أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .















المزيد.....

مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 12:03
المحور: الادب والفن
    


مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص :

قامَ بي ذاتَ صُبْحٍ هَمٌّ , واعتَرَاني قلقٌ ليسَ بعدَهُ إلا السَّأم , فانتبذتُ مكاناً قصيّاً , أُقلّبُ فيهِ الأيامَ واللياليَ طَيّا , فإذا بالذاكرةِ تستحضرُ قصةَ أبي الفوارسِ سعدِ بنِ محمدٍ التميميِّ , ذلكَ الفقيهِ الشافعيِّ والأديبِ البليغِ , الذي غلبَ عليهِ لَقبُ (( حيص بيص )) لعظيمِ تقعُّرِهِ في المفرداتِ ورؤيتِهِ للناسِ في حَيرَتِهم وشدَّتِهِم , قائلاً : (( لمَ هؤلاءِ الناسُ في حيص بيص؟)) , والمقصودُ الشدةُ والاختلاطُ الذي يصيبُ القومَ حينَ يقعونَ في معمعةٍ من الفوضى والهرجِ والمرج.

أجل , لقد وقعْنا – ويا للأسفِ – في حيص بيصٍ أشدَّ وأعظمَ , فالعالمُ اليومَ ليسَ قريةً صغيرةً فحسب , بل مائدةٌ متوسطةُ الحجمِ يتحلَّقُ حولها البشرُ, لا ليتعاطوا العلمَ والأمنَ بسلام , بل ليشهدوا تجاذُبَ الأطرافِ وتناثُرَ الشظايا , نُصابُ بفقدانٍ مؤقَّتٍ للواقعِ ونحنُ نُحلِّقُ في ذاكرةٍ لا تحفلُ بالحاضر , وننسى أن الزمنَ – ذلكَ المحتالَ اللصَّ كما وصفَهُ البعضُ – لا يتحرَّكُ , بل نحنُ الراحلونَ والذاهبونَ , ونبقى في حيص بيص , الزمنُ والحيرةُ والرجاء .

أيها الزمنُ الحيص بيص , يا صندوقَ الأسرارِ والمصائبِ والمباهجِ , نُقايضُكَ بالانتظار , نُهدرُكَ في أحاديثِ الكراهية , وتأخذُ منَّا الذين أحبَّتْهُم قلوبُنا , تاركاً لنا أمنياتٍ على الرصيفِ وعلاقاتٍ لا تُثمر, في هذا القرنِ الحادي والعشرين , قرنِ الحيص بيص اللولبيِّ , حيثُ تتدحرجُ الأعوامُ وتطرقُ بابَ التغيير , امتلأتِ الدنيا بحواسٍ جديدةٍ وعضلاتٍ عابرةٍ للأرضِ والسماء , فالعلمُ أصبحَ هبةَ الوجودِ للجميع , لكنهُ صارَ أيضاً صندوقاً فيه بنفسجُ الأملِ ومعهُ متفجّراتُ الخوف , فمن ناحيةٍ , تتراجعُ الأميَّةُ وتتسعُ مساحةُ المعرفةِ بفضلِ التقنيةِ المعلوماتيةِ الحديثة , والجيلُ الشابُّ يرى بعيونِ هذه المعرفةِ ويتوقُ إلى بناءِ عالمٍ جديدٍ تكونُ فيهِ الحريةُ شهيقَ الحياةِ وزفيرَها , ومن ناحيةٍ أخرى , نرى أمةً أوقعها أهلُها في حيص بيص , فوسِّدَتْ فيها الأمورُ إلى غيرِ أصحابها , وسادها الهرجُ , وكَثُرَ فيها الفسادُ .

لقد اعتقدَ الكثيرونَ أنَّ التقدمَ العلميَّ سيُحقّقُ السلامَ ويُزيلُ الفقرَ والمرضَ , لكنَّنا اليومَ نعيشُ تحتَ ظلِّ أوبئةٍ تفوقُ سرعةَ الدواءِ , وحروبٍ طاحنةٍ تلتهمُ البشرَ دونَ أنْ يعرفَ أغلبُ مَن يخوضُها دوافعَها ومُبرِّراتِها , ونتابعُ بضمائرَ مثقلةٍ بالألمِ إبادةً وحشيَّةً غيرَ مسبوقةٍ , ونرى مشهدَ غروبِ الوعيِ الإنسانيِّ وإن غابَ عن العقولِ القادرةِ على الفعل , أيُّها المَلأُ , الغارقون في عُسرِ الحيص بيصِ وبشارةِ اليُسر , إنَّ الإدراكَ بأنَّ كلَّ شيءٍ جميلٍ حينَ نُدرِكُ أنهُ ليسَ لنا , فهو حيص بيص , ليسَ دعوةً لليأس , بل هوَ أوَّلُ سُلَّمٍ للرضا والرجاءِ , فالعلاقةُ بينَ الزمانِ والمكانِ , التي وُصِفَتْ بأنها مُتَوَاطئةٌ ضدَّنا , ما هيَ في حقيقتِها إلا قَدَرٌ نُصارعُهُ بالإرادةِ المُنْبَعِثَةِ من مَكامِنِ الصبر, لقد رأينا كيفَ أنَّ أمةً أوقعها أهلُها في حيص بيص , فوسِّدَتْ فيها الأمورُ إلى غيرِ أصحابها , وسادها الهرجُ , وكَثُرَ فيها الفسادُ , ولكنَّ في صميمِ هذا الاختلاطِ والضياعِ تكمُنُ الصحوةُ , فمتى ما بلغَ السَّيْلُ الزُّبى , أَوْمَضَتْ بصيصُ النورِ في العقول , ولذا يجبُ علينا ألا ننسى أنَّ كلَّ لحظةٍ لا تُعاشُ هي خسارة , وكلُّ رأسمالٍ دونَ الزمنِ هو خردة .

ونحن نترقب ومضاتُ الرجاءِ في عالمٍ لولبيٍّ , في هذا القرنِ الحادي والعشرين, قرنِ الحيص بيص اللولبيِّ , حيثُ تتدحرجُ الأعوامُ وتطرقُ بابَ التغيير , امتلأتِ الدنيا بحواسٍ جديدةٍ وعضلاتٍ عابرةٍ للأرضِ والسماء , فالعلمُ أصبحَ هبةَ الوجودِ للجميع , لكنهُ صارَ أيضاً صندوقاً فيه بنفسجُ الأملِ ومعهُ متفجّراتُ الخوف , والرجاءُ أيُّها الإخوةُ , كامنٌ في ثنايا المعركةِ الطويلةِ بينَ الإنسانِ والطبيعةِ والزمن , فهو أولاً , رجاءُ المعرفة, لقد تراجعتِ الأميَّةُ واتَّسعتْ مساحةُ المعرفةِ بفضلِ التقنيةِ المعلوماتيةِ الحديثة , وهذا الجيلُ الشابُّ الذي يرى بعيونِ المعرفةِ هذه , ستكونُ لهُ قدرةٌ نوعيَّةٌ على بناءِ عالمٍ جديدٍ تتضاءلُ فيهِ مظاهرُ الحيص بيصِ القديمة , وهو ثانياً , رجاءُ الإرادة: إنَّ مشهدَ غروبِ الوعيِ الإنسانيِّ الذي نراهُ ونعوذ منه هوَ حافزٌ لنا لكسرِ لولبِ الزمنِ الذي يلوي الجميعَ بتعرُّجاتِ دوراتِه, متى ما نَزَعْنا الأنانيةَ من عقولِ ساسَتِنا وسعيْنا لتكريسِ السلامِ ورفعِ الظلم , انقشَعَ غبارُ هذهِ الحيرةِ والشدة.

إنَّ سخطَنا على الزمانِ وأهلِهِ هوَ أوَّلُ خيطٍ ننسجُ بهِ ثوبَ التغيير, فما دامتِ العقولُ تُبدعُ من دونِ توقف , ومثلما تشرقُ الشمسُ كلَّ يوم , تلمعُ في العقولِ ومضاتُ العلمِ والتطور, وصناعةُ قادمٍ يقفزُ فوقَ عوائقِ الجهلِ والعنفِ وتخريبِ الطبيعة , وهنا مكمنُ الرجاءِ , أيها الأحبةُ , والرجاءُ أيها السادةُ أنَّ قوةً تتحرَّكُ في لولبِ هذا الزمنِ سيكونُ مداها واعداً على الرغمِ من كلِّ الهِنات, هوَ رجاءٌ يشدُّ أزرَ الإنسانِ بقوةٍ لا يطالُها الوَهَنُ , يوقظُ فينا الإيمانَ بأنَّنا لسنا مجرَّدَ تواريخَ على الحائط , بل قوةٌ قادرةٌ على بناءِ عالمٍ جديدٍ يهفو إلى السلامِ الذي يضيءُ الدنيا بنعمةِ الرفاهية , فلنستلهمْ من قصَّةِ (( حيص بيص )) الحقيقةَ القائلةَ : إذا اشتدَّ الاختلاطُ والشدَّةُ , فاعلمْ أنَّ الفرجَ قريب , وأنَّ الرجاءَ هوَ الزادُ الذي نُقاومُ بهِ لصوصَ الزمنِ وحيرتَهُ , لقد اعتقدَ الكثيرونَ أنَّ التقدمَ العلميَّ سيُحقّقُ السلامَ ويزيلُ الفقرَ والمرضَ , لكنَّ عقولَ الساسةِ صارتْ لولبيةً تدورُ حولَ مصالحِها بأنانيةٍ لا تعرفُ حداً , وضمائرُنا مثقلةٌ بالألمِ مما تابعناهُ من إبادةٍ وحشيَّةٍ , فهل نكونُ ممن يُطيلُ أمدَ الحيص بيص , أم نكونُ صُنّاعَ الفجرِ القادم؟ إنَّ السنونَ تتحرَّكُ في دوراتِ الزمن , وتحملُ في أحشائِها مواليدَ حيواتٍ جديدةٍ , ويبقى الأملُ حاضراً يفعلُ للإنسانِ قوةً لا يطالُها الوَهَنُ , فمثلما تشرقُ الشمسُ كلَّ يوم , تلمعُ في العقولِ ومضاتُ العلمِ والتطور , فلنعُدْ إلى كلِّ صباحٍ كالمسحورِين , نبحثُ عن متعةٍ صغيرةٍ , عن صوتِ عصافيرَ, عن حديثٍ بينَ قهوةٍ ونافذةٍ , عن لحظةِ نسيانٍ تُعيدُ ترتيبَ أولوياتِنا, هوَ رجاءٌ يشدُّ أزرَ الإنسانِ , ويُبقِي الإيمانَ بأنَّ في لولبِ هذا الزمنِ تتحركُ قوةٌ لا نعلمُ مداها , لكنهُ على الرغمِ من كلِّ الهِناتِ سيكونُ الزمنَ الواعد.

وعسى أن يتحقق الرجاءُ ما دامتِ الأنفاس .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .
- مَقَامَةُ الجُهَّال .
- مقامة طوبى : في ذكر حال الأنام والآمال العِظام .
- المقامة الإقصائية .
- المقامة الإسلاسية .
- مقامة ترانيم الخريف .
- مقامة فن الصياغة : الوافي بوفيات الصفدي مثلا .
- مقامة حَرْقِ الكُبُودِ على عراقٍ مَغْزُو .
- مقامة حديث خرافة يا أم عمرو!
- مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .


المزيد.....




- الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت ...
- الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت ...
- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .