أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .














المزيد.....

مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 16:42
المحور: الادب والفن
    


التراث الغنائي العراقي كان وما زال غنياً بمفرداته ومعانيه الشعبية وخصوصية التغني به , فهو غناء لا يشبهه غناء في كل الدنيا , تجسدت فيه طيبة العراقيين ورقتهم ورهافة حسهم , فعملوا على صيانته وحفظه من الضياع على مر العصور , وما أكثر المطربين العراقيين الذين تأثروا بالفرح والحزن في غنائهم , سواء أكان هذا الغناء من جنوب العراق أم من شماله الذي تميز بالتنوع , وما زال هذا الفن منتشراً ما بين دجلة والفرات , ولقد اجتهد فنانو الطرب لينقلوا إنتاجهم الرائع إلى العالم , متنوعاً بين مقامات وأبوذيات ونايل وعتابة وبستات وموشحات وغير ذلك.

مطربو الريف , الصادقون مع ما يقولونه , يندمجون كلياً مع الغناء , وعندما يدخلون في طيات أغانيهم المثقلة بالحزن والشجن , يتفاعلون مع لوعة ما يقولونه والطرب المسكر, فتنطلق في أفواههم عبارات من خارج أشعارهم , علّها تشفي الغليل الواجد , كانت العبارة الشهيرة التي نسمعها: (( حميد يا مصايب الله )) , ثم اشتُقَّت منها الأغنية الشهيرة (( حميد )) , التي اشتهرت على ألسنة الكثير من المطربين حتى صارت حديث الناس , لتعبر عن صرخة حزن شعبية تجسد فاجعة , تُستخدم كلماتها للتعبير عن الحزن والأسى في مناطق الأهوار بالعراق , لا توجد كلمات محددة موحدة لهذه الأغنية , بل هي صرخة متكررة تُستحضر في لحظات الحزن , لتتكرر الصرخة في نهاية الأغنية: (( حميد يا مصايب الله )) , من أمثلة مايقال في هذه الأغنية: (( أرد اشتكي لأهل الهوى حالتي , واحجيلهم بما جرت قصتي , ولفي هجرني بلا سبب وهو السلب راحتي , سلوني بعيد الدرب حكهم لكوا غيري اونسوني يا كلبي بيمن بعد إتأمن يخايب يا كلبي , من بعد هجره ضاك مني الصدر, آني التنيته وكت العصر, سلمت لكن رد سلامه بزجر , كلي شلك عندي كتله أعتذر, كالي إبتعد عني او فك ياختي حميد يا مصايب الله , كتله حبيبي آنه لك وانت لي ,كلي إبتعد ليشوفنه عاذلي , يروح من وكته ويخبر هلي , هم تنحرم من شوفتي وهم تبتلي , وما توصل الحارتي حميد يا مصايب الله... إلخ )) .

وفي الموروث الشعبي , إن صيادي السمك في الأهوار الكثيفة بقصب البردي يقضون معظم نهارهم في زوارق الصيد (المشاحيف) , وهم يتخذون من الغناء ترويحاً للنفس وقتلاً للملل وتعبيراً فطرياً عن المعاناة , وكان الصياد ( احميد) يغني بين قصب الأهوار كعادته , وكانت هناك فتاة تصغي إليه بدهشة وإعجاب دون أن تراه ويراها , فأطالت مكوثها على ساحل الهور بحجة اغتراف الماء , كان الصوت قد سحرها وهيمن على مشاعرها , وتمتمت مع نفسها أن تعرف صاحب هذا الصوت الشجي الذي سيطر على أحاسيسها ودغدغ مواطنها بأصابع النغم الملتهبة , وتحققت أمنيتها عندما سمعت أحد الصيادين ينادي على ( احميد ) باسمه ويطلب منه إعادة غناء مقطع من أغنية , فشعرت بشيء من السعادة , وكأن تظاهرة من الفرح راحت تطوف في أروقة قلبها الأخضر, تحول إعجابها بصوت احميد إلى حب عنيف , وظلت تتردد على الأهوار كل يوم لكي تستمع بشدو هذا الطائر الغريد الذي تربع على عرش قلبها , وكم حاولت أن تنادي عليه لتسرق من عمر الزمن ساعة حوار معه وتشرح له الشوق الذي تملكها , إلا أن التمسك بالشرف والتقاليد السائدة حينذاك التي قيّدت مثل هذه العواطف الإنسانية , والحياء المترسب في أعماقها , كل هذه العوامل حالت دون ذلك وخنقت صوتها الذي حاول أن ينطلق بالنداء.

