أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .















المزيد.....

ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


ولازلت أتتبع كتابات أولئك الصوفيين الأوائل , علَّي أكتشف ذلك السر الدفين , الذي وجدوه ولم يتمكنوا من البوح به , فقد قال الغزالي قبلها ناصحاً تلميذه: اعمل واجتهد حتى تصل , لأن تلك الأمور ذوقية , تلك الأمور لا نقدر على الحديث عنها , يجب عليك أن تجربها بنفسك , وقالها جلالها الدين الرومي : أن هنالك سرا لا يمكن البوح به , سر يعرفه العارفون , وما يكتبوه لنا هو بعض طراطيش الكلام , وفيه بعض التلميح , ومن تلك التلميحات نتلمس بصيص النور علنا نتعرف على بعض ملامح ذلك السر العظيم , وقد وقع في يدي مؤخرا كتاب (( الرباعيات )) لفريد الدين العَطّار ( 618 - 540 هـ) ,وهو شاعرٌ فارسيٌ متصوفٌ , قال البعلبكي أنه (( يُعتبر أحد أعظم الشعراء والمفكرين الصوفيين المسلمين )) , عُرف بغزارة الإنتاج , وقد تركت أعماله أثرًا ملحوظًا في الأدب الفارسي وفي الآداب الإسلامية الأخرى أيضًا , وقد أعجبني ماقرأته وأحببت مشاركتكم إياه .

القَلَنْدريَّة هي طريقة صوفية , تُنْسَب إلى قلندر يوسف , قيل أنه أندلسي هاجر إلى المشرق ,جاء في (( معجم الألفاظ التاريخية )) أن القلندرية (( كلمة أعجمية بمعنى المحلقين)) , وجاء في كشاف اصطلاحات الفنون أن قلندر تعني عند الصوفية : (( الرجل الذي هو من أهل الترك والتجريد , وقد تجاوز عن اللذائذ البشرية )) , وفي (( كنز لغات )) أن قلندر تعني: (( درويش من طريقة القلندرية )) , وفي (( فرهنك جهانكيري )) قَلَنْدَرْ: بالفتح عبارة عن شخص تجرّد عن نفسه وعن الأشكال البشرية والأشكال العادية والأعلام التي لا سعادة فيها حتى صار من أهل الصفاء وترقّى إلى مرتبة الروح , ويعتقد أن الطريقة القَلَنْدريَّة ظهرت لأول مرة في دمشق سنة 610 هـ , وهي طريقة منتشرة في الهند , نشرها الشيخ قطب الدين العمري الجونبوري , وكان لهم عدة زوايا في الشام ومصر , كانت تسمى القلندر خانة , ومن طقوس هذه الطائفة أنهم يحلقون رؤوسهم ولحاهم وشواربهم وحواجبهم , ويهيمون دائما على وجوههم.

دعى فريد الدين العطار (( شيخ صوفي فارسي )) في رباعياته التي تناول فيها بعض المفاهيم العرفانية الصوفية مثل : التوحيد والعشق والحيرة والخمر , الى اغتنام لحظات العمر لأنه لايدوم طويلا ,كما حث على أحتساء الخمر في اللحظة التي يتنفس فيها الصبح , او بعد شروق الشمس , أو في ظل الورد المتفتح في الربيع , أو في ضوء القمر الساطع في الليل , وذلك بعد ان ايقن ان معشوقه يريد محبوبا قلندريا , متحررا , سكيرا , وبعد ان وجد ان الزهد يورث صاحبه العجب , ويسلبه الحرقة والذوبان, ويلهيه عن الصلاة , وان السكر والمقامرة أفضل من الرياء والنفاق , وان السكر هو السبيل الى الفناء , وخمر العطار ليست خمرا ماديا , انما هي خمر معنوية , ويقصد بها عند الصوفية (( العشق او غليان العشق الناشيء عن البارقات المتواترة )) , أما الكأس فتعني قلب العارف الذي يفيض بالمعرفة , وقيل المراد بالكأس البدن , وبالخمر تصفية البدن , والساقي : الشيخ الكامل , والمرشد المكمل , وهي صفة للحق تعالى , لأنه يهب العاشق شراب العشق والمحبة , أما القلندر : فتقال للشخص الذي تحرر من العالمين , وبلغ الكمال في التجريد والتفريد .

الشمع والفراشة , الشمع في أصطلاح العارفين شعاع النور ألألهي الذي يحرق قلب السالك , أما الفراشة فيضرب بها المثل في العشق والوفاء وألأيثار والتضحية بالنفس في سبيل المحبوب , وألأحتراق بشعلة عشقه الملتهبة , والعارف عند العطار يشبه الشمع , فهو يكتوي بألم الفراق , ويحترق حتى يتحرر من نفسه , ويلتحق بمحبوبه , أما الفراشة فقد أنبهرت بجمال الشمع وأرادت ان تكون رفيقة له , فأشترط عليها ان تلقي نفسها في النار وتحترق الى جواره , ففعلت لكنها أحترقت في لحظة , وظل هو يحترق طوال الليل , وهناك البلبل والوردة , فالبلبل هو العاشق المتيم بحب الذات ألألهية , المفتون بحب الوردة , والوردة رمز الجمال الذي يورث الصوفي الشوق الأبدي نحو خالقه , ويسمو به الى المحبوب , وهو في سبيل ذلك يتحمل ألأهوال ويكابد الآلام ويكتوي بلهيب العشق , وقد أفتتن بلبل فريد العطار بالوردة التي أينعت وتفتحت , لكنها لم تسلم من أذى صانع ماء الورد وأيذاء الناس الذين أحرقوها بالنار ولم يترفقوا بها مع ان ساقها مكسوة بالشوك .

كان العطار يخشى طلوع الصبح , وكان يتمنى ألا يطلع أبدا , وأن يعم الليل العالم بأسره , لأن الليل وقت الخلوة مع الحبيب , وألأنس به , وأدراك وصاله , وتجرع الكؤوس المترعة معه , حيث يعتقد بعض الصوفية : أن لله شرابا يسقيه في الليل قلوب أحبائه , فأذا شربوا طارت قلوبهم في الملكوت ألأعلى حبا لله وشوقا أليه و وقد حث العطار في رباعياته السالك على الصمت وعدم أفشاء الأسرار الألهية , والتوكل على الله , والحلاج في رأيه ملوم , لأنه لم يلتزم صورة الشريعة , وهو عند العطار بطل الصوفية , ولكنه سماه لص الطريق , لأنه باح بالسر وهو قد خالف الشرع , وبهذا استحق العقاب.

الأشعار القلندرية هي أشعار صوفية تركّز على مفاهيم التجرد , العشق الإلهي , وهدم القيود الظاهرية , ظهرت بقوة في الأدب الفارسي مع شعراء مثل سنائی وعطار ومولوی وحافظ وعراقي , وتتسم بالخروج عن المألوف , والتركيز على الحالة الروحية الباطنية , حيث يُعرّف (( القلندر)) بأنه الرجل المتجرد من الملاذ البشرية , وحلق شعر الرأس واللحية كرمز لذلك التجريد , والشعر القلندري يعبر عن عشق إلهي يتجاوز الحدود , حيث القلندر يرى العالم بعين الباطن , ويستغني عن الزينة الظاهرية لأن همه الأكبر هو الله , فيتخذ من الهيام في الأرض دليلًا على فناء الذات.

من رباعيات العطار المترجمة عن الفارسية :
(( ذهل العقل في وصفك , وصمتت الروح , وعجزت , ولما أضاء شمع تجليك , تمذهب طاووس الفلك بمذهب الفراشة )) .
(( منذ ذلك اليوم الذي خلقنا فيه من العدم , أنشغلنا بالقيل والقال عبثا , قلت أعتصموا , ولقد تتفرقنا و وقلت تطهروا , فتدنسنا )) .
(( كان عشقك يحرقني مثل الشمع , وعلمتني الفراشة الجزع , لو ان هجرك اشتراني دون مقابل , فقد باعتنينار عشقك )) .
(( أملك روحا عاشقة مفتونة ثملة , مضطربة قلقة , لا موجودة ولا معدومة , أن روحي طفل عجيب بلا قابلة , لا يعتاد صدرأَلَسْتُ )) .
أَلَسْتُ : بفتْح الألف واللام , وسكون السين , وضم التاء , وهي جزء من قوله تعالى: (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْتُ بربكم قالوا بلى شهدنا )) , الأعراف : 172 , وفي سياق الرباعية , (( صَدْر ألَسْتُ )) تعني الصدر الذي استجاب لنداء الخالق الأزلي في عالم الذر (بلى شهدنا) , حيث تشير إلى الحقيقة الروحانية الأصلية التي لا تنكر العهد الإلهي .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ألأفاعيل .
- مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) .
- مقامة تقاسيم على ثرثرة المندلاوي الجميل .
- المقامة الباكسرومانية في جدل السلام والهيمنة.
- مقامة الأقصاء : من إفراد البعير المُعَبَّد إلى تفكيك المجتمع ...
- مقامة الميمر: عذوبة اللحن وغموض الأصل .
- مَقامَةُ عَلْوَةِ النَّجَفِيّ والوَفَاءِ الهَالِكِ .
- مقامة مأزق فارس الملل : اللومُ عادةُ مَن لا يُغامرون , فلسفة ...
- مقامة تأجيل الصدمة .
- ألمقامة الاستغنائية .
- مقامة غجرية : وُضوءُ الغَجَر وسُكْرُالوَجْد ...قُبْلةُ المَو ...
- مقامة الشجاعة : اذا حلت المقادير بطلت التدابير.
- مقامة الحلم الطويل .
- المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .
- مقامة جشع الورثة وسوء خاتمة التركة.
- مقامة الخلجات .
- مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .
- مقامة رحى الخزاف .
- مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ ...
- مقامة أبانا .


المزيد.....




- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو
- فنان من غزة يوثق معاناة النازحين بريشته داخل الخيام
- إلغاء حفلات مالك جندلي في ذكرى الثورة السورية: تساؤلات حول د ...
- أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها
- ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غ ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .