أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الحلم الطويل .














المزيد.....

مقامة الحلم الطويل .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


مقامة الحلم الطويل :

قال الراوي : كنتُ يوماً أهيمُ على وجهِ الوجود , أسألُ الأفق عن سرِّه , وأستنطقُ العتمةَ عن اسمِها , حتى انتهيتُ إلى مجلسٍ عامرٍ , تحتَ قناديلِ سماءٍ تزدحمُ بالنجومِ , وبينَ أساطينِ الأدباءِ والحكماءِ , وقد أخذتْ بهم سِيَرُ الأحلامِ ومتاهاتُ الأوهامِ , فأخذَ الكلامَ شيخٌ جليلٌ , تبدو على محياهِ أساريرُ التجاربِ , فقالَ متفكِّراً : أيها السادة , إنَّ الحلمَ مرآةٌ تحدِّقُ في وجهِ الزمنِ , ويرسمُ على زجاجِها ما لا يستطيعُ الفجرُ أنْ يبوحَ به , فأيُّ الأفقِ أنقى؟ ذلك الذي يلتقطُ عناقيدَ النجومِ , أم الذي يبتكرُ للعتمةِ اسماً حين تغادرُ الأسماءُ مفرداتِها ؟ فأومأَ إليهِ بعضُ الحضورِ, وقالَ أحدُهم : صدقتَ , إنَّ هذا المعنى يحاكي قولَ فيلسوفِ الألمانِ شوبنهور, الذي يرى أنَّ : (( الحلمَ مرضٌ عقليٌّ قصيرٌ يستغرقُ الليلَ , وأنَّ المرضَ العقليَّ حلمٌ طويلٌ يستغرقُ الليلَ والنهارَ )) .

فثارتْ حفيظةُ أحدِ الحاضرين , وهوَ طبيبٌ حاذقٌ , فقال : مهلاً أيها القوم , إنَّ المقولةَ استعارةٌ أدبيةٌ وليستْ حقيقةً علميةً , فالحلمُ في حدِّ ذاتِهِ ليسَ مرضاً عقليّاً , بل هوَ ظاهرةٌ طبيعيةٌ تحدثُ أثناءَ نومِ حركةِ العينِ السريعةِ , ومعَ ذلكَ , يمكنُ تفسيرُ المقولةِ بأنَّها تلخِّصُ أنَّ المرضَ العقليَّ يؤثرُ على حالةِ اليقظةِ والنومِ معاً , مما يشكِّلُ (( حلماً طويلاً )) يؤثرُ على حياةِ الفردِ بشكلٍ مستمرٍ , عندها , تقدَّمتْ أديبةٌ مرهفةُ الحسِّ , وقالتْ : لعلَّ هذهِ الأحلامَ , طويلةً كانتْ أم قصيرةً , هيَ شغفُنا الذي لا تحدُّهُ خرائطُ , ولا يوقفُهُ الغرقُ في محيطاتِ الوجدِ المرسومِ على الذاكرةِ , وصدقَتْ سوركول الجافُ إذ تقول: (( نبقى نطاردُ الحلمَ بقصصٍ ألوانُها متداخلةٌ بينَ الصدقِ والخيالِ , بألوانِ الطيفِ النازلِ على كتفِ الغروبِ , على أملِ الصحوِ في الشروقِ البديعِ , والوجدُ لا تحدُّهُ خرائطُ , ولا يوقفُهُ الغرقُ في محيطاتِ الشغفِ المرسومِ على الذاكرةِ )) .

ثمَّ تنفَّسَتْ بعمقٍ , وأضافتْ : وفي الحلمِ , ما كتبَهُ الصديقُ جواد غلوم إذ يقول : (( لا أدري كلما أسيرُ في الطريقِ الدائريِّ للحبِّ تدهسُني عربتُكَ الموشَّاةُ بالجمالِ , وحينما أصلُ إلى دوّارِ العشقِ , تومئُ لي لافتةٌ , تنبِّهُني قائلةً : أفضليةُ المرورِ لمنْ توجَّعَ حبّاً , ويستمرُّ الحلمُ , يمنعُنا ويُغرينا , حتى نصلَ إلى زقاقٍ ضيِّقٍ خانقٍ كُتِبَ في مدخلِهِ , يمنعُ المرورَ إلاَّ لعاشقٍ أنْهكَهُ النحولُ )) , فالتفتَ إليهم شابٌّ متوثِّبٌ , وقد لمعَتْ في عينيهِ بريقُ الأملِ , وقالَ بحماسٍ: إياكَ أنْ تعتقدَ أنَّ العالمَ ضدَّكَ وأنَّكَ ولدتَ مع سحابةٍ رماديةٍ فوقَ رأسِكَ , لستَ بحاجةٍ أنْ تكونَ ضحيةً لجذورِ اليأسِ أو الافتراضِ بأنَّكَ تعاني خيبةَ الأملِ , فعلَّقَ أحدُ كبارِ السنِّ بحكمةٍ: يبدو جميعاً أنَّنا نفقِرُ ذواتِنا منْ حيثُ لا فقرَ, ونسقطُ أوراقَ جمالِ أنفسِنا منْ حيثُ لا ربيعَ يفصلُ بينَ بهجةِ الحياةِ وحزنِها.