وفي هذا الإطار , وفي مجتمع شبه بدائي تتحكم فيه التقاليد العشائرية والدينية والأعراف الثقيلة التي لم تترك أي هامش للحريات الشخصية , وفي مقدمتها الحب الذي يعتبر فسقاً وبدعة وخروجاً عن المألوف والمتعارف عليه , حيث تسير ميكانيكية المجتمع على الأغلب بروح وتقاليد الأسلاف في إطار منظومة الإقطاع والعشيرة , ولدت وترعرعت وتعذبت وكبرت مع همومها هذه الأم التي أجبروها على زواج من لاتحب , والتي كانت شابة جميلة مرحة تعشق الشعر والغناء ولا تكف عن ترديدهما , فهي عاشقة جُبلت روحها على العشق وتشرب طبعها بالهوى , عاشت بصمت كبير قصة حب كبيرة استمرت لسنوات أجهضها أهلها بعد رفض من تحب , على الرغم من أنه خطبها مراراً دون الاستجابة لطلبه , وبعد أن قَامَرَت بكل ما تملك وأحرقت جميع سفنها ودخلت في اختبار بالغ الصعوبة بين مداري العشق والأمومة , وبعد أن اختارت الذهاب بعيداً مع العشق واتباع نداء القلب , قال الكثيرون عن خيارها هذا أنها كانت في حالة تشبه حالات غياب الوعي واستقالة العقل بشكل نهائي والوقوع تحت مس جنون الحب , إلا أنه بعد أن سكتت نداءات جسدها , وهرب من باعت من أجله كل دنياها , راحت تولول وتصرخ دون حرج أو تردد من المضيف أو أهل القرية , كانت تصرخ كالمجنونة : (( حميّد, يا جباشتك نزَّلت حيلي )) رمت بنفسها في الماء وهي تولول , دون أن تنتظر من يُقلها, وحدها راحت تخوض الماء مجنونة دون ذرة من عقل تسرب .

(( يفز مثل الكطة كلبي من شفاك
الك يل جان مشروبي من شفاك
عسى كلمن كطع شفتي من شفاك
بسكم لا للحياة ولا للمنية , حميد ياحميد يا مصايب الله )) .

صباح الزهيري.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة رحى الخزاف .
- مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ ...
- مقامة أبانا .
- مقامة العبر .
- مقامة تجليات قلق الورّاق .
- مقامة ام الكعك .
- مقامة غنائية .
- مقامة الرجاء الشطرنجية : في وصفِ لعبةِ التَّشظّي .
- مَقَامَةُ لَبَنِ العُصْفُورِ.
- مقامة الأنتخابات .
- مقامة لمحات من ذلك الزمان : أحداث ورجاء .
- مقامة الخبب : في رحلة العمر والأدب .
- مقامة القيمر الأسمر.
- مقامة الفلْس الدّوّانِقِي : نوادر البخلاء ومآثرهم .
- مقامةُ الأفندي تحسين في بَتانِ بغدادَ وبَطِّها .
- الغطرسة : الداء والجلاء .
- مقامة العبارة الضيقة : ما أوسع رؤيتها ؟
- مَقَامَةُ الْأَحْفَادِ وَمَتَاعِبِ الْأَجْدَادِ .
- مقامة شذرات من السيرة الذاتية .
- مقامة نجاة الصغيرة : ( الضوء المسموع ) , وهمسٌ يغوص في أعماق ...


المزيد.....




- بهجت رزق: لابد من تسوية بين الثقافة والسياسة لتجنب الصراعات ...
- من -آنا كارينينا- إلى -الجريمة والعقاب-.. الأدب الروسي يفتح ...
- من صدمة الحرب إلى شاشة السينما... بوسنيان سويسريان يرويان قص ...
- فيديو -المسلح والخط الأصفر- بغزة.. مسرحية دعائية أم ذريعة لا ...
- -ترانزيشن- تفتح ملف السودان: أصوات من قلب الكارثة المنسية
- لجنة مصر للأفلام: هل تضع التسهيلات الجديدة مصر على خريطة الس ...
- مهرجان الدوحة السينمائي ينطلق بتكريم جمال سليمان ورسائل هند ...
- 200 شخصية سينمائية أجنبية تحضر فعاليات مهرجان فجر الدولي
- كتابة الذات وشعرية النثر في تجربة أمجد ناصر
- الكلمة بين الإنسان والآلة


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .