أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - الغطرسة : الداء والجلاء .















المزيد.....

الغطرسة : الداء والجلاء .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 21:32
المحور: الادب والفن
    


الغطرسة هي كبرياء مفرط وتعالي على الآخرين , وتتجلى في إحساس الشخص بالتفوق المبالغ فيه وتقدير ذاته بشكل غير واقعي , وهي سلوك يتضمن تجاهل آراء الآخرين , وعدم احترامهم , ومحاولة فرض الرأي الخاص أو القرار دون مراعاة لاحتياجات الآخرين , وقد تؤدي إلى سلوكيات مدمرة , وغالباً ما ترتبط بفقدان الاتصال بالواقع , والمبالغة في تقدير القدرات الذاتية , وتدمر الثقة والتعاون , وتؤدي إلى سلوكيات تجعل الآخرين يشكلون رأياً سلبياً عن الشخص , وقد تؤدي إلى نتائج سلبية على الفرد والمؤسسة , مثل سوء اتخاذ القرار , كما أن الغطرسة العالمية مصطلح يصف الهيمنة الثقافية والاقتصادية لدولة ما على دول أخرى , ويستخدم لوصف الولايات المتحدة من قبل دول أخرى.

التقطت اللغة الإنجليزية مفهوم الغطرسة والمصطلح الذي يشير إلى هذا النوع من الغرور من اليونانيين القدماء Hubris Syndrome , الذين اعتبروا الغطرسة علَّة خطيرة في الشخصية قادرة على إثارة غضب الآلهة , وفي المأساة اليونانية الكلاسيكية , كانت الغطرسة في كثير من الأحيان عيباً قاتلاً أدى إلى سقوط البطل المأساوي , عادة تؤدي الثقة المفرطة بالبطل إلى محاولة تجاوز حدود القيود البشرية واحتلال مكانة إلهية، , وكانت الآلهة حتماً تُذل الجاني بتذكير حاد بفنائه , والغطرسة هي سمة شخصية تنطوي على الفخر المفرط والثقة والأهمية الذاتية , وبناءً على ذلك , يميل الأفراد المتغطرسون إلى المبالغة في تقدير أشياء مثل قدراتهم ومعرفتهم وأهميتهم واحتمال نجاحهم , على سبيل المثال , قد يعتقد الشخص المتغطرس أنه لا يخطئ أبداً , وأن نجاحه مضمون في جميع مشاريعه , أو أنه يستحق أن يكون فوق القانون , وهي سمة إشكالية يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية خطيرة.

وفي السياق الطبي , أكد الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي أن الحاكم الذي يبقى مدة طويلة في الحكم دون أي مساءلة , تحدث له حالة توحّد مع المنصب ويعاني مرضاً نفسياً يسمى متلازمة الغطرسة, وأوضح عكاشة أن السلطة لا تكون مرضاً نفسياً إذا كانت هناك مساءلة , إلا أن طول مدة السلطة تغيّر من شخصية الحاكم في أي مكان بالعالم , وأن الاكتئاب يزيد لدى أي شعب إذا كان هناك فقر وبطالة وكبت للحرية.

في كتابه السيري الجميل (غصنٌ مُطعّمٌ في شجرة غريبة) يحكي الدكتور صلاح نيازي عن بواكير تجربته الشخصية مع الإنكليز عندما استأجر غرفة في منزل عائلة بريطانية بعدما غادر العراق أوائل ستينيات القرن الماضي , يقول أنّهم كانوا يندهشون لفرط القوّة والحسم والصرامة في مفرداتي العراقية , وكذلك لطبيعة سلوكي الذي تعبّرُ عنه كلماتي الصخرية, كانوا يرون الأمر غطرسة غير مناسبة أو متفقة مع السلوك الإنساني , ويعقّب الدكتور نيازي أنّه عرف طبيعة ما شعروا به بعد عقود من العيش هناك , ويرى أنّهم كانوا على حق , هو يسوّغُ الأمر بأنّنا نتعامل مع الآخرين بلغة العضلات , كلماتنا صخرية قاسية حتى لو لم نشأ ذلك , هي بعضُ موروثاتنا التي نحتاج للفكاك من أسرها الى تدريب شاق وطويل يعجز عنه الكثيرون , الأهمّ من هذا التدريب هو تغيير النسق المعيشي والثقافي والحضاري , وهذا يبدو عملاً أقرب لمعجزة عسيرة التحقق في واقعنا الغارق في الرثاثة.