فصاحَ الخطيبُ: أسألوا ماشئتم , أسألوا الذاهبينَ خلفَ كواليسِ الشعرِ وأساطينِ العشقِ , وأسالوا قيساً إنْ أحببتم أو جميلَ بثينةَ عنْ أيِّ قصيدةٍ يكتبُها المتمردونَ والصعاليكُ , وصولاً إلى آخرِ شاعرٍ أغوتْهُ ساحرةٌ في دفاترِ الجنونِ , فكلُّهم كانوا يطاردونَ الحلمَ , وأسألوا عن أيِّ فراديسَ كُتِبتْ في قراطيسِ المؤرِّخينَ أنذاكَ , حينَ كنَّا نطاردُ الحلمَ بقصصٍ ألوانُها متداخلةٌ بينَ الصدقِ والخيالِ , بألوانِ الطيفِ النازلِ على كتفِ الغروبِ , عندها , سادَ سكونٌ عميقٌ , فقالَ أحدُهم بأسى : إنَّ أخطرَ الأحلامِ هوَ ذاكَ الذي يمتدُّ عبرَ عصورٍ, حتى قيلَ : (( نامَ العربُ طويلاً وكأنَّهم في سباتٍ تاريخيٍّ )) , وهيَ عبارةٌ مجازيةٌ تُشيرُ إلى فترةٍ من الركودِ أو التخلفِ , مقارنةً بالإنجازاتِ العظيمةِ في عصورِهم الذهبيةِ.

فقالَ الشيخُ الجليلُ الذي بدأَ الحديثَ: (( يأخذُهُ الحلمُ الطويلُ إلى عوالمَ تجعلُهُ يحلِّقُ في مدىاتِ فرحٍ غامرٍ, ترفرفُ فيهِ فراشاتٌ ترتدي ألقَ الصباحِ , ليشعرَ حينَها أنَّهُ تجاوزَ حدودَ الدنيا , خارجَ منطقةِ الوعيِ بعيداً هناكَ , وتتطرَّزُ روحُهُ بأحلامِ الوردِ , فيقفزُ ويجلسُ على أرجوحةِ الأملِ )) , وعندما فزَّ الشيخُ منْ حلمِهِ في ذلكَ المجلسِ , كانَ صدى الصوتِ لا يزالُ يتردَّدُ على مسامعِهِ : (( أيُّها الواقفُ متردِّداً, اطرقِ البابَ يُفتَحْ , واسألْ تُعْطَ )) .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقامة الإسماعيلية في فضائل السلالة الخليلية .
- مقامة جشع الورثة وسوء خاتمة التركة.
- مقامة الخلجات .
- مقامة حميد يا مصايب الله : صرخة الهور والحب الضائع .
- مقامة رحى الخزاف .
- مَقَامَةُ حِفْظِ السِّرِّ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالْحِكْمَةِ ...
- مقامة أبانا .
- مقامة العبر .
- مقامة تجليات قلق الورّاق .
- مقامة ام الكعك .
- مقامة غنائية .
- مقامة الرجاء الشطرنجية : في وصفِ لعبةِ التَّشظّي .
- مَقَامَةُ لَبَنِ العُصْفُورِ.
- مقامة الأنتخابات .
- مقامة لمحات من ذلك الزمان : أحداث ورجاء .
- مقامة الخبب : في رحلة العمر والأدب .
- مقامة القيمر الأسمر.
- مقامة الفلْس الدّوّانِقِي : نوادر البخلاء ومآثرهم .
- مقامةُ الأفندي تحسين في بَتانِ بغدادَ وبَطِّها .
- الغطرسة : الداء والجلاء .


المزيد.....




- عمليات جراحية على نغمات الموسيقى: اكتشاف علمي يغير قواعد الت ...
- متاحف قطر تحصد جوائز مرموقة في النسخة الثالثة من جوائز قطر ل ...
- الألكسو تكرم ستيفاني دوجول عن ترجمة -حكاية جدار- وتختار -كتا ...
- تشييع الممثلة الراحلة -بيونة- إلى مثواها الأخير في مقبرة الع ...
- نساء غانا المنفيات إلى -مخيمات الساحرات-
- شاب من الأنبار يصارع التحديات لإحياء الثقافة والكتاب
- -الشامي- يرد على نوال الزغبي بعد تعليقها على أغانيه
- وثائقي -المنكوبون- التأملي.. سؤال الهروب من المكسيك أم عودة ...
- فيلم -صوت هند رجب-.. حكاية طفلة فلسطينية من غزة يعرض في صالا ...
- الأطفال في غزة يجدون السكينة في دروس الموسيقى


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الحلم الطويل .