أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أبانا .














المزيد.....

مقامة أبانا .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


مقامة أبانا :

كتب أحد الأصدقاء المحترمين : (( أبانا الذي في السماء .... خربانه تحت )) , بدلا من ان يقول : (( ابانا الذي في السماوات .. اهدنا في من هديت )) , هذا مايحدث عندما تتحول الشعوذة السياسية إلى مقدّسة , فيصمت كثير من العقلاء , وكان الفيلسوف سقراط قد وصف العقلَ بأنه أداةَ الحقيقةِ والمعرفة , وأنَ المعرفةَ الحقيقيةَ هيَ معرفةُ النفس , حيثُ يهدفُ العقلُ إلى اكتشافِ الماهياتِ الكليةِ والتصوراتِ العامة , بديلاً عنْ مجردِ الإدراكِ الحسيِ الذي تخطئُ الحواسُ فيه , العقل وظيفة القشرة الدماغية , والدماغ كأي أعضاء الجسم الأخرى , وإن كان سيدها , يتأثر بالحالة التي يكون فيها البدن الذي ينتمي إليه , وأي مرض يصيب الجسم يؤثر على الدماغ , ويكون ما نسميه بالعقل مصابا أيضا , فالعقل السليم في الدماغ السليم , وعمل الدماغ نسبي ولا يكون مطلقا , لأنه مسجون في الجمجمة , ومرهون بالبدن الذي يحملها , ولهذا فوق كل ذي علم عليم , والعلم درجات , لأن العقول درجات , وما يبدو مقنعا اليوم ربما لا يكون كذلك في الغد , عندما تتراكم معارف وحقائق جديدة , والقول بالمقدس تعني إخراج المخلوق الآدمي من بشريته , وإنكار أنه سيكون طعاما للتراب , ومصيره كغيره من الناس , فهل وجدتم ما يُكنى بالبشر المقدس أفلت من قبضة الموت ؟ ويبدو أن الكون بأسره يتعارض مع فكرة التقديس , لأن ما فيه يجري وفقا لضوابط محكمة ونواميس ملزمة , لا تستطيع الموجودات التحرر من قبضتها , فكل موجود مستعبَد , ومرهون بها , والعلم هو القوة التي تصنع التقدم وتحقق النصر, أما التيه في أوهام الماضي السحيق , والهيام بالشعارات والأناشيد , فلا ينتجان سوى التخلف والانكسارات.

أهلاً بكم في اسوء عصر مرَّ على الارض منذ بدايتها ، اهلاً بكم في القرن الواحد والعشرين حيث اختلفت كل الموازين , فصاحب الشرف والعقيدة اصبح جليس الدار قابض على جمرة , والديوث اصبح هو المرغوب المحبوب , رجل في الخمسين يراهق , وشابٌ في العشرين يتمنى الموت , وطفلةً تبكي من هجر الحبيب , صاحب الغيرة اصبح معقد , والانحلال ثقافة , حيث اصبح ممارسة الزنا مجاني وبأسهل طرق ممكنة , في حين الزواج اصبح باهظ الثمن ومشروع خاسر لا يرغبهُ احد , حيث التطور والحداثة يعني ان تنزع وتتعرى , وان كنت لا تشرب الكحول والسجائر والأرجيلة.فأنت خارج الموضة واحيانا ليس برجل , حيث ان الرجل الذي يخون زوجته ماهر وشاطر ، والوفي لزواجه مسحور , حيث اصبحت الحمامات اماكن تصوير , ومعابد الله نقطة التقاء العشاق , حيث سرعة الاستجابة بوصول البيتزا والكنتاكي اسرع من وصول سيارة الاسعاف , ومن يخبرك حقيقة سيئاتك يصبح حسود وسام , والمنافق الذي يجاملك كذباً هو الودود الصادق , حيث ان المال اصبح اهم من العائلة حتى لو كان ذلك المال قادم من طرق غير شرعية , و حيث ان الشباب يخافون من الزواج ولكنهم مستعدين دائماً لفعل الحرام , واصبح رؤية الظلم بالمجتمع امر طبيعي والشرف ينظر اليه كأنه حالة نادرة , حيث ضياعت القيم والاخلاق , فساد ديني , فساد تربوي , فساد اخلاقي , فساد صحي , فساد اجتماعي , وعندما سألوه : ألا ترى أن العهر في تزايد ؟ أجاب : لا , هو فقط انتقل إلى خشبة المسرح بعد أن كان يختبيء في الكواليس .

أبانا الذي في السماء , كان العراق يبحث عن منتشلين فإذا به لا يحظى سوى بنشالين , وفي البحث الحرفي عن الفساد , أنواعه , درجاته واسبابه ,علينا أن لا ننظر إلى الأمور من خلال عين الود أو عين الكراهية لأننا عند ذلك نُضَيِّع المعنى ونُضَيِّع أنفسنا معه , فعندما تسقط ألأخلاق , وتمتهن المباديء , يكون طبيعيا ان تراهم يأكلون مع الذئب , وينبحون مع الكلب , ويبكون مع الراعي , يتكاثر الأراذل في المجتمعات المنكوبة بالفساد وإنحطاط القيم والأخلاق , وضياع المعايير والضوابط وقيمة الإنسان , وترى المرتكبون لفعل الرذيلة , في غاية العفاف الكلامي , فهم يتحدثون عن الحرام والحلال وعن القيم الرفيعة , وعندما تواجههم تجدهم إستحضروا ما لا يحصى من التسويغات والتبريرات من كتب الدين , ليحولوا البلد إلى مقبرة لوأد الأحلام , وأصابونا بمرض الاحتباس الحضاري بسبب تلوث الأخلاق وزيادة ثاني أكسيد الحماقة وارتفاع نسبة الجهل.

أبانا , يعيش العقل العراقي جهلا مخيفا, الملفقات صارت حقائق , وما دسه الغلاة, صار هو الدين , هتك ممنهج من على المنابر , ومن أفواه الطائفيين أدعياء الثقافة , ويتكاثر الخونة الذين إزدهرت أحوالهم يوم ضاعت أوطانهم , والذين جائونا بعللهم التي لم تخطر على بال أحد , بحيث اصبحت أنفاسنا محسوبة علينا حتى احتبس الشهيق واختنق الزفير, ولنتذكر قول عمرو بن ألأهتم :
(( لعمرك ماضاقت بلاد باهلها ولكن اخلاق الرجال تضيق
وكل كريم يتقى الدم بالقرى وللخير بين الصالحين طريق )) .

على الرغم من كل العلوم والتقنيات المتطورة اليوم , ولكن يبقى الإنسان بلا تفكير نقدي وبلا حكمة , مهدد بالانزلاق إلى العنف , إلى التعصب , إلى الانغلاق الايديولوجي , ولذلك , قررت اليونسكو ان يكون يوم ٢٠/١١ يوما عالميا للفلسفة , لما ما للفلسفة والتفكير النقدي من قيمة انسانية عالية , خاصة بعد ان لاحظت ان الصراعات والحروب ترتفع في الأماكن التي يغيب فيها التفكير النقدي , ولقد خصصت يوما عالميا للفلسفة , كي لا ننسى ان العقل ليس تلقائيا , بل من الممكن تدريبه لمواجهة هذا العالم الصاخب بتفكير هادئ نقدي متزن .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة العبر .
- مقامة تجليات قلق الورّاق .
- مقامة ام الكعك .
- مقامة غنائية .
- مقامة الرجاء الشطرنجية : في وصفِ لعبةِ التَّشظّي .
- مَقَامَةُ لَبَنِ العُصْفُورِ.
- مقامة الأنتخابات .
- مقامة لمحات من ذلك الزمان : أحداث ورجاء .
- مقامة الخبب : في رحلة العمر والأدب .
- مقامة القيمر الأسمر.
- مقامة الفلْس الدّوّانِقِي : نوادر البخلاء ومآثرهم .
- مقامةُ الأفندي تحسين في بَتانِ بغدادَ وبَطِّها .
- الغطرسة : الداء والجلاء .
- مقامة العبارة الضيقة : ما أوسع رؤيتها ؟
- مَقَامَةُ الْأَحْفَادِ وَمَتَاعِبِ الْأَجْدَادِ .
- مقامة شذرات من السيرة الذاتية .
- مقامة نجاة الصغيرة : ( الضوء المسموع ) , وهمسٌ يغوص في أعماق ...
- المقامة البغدادية في تَلَوُّنِ الأوطانِ وبكاءِ الأحياءِ .
- مقامة أللاأنجابية : في زمن الروبوتات والمنتحرين .
- مقامة الهدم: جرافات تهاجم ذاكرة العراق الثقافية .


المزيد.....




- الوكيل؛ فيلم وثائقي يروي حياة السيد عيسي الطباطبائي
- تهديدات بن غفير.. استراتيجية ممنهجة لتقويض السلطة والتمثيل ا ...
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالشاعر عذاب الركابي
- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...
- جدل بعد أداء رجل دين إيراني الأذان باللغة الصينية
- هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- -سيرة لسينما الفلسطينيين- محدودية المساحات والشخصيات كمساحة ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة أبانا .