تورد لطفية الدليمي في مقالها ليوم الاحد : ((غطرسة واحدة واستعراضات متعددة)) , نماذج عن هذه الاعتلالات العصبية , حيث الحالُ عندنا أنّ الجميع يتشرّبون الغطرسة ويبقونها متّقدة في أرواحهم مثل نار خبيئة تنتظر من ينفخ فيها ليعلي لهيبها , ويخبرنا الواقع أنّنا نشهدُ ألواناً من الغطرسة تتمايز عن بعضها تبعاً لموقع المتغطرس أو تبعيته للجهة التي يرى نفسه ممثلاً مخلصاً لها , ما يهم في الأمر وأظنّه ما يستوجبُ النظر والمساءلة هو شكلُ الغطرسة : علامتها الشاخصة أمام الجميع , أظنّ أنّ بمستطاعنا تشخيصَ نوعين من هذه الغطرسة: غطرسة خشنة مُعْلَنة , وأخرى ناعمة تتخفّى وراء قناع الكلمات المصقولة بدبق الحلوى.

نماذج من الغطرسة الخشنة في الإعلام : ندوات تلفازية صارت ميدان غطرسة وسَفَهٍ بليد , يخاطب أحد المستضافين خصمه الآيديولوجي (هل تصدّق أنّكم ستأخذونها منّا ؟ سنجعل الدم للخشوم بدل الرُكَب) , هذا بعضُ ما يقولونه في العلن , فما عساه يقال في الدهاليز الخفية ؟ وهاكم مثالاً آخر أعنف في غطرسته : يخبرُنا عضو في مجلس محافظة البصرة أنّ (المادون) لا ينبغي له في أيّ حال من الأحوال أن يقيّم ( المافوق ) , ويمضي في تسويغ رؤيته (ما بعد الحداثية) في الممارسة السياسية منطلقاً من أخلاقيات الممارسة العسكرية , هو يرى العراق معسكراً كبيراً , وحكّامُهُ ضباط برتب كبيرة , والسياسيون والجهاز التنفيذي خليط من ضبّاط برتب متفاوتة يعاونهم عرفاء وجنود , هل رأيتم نقيباً يقيّمُ عقيداً : هكذا يتساءل صاحب الرؤية الجديدة في السياسة , دققوا معي في مفرداته التي تشي بطبقية مقيتة : (مادون) و (مافوق) , هل بعد هذا الإعلان الصارخ من غطرسة أشدّ قبحاً ؟؟

نماذج من الغطرسة الناعمة الإدعاء والمبالغة : مستضاف يحكي عن الدّيْن العراقي الداخلي والخارجي ويستخدم مصطلحاً أجنبياً لا وجود له , ثمّ يستزيد في الثرثرة المالية والاقتصادية معللاً ذلك بأنه نال درجة 100 في إمتحان الرياضيات في البكالوريا , هذه غطرسة لأنه يستخفُّ بما يقول من تفاصيل ولا يرى ضرورة لمراجعته والتدقيق في صوابيته , لعلّه يقول في داخله (هؤلاء الذين أخاطبهم من يكونون؟ قل أيّ شيء لهم ولن يدققوا فيه لكسلهم وخمولهم) , ولوكان يحترم المشاهدين ما كان تجرّأ على الهذر بكلام رميم لا قيمة له , وينبؤُنا وزير التعليم العالي مزهواً أنّ عدد البحوث الأكاديمية المنشورة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى يومنا هذا بلغ حدود 182 ألفاً , ثمّ يردفُ بأنّ ثلثي هذه البحوث نُشرَ في عهده متولّياً لشؤون الوزارة , أهي لعبة أعداد ؟ يبدو الأمر كمن يتفاخر بكثرة أولاده , وعندما تراهم على حقيقتهم ترى مجموعة من حفاة غاطسين في قعر الفقر والبؤس , من حقّنا , بل واجبنا , أن نتساءل : ما المعضلات العراقية المتوطّنة التي ساهمت في حلّها أو إيجاد مخارج معقولة لها هذه التلال المؤلفة من البحوث ؟ نعرف البئر وغطاءه الذي افترسه الصدأ , ونعرف من عيوب التعليم الجامعي العراقي ما يخجل منه المرء حتى لا يكاد يجرؤ على رفع رأسه.

تتبدّى الغطرسة في شكليْن , شكل خشن واضح مباشر , يسعى المتغطرس فيه لنقلنا إلى عصور المعارك البدائية الأولى حيث الغلبة للصوت العالي والسيوف المشرعة التي تنغرز عميقاً في الأبدان , وشكل متقنّع , يتمثل في عدم التحسّب من تبعات تمرير معلومات للمواطنين يعرف قائلها أنّها خاطئة أو كاذبة أو مبالغ فيها كثيراً أو تلتوي كما الأفعى في مواجهة الحقائق , والتسويغات جاهزة ولا أيسر منها , إنّها غطرسة من يعرف أنْ لا مساءلة قاسية تنتظره , لذا يستحقّ الأمر كثيراً من التفكير: لماذا نحن متغطرسون؟ أظنّ أنّ تقصّي جذور هذه الموضوعة تستحقُّ مباحث معمّقة , ربما في الرؤية العمومية يمكنُ القول ابتداءً أنّ غطرستنا مستورثة في جزء منها من تقاليدنا التي تؤكّد على أنّنا الأفضل والأشجع والأكرم بين العالمين , ربما أيضاً نحن لم ننجح في بناء تقاليد مواطنة حقيقية , فكان لزاماً على الفرد أن يرتكن إلى قوته الشخصية في نيل حقوقه , وهذا ما دفعه دفعاً للشعور الموهوم بالخيلاء والغطرسة بسبب إعلاء شأن الميزات الشخصية قبالة سطوة القانون الذي يتساوى الجميع امامه اعتبارياً وقانونياً , نحن أيضاً لا نجتهد في خلق الثروة بل نتقاتل لنيل حصصنا الفردية والجماعاتية من النفط وحده , وهذا يستلزم الغطرسة في التمسّك بالحقوق (المشروعة ) إزاء الآخرين , ثمّ هناك قائمة طويلة من التنازع والتشاحن حول مرويات التاريخ.

الغطرسة واحدة لكنّما استعراضاتها متعدّدة في العراق , وفسادُ المال المنهوب من النفط هو ما ينفخُ النار في غطرسة المتغطرسين, سيكون مشهداً كوميدياً مأساوياً عندما نشهدُ خواء جيوبهم , سينكشفون على حقيقتهم بيّاعي كلامٍ لا أكثر من هذا , نجد في الفلسفة كما في الدين تأكيداً على ضرورة معرفة النفس , فقد ورد في آية قرآنية (( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) , كما وكان سقراط شيخ فلاسفة اليونان يؤكد ضرورة معرفة الذات , حيث يردد الشعار المكتوب على معبد دلفي (( يا أيها الإنسان أعرف نفسك )) , أن تعرف ما تحب وما تكره وما تريد أن تطوله ومعرفة نوعية المطالب التي تريد تحقيقها وهذه المعرفة توفر للإنسان أدوات ناجعة للجم المطالب النفسية الخطيرة والمشبوهة , هنا يوفر لنا الديني والفلسفي معاً مقدمات التصدي للغطرسة.

صباح الزهيري.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة العبارة الضيقة : ما أوسع رؤيتها ؟
- مَقَامَةُ الْأَحْفَادِ وَمَتَاعِبِ الْأَجْدَادِ .
- مقامة شذرات من السيرة الذاتية .
- مقامة نجاة الصغيرة : ( الضوء المسموع ) , وهمسٌ يغوص في أعماق ...
- المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .
- مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .
- مقامة الهدم: جرافات تهاجم ذاكرة العراق الثقافية .
- مقامة ابن باديس والتنوير: الأذهان أولاً , ثم الأوطان .
- مقامة الفصام .
- مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .
- مَقَامَةُ حِكَايَاتِ النَّمْلِ .
- مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .


المزيد.....




- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين
- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...
- الناصرية تحتفي بتوثيق الأطوار الغنائية وتستذكر 50 فناناً أسه ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - الغطرسة : الداء والجلاء .