أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .














المزيد.....

المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية :

حكى الحارثُ بنُ هَمّامٍ -أثابهُ اللهُ خيرَ المقامِ- قال : كُنتُ ذاتَ يومٍ أسيرُ في دُروبِ العلمِ , أستجلي حِكمَ الكَلِمِ , وأستزيدُ من نفائسِ الحِكَمِ , إذ لقيتُ أبا زيدٍ السَّروجيَّ -أباهُ اللهُ غمامَ الرُّوحِ- وعليهِ سِيما التَّقِيِّ الأوَّاهِ , وقد بدا على مُحَيّاهُ أثرُ مطالعةِ أسفارِ الأولينَ وتفسيرِ كلامِ ربِّ العالمينَ , فقلتُ لهُ : يا أبا زيدٍ , ما خطبُكَ ؟ أراكَ غارقاً في بحارِ الفِكرِ , مُقلِباً لأوراقِ السِّيرِ , فهلْ ظفرتَ بدرَّةٍ فريدةٍ أو خُطبةٍ مَجيدةٍ ؟ فقال لي بصوتٍ وقورٍ جليلٍ: يا حارثُ , بل غُصتُ في غَمَرَاتِ القصصِ , وتأملتُ عظيمَ العِبَرِ من سِيرِ الرُّسُلِ , ووقفَ بيَ الفِكرُ مُعظِّماً على سِيرةِ إسماعيلَ , ذلكَ الغُلامِ الحَليمِ , وابنِ الخليلِ الكريمِ , ومَن شَرُفَت بهِ سُلالةُ العربِ العاربةِ من العربِ المُستعرِبةِ , وورثتْ منهُ الفضلَ والنسبَ.

فقلتُ : زدني يا شيخي من هذا الحديثِ , فلقد ألهبتَ في قلبي جَذوةَ التأثيثِ , فقال: اعلمْ أنَّ الخليلَ إبراهيمَ -عليهِ صلواتُ ربِّ العالمينَ- لمَّا نَجَّاهُ اللهُ من نارِ الجَحيمِ التي أوقدَها لهُ قومُهُ , وغادَرَ دِيارَهُم واستَدبَرَ مرحلةً من حياتِهِ , سَألَ ربَّهُ سُؤلاً حَسَناً فقال : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) , فجاءتهُ البِشارةُ بغُلامٍ حَليمٍ , وهوَ إسماعيلُ البِكْرُ , أولُ أولادِهِ المَذكُورِ , وهوَ ذلكمُ الذِّبحُ الذي أُشيرَ إليهِ في المَنامِ , فصدَّقَ الوالدُ الرُّؤيا والولدُ أَسلَمَ للهِ الأمرَ , إذ قالَ : ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) , فكانتْ تلكَ الخُلَّةُ الخالصةُ التي تَنَزَّهَت عن شَوائبِ المُشاركةِ , وفَداهُ ربُّنا بذِبحٍ عظيمٍ , ثمَّ أطرقَ مُتفكِّراً وقال : وتأملْ يا حارثُ , كيفَ كانَ الفَضْلُ مُترادِفاً ومُتوارِثاً , حتَّى جاءَ سَيِّدُ المُرسَلِينَ , نبيُّنا مُحمَّدٌ , من صُلبِهِ المُطهَّرِ, ولقد نَظَمتْ شِعرَ العبَّاسِ -رضيَ اللهُ عنهُ- مُعظِّماً هذا الأَصلَ النَّبيلَ , إذ قالَ في مدحِ المُختارِ: (( وورِدتَ نارَ الخَليلِ مُكتَتِماً في صُلبِهِ أنتَ , كيفَ يَحتَرِقُ؟ )) , فتبصَّرْ كيفَ كانَ وجودُهُ الشَّريفُ في صُلبِ أبيهِ الخليلِ سبباً في النَّجاةِ , وكيفَ كانَ هذا النَّسلُ نَسلاً مَباركاً في الحياةِ والمَماتِ .

ثمَّ أومأَ بيدِهِ يُشيرُ إلى البيتِ العتيقِ فقال: وانظُرْ إلى أُمِّهِ هاجَرَ , كيفَ قادَها قضاءُ اللهِ ووليدُها إسماعيلُ إلى وادٍ غيرِ ذي زرعٍ , وكيفَ أَسْلَمَت أمرَها لأمرِ اللهِ , فَرَحِمَها ربُّها وفجَّرَ لها زَمْزَمَ , فغَدَتْ مَأوى لِجُرْهُمَ , ومَنزلاً يُبتَنى فيهِ بيتُ اللهِ الحرامِ على يَدِ الغُلامِ وأَبيهِ , وتلكَ مَنقبةٌ لا تُبارَى , وفضيلةٌ لا تُحاكَى , ثمَّ قالَ: واعلمْ أنَّ إسماعيلَ هذا هو الذي نشأَ في الباديةِ , وتعلَّمَ العربيَّةَ من جُرْهُمَ , وكانَ رامياً بالقوسِ على سَنَنِ أهلِها , ثُمَّ كانَ عموداً لِنَسَبِ العربِ القيداريِّينَ والنبَطِ والعدنانيِّينَ , وانظرْ إلى صدقِهِ ووَفائِهِ , وقد وَصَفَهُ ربُّنا بقولِهِ : ( إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) , وبقولِهِ : ( كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ,فقلتُ وقد مَلَأَني العجبُ: يا أبا زيدٍ , كأنَّكَ نَظمتَ لي قصيدةً منثورةً , وشرحتَ سِيراً طاهرةً مبرورةً , أيُّ فضلٍ أعظمُ من أن يكونَ المرءُ ذبيحاً فادياً , وسلالةً نَجيبةً في الأنامِ هادياً .

ثمَّ التفتَ إليَّ أبو زيدٍ وهوَ يُحلِّقُ بنظرِهِ بعيداً وقال : وإيّاكَ أن تنسى يا حارثُ مَكرَ أهلِ الكتابِ وغِلَّهُمُ الدَّفينَ , فقد رامُوا تحريفَ المَقاصِدِ وزَيغَ المَنطِقِ المُبينِ , فزعموا - زوراً وبُهتاناً - أنَّ إسحاقَ هو الذَّبيحُ , وأنَّ إسماعيلَ ليسَ بذلكَ الصَّريحِ , وما ذاكَ إلا لأنَّ إسحاقَ أبوهم وإسماعيلَ أبُو العربِ , فساقَهُم الحَسَدُ إلى هذا العَجَبِ , ولكنْ كتابُ اللهِ يُنادي , والعقلُ السَّليمُ يهدي , فكيفَ يُؤمَرُ بذبحِ صبيٍّ وربُّنا قد بَشَّرَ أنَّ ( وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) , فكيفَ يعقبُ مَن قُدِّرَ لهُ الذَّبحُ وهوَ صغيرٌ , سبحانَ اللطيفِ الخبيرِ , ولقد وُصِفَ إسماعيلُ بالحِلمِ لِأجلِ هذا الابتلاءِ العظيمِ , إذ الحِلمُ هو العقلُ والرَّزانةُ والصَّبرُ على الأمرِ الوخيمِ , فتلكَ آيةٌ جَلِيَّةٌ , وحجَّةٌ إلهيَّةٌ تُبْطِلُ دعوى التَّحريفِ وتُعلي قَدرَ الغُلامِ الحَليمِ.

ثمَّ استرسلَ مُتعجِّباً من حكمةِ الابتلاءِ فقال : واعجَبْ من أمرِ الابتلاءِ الذي كانَ سَبَبَهُ الحبُّ , فإبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- لمَّا وَهَبَهُ اللهُ البِكرَ بعدَ طولِ الانتظارِ, تعلَّقتْ شُعبةٌ من قلبِهِ بمَحبَّتِهِ , واللهُ قد اتَّخَذَهُ خَليلاً , والخُلَّةُ لا تقبلُ شريكاً ولا مُماثِلاً , فأتاهُ الأمرُ في المَنامِ بذبحِ هذا الابنِ الحَبيبِ ليَستخلِصَ اللهُ قلبَ الخليلِ لِوَحدانيَّةِ مَحبَّتِهِ , فكانَ المرادُ ذبحَ شَغَفِ القلبِ لا ذبحَ جَسَدِ الولدِ , ولهذا لم يقَعِ الذَّبحُ , وكانَ الفِداءُ بالذِّبحِ العظيمِ , ليَعلَمَ إبراهيمُ أنَّ مَحبَّةَ اللهِ أعظمُ وأولى بالصَّميمِ , وهل أدَلُّ على كَمالِ هذا الغُلامِ النَّجيبِ من أنَّ اسْمَهُ (( إسماعيلَ )) معناهُ بالسُّريانيَّةِ (( مُطيعُ اللهِ )) , فكأنَّ الاسمَ شاهِدٌ على ما كانَ من طاعةٍ في أرضِ المِحنَةِ وبَذلٍ للنَّفسِ في سَبيلِ الوُدِّ والقُربَةِ .

. فقال لي مُودِّعاً: حَفِظَكَ اللهُ يا حارثُ , وعلَّمَكَ ما أنتَ لهُ وارثُ , واجعلْ لِسانَكَ رَطْباً بذكرِ إسماعيلَ , فهو منبعُ الجُودِ والأصالةِ والمكارمِ الجِسامِ , ثمَّ ولَّى وهوَ يُتمتمُ: (( اللهمَّ باركْ لهمْ في اللحمِ والماءِ , إنَّها بركةُ دعوةِ إبراهيمَ الأبيِّ , وشرفُ نَسْلِ إسماعيلَ النَّبيِّ )) .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة جشع الورثة وسوء خاتمة التركة.
- مقامة الخلجات .
- مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .
- مقامة رحى الخزاف .
- مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ ...
- مقامة أبانا .
- مقامة العبر .
- مقامة تجليات قلق الورّاق .
- مقامة ام الكعك .
- مقامة غنائية .
- مقامة الرجاء الشطرنجية : في وصفِ لعبةِ التَّشظّي .
- مَقَامَةُ لَبَنِ العُصْفُورِ.
- مقامة الأنتخابات .
- مقامة لمحات من ذلك الزمان : أحداث ورجاء .
- مقامة الخبب : في رحلة العمر والأدب .
- مقامة القيمر الأسمر.
- مقامة الفلْس الدّوّانِقِي : نوادر البخلاء ومآثرهم .
- مقامةُ الأفندي تحسين في بَتانِ بغدادَ وبَطِّها .
- الغطرسة : الداء والجلاء .
- مقامة العبارة الضيقة : ما أوسع رؤيتها ؟


المزيد.....




- لوحة ذاتية للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو تُباع بأكثر من 50 م ...
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- الذكرى الـ11 لرحيل الفنانة اللبنانية صباح..قصص من وراء الكوا ...
- مهرجان المقالح الشعري يضيء -غبش- صنعاء غدا
- الكويت تجذب السياحة الثقافية وتسعى لإدراج جزيرة فيلكا تراثا ...
- قناطر: لا أحبُّ الغناء العراقي .. لكن
- القضاء المصري يحكم بعرض فيلم -الملحد-
- النسيان على الشاشة.. كيف صوّرت السينما مرض ألزهايمر؟
- وفاة فنان عراقي في أستراليا


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .