أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شذرات من السيرة الذاتية .














المزيد.....

مقامة شذرات من السيرة الذاتية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


مقامة شذرات من السيرة الذاتية .

ما أصعب مرارة الأفول وسكين الذاكرة , عندما يجلس الإنسان فوق قمة عمر يسعى نحو الزوال , يأخذ تعامله مع الذكريات حيّزاً أوسع , لقد بات من عاداتي اليومية السير ساعة أو أكثر , وهي آخر رياضة يسمح بها للشيوخ بعد أن يودعوا الشباب والكهولة , وبعدما تتالى أوامر الأطباء وتحذيراتهم من القلوب المكدودة , وأثناء المشي , تومض الذاكرة بنفحات مما مضى , لأطل بهذه أو تلك على السيرة ثم لأعود مرة أخرى إلى الكهف العتيق , أحداث بعضها قريب وبعضها يبعد عنا بأربعين عاماً كاملة , يطاوعني القلم حيناً , ويخذلني حيناً آخر , كأن هناك معركة بين العقل والقلب.

يطاردني الشعور بالشيخوخة رغم إرادتي وبغير دعوة , لا أدري كيف أتناسى دنوّ النهاية وهيمنة الوداع , وإنما أقدم تحيةً للعمر الطويل الذي أمضيته في الأمان والغبطة , تحية لمتعة الحياة في بحر الحنان والنمو والمعرفة , شديد وقاسٍ هو إحساس أن العُمر مر, وأننا فجأة كبرنا , زادت مسؤولياتنا وتغيّرت أولوياتنا , بقينا نحتفظ بحزننا داخلنا , نبكي ونعاني في صمت , نتظاهر بالقوة والسعادة في عز ضعفنا , ورغم ذلك لا زال داخلنا ذلك الطفل الذي يريد أن يعيش حياته.

وعن السبعينات الذهبية للقرن الماضي ومولد الوعي , كنا قد عشنا حياة ثقافية ثرّة غنية فيها , وكانت تلك الفترة تمثل عصراً ذهبياً في تاريخ العراق المعاصر, كنت قد تم قبولي عام 1969 في جامعة بغداد قسم العلوم السياسية , وهي صدفة غيّرت مجرى حياتي , ولم يغب عنّا فضل قرار مجانية التعليم على أبناء جيلنا كله , كانت الكلية تعج بالحياة , تعرفت على طلاب وطالبات من طبقات اجتماعية مختلفة وذوي اتجاهات فلسفية وسياسية متباينة , من المثالية إلى المادية فالوجودية , شيوعيون , بعثيون , قوميون , عبثيون , كانت الأحاديث والنقاشات تحتدم حين يدور الموضوع حول السياسة , وفي هذا الوسط بدأت بالتعرف على عالمٍ جديد كان غائباً عني , مرحلة غنية أثْرت وأثرت على حياتي فيما بعد.

انغمست في عالم الأدب , فكنت أذهب مع الأصدقاء لمشاهدة المعارض التشكيلية وحضور الندوات والقراءات الشعرية التي عرّفتني على شعراء لا علاقة لهم بالعصر الجاهلي أو العباسي , شعراء ينتمون إلى (( الشعر الحر)) مثل: بدر شاكر السياب , ومظفر النواب , وسعدي يوسف , وعبد الوهاب البياتي , عام 1969 التقيت مظفر النواب في حفلة عرس , وأعجبني ذلك الهدوء العجيب الذي يتسم به سعدي يوسف وهو يلقي قصيدته , كانت كلماته تصلني هادئة شفافة مثيرة للتساؤل , واكتظّت مكتبتي بكتب الفلسفة والشعر والروايات , ولعل أبرز ما لاحظته عن تجارب هؤلاء الأدباء أنهم يذهبون في كتاباتهم إلى آخر حدود الأسلاك الشائكة , غير أنهم يتجنبون الاصطدام بالألغام , لذلك عرف بعضهم السجون وآخرون اكتفوا بالنقل والفصل.

كانت الأعوام والعمل في السفارات والدوائر السياسية في الخارجية قد أنضجت أسلوبي , كما بلورت الحوارات والصداقات والقراءات نظرتي للأدب وطبيعته ووظيفته , كنت قادراً على اكتساب الجميع , من كل القيادات والمدارس بلا استثناء , وأُطلق آرائي دون تحفظ أو مجاملة , كانت المناقشة والآراء تثري العقل والوجدان , كما ان صالون الدكتور تحسين (تحية لروحه الملهمة ورأيه المقتحم) كل يوم جمعة , قد فتح لي نافذة على التاريخ والأدب الإسلامي والغربي معاً , كنت في حاجة لمن أبثه ذلك الفيض من الأحاسيس والأحداث التي حملتها بين جوانحي , ومع حرارة المناقشة واحتدام الجدل , كان الجميع ملتزمين بحدود لا يتعداها أحد , ومع تعمّق الوعي , أخذت تتبخّر النظرة التقديسية إلى حد المعصومية , فانتقلت من اليقينية التبشيرية إلى التساؤلية العقلانية النقدية, هذا التحول أتى نتيجة انخفاض منسوب الحمولة الآيديولوجية , والابتعاد عن منظومة الدعاية المضلّلة , التي كانت تُضخّ إلينا , ناهيك عن الجهل بالكثير من الحقائق والمعطيات الصادمة.

فتحت لي القراءة باباً يطل على عالم من الخيال بدا وكأنه عالمي المفضل , انه الإيمان بالتفاصيل وفلسفة العيش , لقد كان قدري أن تقودني القراءة إلى الكتابة دون وعي مني أو إرادة , حتى إذا ما نضجت العادة واشتد ساعدها , راحت تزهر حباً بلا نهاية للكتب والكتّاب , وآمنت بالفلسفة التي تقول إن من لا يعيش حياته لا يستحقها , وأضحيت لا أحب هؤلاء السُذّج الذين يتخرجون بمعدلات عالية وتخصصات علمية مهمة , لكنهم لا يسمعون الموسيقى , ولا يعرفون شاعراً واحداً , ولا يحاولون كتابة قصيدة أو رسم لوحة , ولا أفهم هؤلاء الناس الذين بلا طقوس شخصية , بلا عادات , بلا تفاصيل , لا يهتمون بألوان الأزرار, ولا خشب المقاعد , ويرضون بأي سائل ساخن أحمر فلا يتوقفون عند نوع الشاي.

الحياة في التفاصيل , في الأحاسيس , في الذائقة , في معنى أن تهز رأسك حزناً أو فرحاً أو طرباً لمقطع من أغنية قديمة , أو أن تنفعل برائحة الياسمين تهب من شارع عتيق يطل على بستان مزوي على نهر خريسان , ان جمال الطبيعة , وشيوع الخيرات , وسريان البهجة والطمأنينة , كلها عناوين لتلك الأيام التي لن تعود , فنستذكر أولئك الذين رحلوا وكان وجودهم سر جمالية الأمكنة , الذين عاشوا على حب الناس وتحلوا بالوفاء والطيبة والنوايا غير المغشوشة , والذين لا نرى نظيرهم في زمان التعاسة الذي نعيشه.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة نجاة الصغيرة : ( الضوء المسموع ) , وهمسٌ يغوص في أعماق ...
- المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .
- مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .
- مقامة الهدم: جرافات تهاجم ذاكرة العراق الثقافية .
- مقامة ابن باديس والتنوير: الأذهان أولاً , ثم الأوطان .
- مقامة الفصام .
- مقامة العطارين : أسرار عمرها 4600 عام .
- مَقَامَةُ حِكَايَاتِ النَّمْلِ .
- مقامةُ الرجاءِ في زمنِ الحيْصَ بيْص .
- مقامة السلطة والفكر .
- مقامة غادة وغسان : حقيقة الحب ووهم الوصال .
- مقامة اكسير الشباب .
- مقامةُ الشَّيخِ في ذمِّ الرَّشوةِ وتزيينِها بالهديَّة .
- مقامة دزني .
- مقامة لعّابة الصبر : العراق و سَوْط حقيقة الحكايات الصارخ .
- مقامة الخطو للوراء .
- مقامة جيل Z: رؤيا شيخ في آخر الزمان .
- مقامة المندلاوي في (( نَجْوَى الصَّمْتِ الهَادِي )) .
- مقامة الى أبو أيفانكا : في ذمّ الادارة غير الجادة وغير المسؤ ...
- مقامة الرضا في مقهى بغداد الفاضلة .


المزيد.....




- منصور أبو شقرا... مسيرة شعرية وثقافية تتجسد في إصدار مجموعته ...
- نردين أبو نبعة: الكتابة المقاومة جبهة للوعي في مواجهة السردي ...
- مصر: نقيب الممثلين ينفي فتح تحقيق مع عباس أبو الحسن بعد تصري ...
- جدل بعد بث أغنية أم كلثوم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم المصر ...
- أشبه بالأفلام.. سيدة تُقل شرطيًا بسيارتها لملاحقة سارقة متجر ...
- -البيت الفارغ- والملاحم العائلية يمنحان الفرنسي لوران موفيني ...
- المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكرّم جودي فوستر وحسين فهمي
- لوران موفينييه يفوز بجائزة غونكور الأدبية الفرنسية عن روايته ...
- الكاتب لوران موفينييه يفوز بجائزة غونكور الأدبية عن روايته - ...
- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة شذرات من السيرة الذاتية .