأجيال التي بعده منذ عام 1912 , متحدياً بذلك مرور قرن كامل , تلك أصالة منقوشة وعشق متوارث , فهذا العشق للأعشاب يختلط بوجدان الناس , لأن العطار ليس بائعاً فحسب , بل هو كاتم أسرار الشفاء والألم , حتى أن الشعراء الشعبيين تغنوا به في قديم الزمان : (( عمي يلعطار سويلي وصفة / بلجي محبوبي ويايه يصفى , ماأنام ليلي مهدوم حيلي / نار اللي بكلبي ما اظن تطفى )) .

مع كل هذا التاريخ , يأتي صراع العلم والدجل في سوق العطارين , حيث لم يمحُ التطور العلمي مهنة العطارة , بل دفعها نحو التخصص والتوثيق , لقد أصبحت المهنة اليوم تندرج تحت مسمى (( الطب البديل )) , لكن هذا لم يأتِ بسهولة , فالصراع اليوم يدور على جبهتين : ألأولى , مواجهة الحداثة بالتوثيق , حيث لم يعد العطار يكتفي بالخبرة المتوارثة , ففي العراق , طور العطارون مهنتهم باعتماد الأسس العلمية والكتب المعتمدة من وزارة الصحة , مستندين إلى الدستورين الألماني والبريطاني , كما أن محمد الخطيب في دمشق جسّد هذا الدمج الفريد , حيث ورث المهنة عن أجداده , ثم دعمها بدراسة الصيدلة بشكل أكاديمي , ليتمكن من توثيق المعطيات القديمة بعلوم دوائية حديثة , والجبهة الثانية , محاربة الدجل التجاري, يأسف أبناء المهنة الأصليون لدخول نوع من الدجل , خاصة عبر الفضائيات التي تروج لوصفات معلبة تحمل مغالطات , هنا يبرز دور العطار الأمين الذي يحذر من النباتات غير المصنفة والمجهولة , ليظل ملاذاً لمن (( يخجل أحياناً من قول الحقيقة للطبيب)) فيأتي ليجد الشافي , ويتجسد هذا الصراع في التحديات التي تواجه أقدم الأسواق , مثل سوق العطارين في القدس , الذي ظل شامخاً منذ العهد الروماني , ويواجه اليوم مضايقات المستوطنين , ولكنه يظل شاهداً على الإرث الذي لا يُباع بالإغراءات المادية.

في خضم هذا التحدي , يظل العطار هو خبير النباتات الذي يعرف أن (( كل ما هو مرّ فهو نافع )) , فلديهم القدرة على تركيب الزيوت التي تفيد الشعر, والوصفات التي تستهدف أمراض الجلد والمفاصل والقولون , إنهم يملكون كنزاً نباتياً يفيد في علاج السمنة والسكري , حيث يكثر طلب الأعشاب المنحفة والملينة , ويوصفون أعشاباً مثل : (( شرش الرباط , الذي ينشّط الكبد ويخفّض نسبة السكري , والكافور لوجع الظهر , وحبة البركة وزيتها , التي تمنح المناعة الصحيّة )) , لكن تبقى خبرة العطار هي الفاصل , فهو يفرق بين (( البابونج )) و(( العيزقان )) , ويعرف أسماء الأعشاب الهندية والعربية وفق خاصيتها , فالعطار هو من يحمل (( خلك عطار)) على حد وصف الأبوذية : (( عطار وما كلت للناس عل طار / وشسولف عن جرح البلكلب عطار, جنت وياك شايل خلك عطار / طفل ماتشتري وتضحك عليه )) , وفي البحث عن الكنوز التي تُداوي الجسد والروح , فإن العودة إلى العطار اليوم ليست هروباً من الطب , بل هي بحث عن التكامل , وإقرار بأن الجسم في كثير من الحالات قادر على أن يعالج نفسه بنفسه متى مُنح مكونات الأرض الطازجة والطبيعية.

ختاماً , في دكان العطار, لا تشتري عشباً فحسب , بل تشتري وصفة عمرها آلاف السنين , مدعومة اليوم بعلم الصيدلة الحديث , إنها رحلة عبر التاريخ والطب البديل , تؤكد أن مهنة العطارة باقية وتتطور , لتظل مقصداً لكل عليل أو صاحب حاجة.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَقَامَةُ حِكَايَاتِ النَّمْلِ .
- مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .


المزيد.....




- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو
- بطل آسيا في فنون القتال المختلطة يوجه تحية عسکرية للقادة الش ...
- العلاج بالخوف: هل مشاهدة أفلام الرعب تخفف الإحساس بالقلق وال ...
- دراسة تكشف فوائد صحية لمشاهدة الأعمال الفنية الأصلية
- طهران وموسكو عازمتان على تعزيز العلاقات الثقافية والتجارية و ...
- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .