أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة رسائل العجب .














المزيد.....

مقامة رسائل العجب .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 11:46
المحور: الادب والفن
    


مقامة رسائل العجب :

يبعث صاحبنا الثمانيني رسائل موجزة , آخرها مانشره اليوم : (( تعجبين من سقمي صحتي هي العجب )) , وهي من قصيدة : (( حامِلُ الهَوى تَعِبُ )) لأبي نواس , الذي يخاطب عشيقته ( جنان ) وهي تقريباً الوحيدة التي أخلص لها برغم أنه كان متقلب الهوى , ويقال إنها لم تكن تحبه كما أحبها , ربما لطيشه وخوفها من الغدر, لكن ذلك لم يستمر إذ استطاع أن يغويها بشعره لها , وتذكرنا رسالة صاحبنا بقول الشاعر المختار بن غالم : (( كَم مِن مَهيبٍ يوَاري خلفَ هيبتهِ قَلبًا تعيثُ بهِ الأحزانُ مَكسورًا , إن كاشفَ الناسَ لم يأمنْ شماتتهم وإن تكتّم عاشَ العمرَ مقهورا )) .

لايفصح صاحبنا عن حبه وشاغلة قلبه ومصدر سقمه , وتتعدد أسباب صعوبة الإفصاح عن الحب , وتشمل الخوف من الرفض أو الأذى , أو تجارب سابقة مؤلمة , وصعوبة التعبير عن المشاعر , والضغوط الاجتماعية والثقافية التي قد تجعل التعبير عن هذه المشاعر أمراً ممنوعاً أو غير مقبول , وعليه فهذا الذي تدهشنا نصوصه , ورسائله الموجزة فمّه خجول , إنّ الشعور بالحب شعور جميل جداً ولكنّه لا يحدث بين ليلة وضحاها , وإنّما عن طريق التقارب والتواصل مع شخص ما , فتتدفق وتندفع هذه العواطف بداخلهم , ولكنّهم قد يجدون صعوبة في التعبير والاعتراف بهذه المشاعر المكنونة للشخص الآخر, ولكن يجب عليهم التقدم بشجاعة وإعطاء هذا الحب فرصة , كي تتمكن أن تُسهّل الاعتراف بهذا الحب , وبشجاعة قيسُ بن الملوَّح عندما ‏سُئل : مَن أحقُّ بالخلافة , بنو أميّة أم بنو هاشم ؟ فكان رده : ((من للخلافة غير ليلى يحملُ إن القيادة للنساء الأجمل , خيرتني أي الخلافة أفصل وهل الخلافة لغير ليلى تنقل ؟)) .

أيقنت صباح اليوم بأني أعاني من ذلك الشاب الحيوي الخالد في أعماق النفس غير الآبه بمرور السنين وتقدم العمر, وكأنه يلبد في العشرين , فالذي يشيخ هو الجسد اما الروح فهي تتمرد على ذلك الجسد مع ان الجسد سلطته اقوى , ان اللحظة التي يهزنا فيها زلزال الحب لأول مرة هي اللحظة الأجمل في حياتنا , ونحب أن يتوقف الزمن عندها , لأنه يبدو من المستحيل أن تتكرر مثل هذه اللحظة بنفس الجمال , كقول الشاعر الشعبي : (( اشتاگيتلك وكت الفجر لاهو ليل وينسهر ولابيه أكمل نومتي )) , وتمضي بنا الحياة كخريف هادئ كل يوم تسقط منه ورقة , والجرح المغلق عصيّ على التّطهير.
قال الجاحظ : (( ولعمري إنّ العيون لتخطئ , وإنّ الحواسّ لتكذب , وما الحكم القاطع إلاّ للعقل )) , عندما تعلو الرّوح , محلّقة كغيمة وادعة تلامس زرقة النّقاء السّرمديّ , تتبدّد من أمام ناظريك كلّ تفاصيل الأرض الضّئيلة , لن تبصر حينها تلك العقبات الّتي عرقلت خطاك , ولا الشّظايا الّتي تناثرت لتجرحك , بل سيتكشّف لك وجه الكون في أبهى حلله , يغمر الجمال قلبك ويضيء دروبك ,ليتردد في خاطري (( آنه مصلوب ويه طولك.. عطش وسنينك ربيع )) .

تنجدل متعة صاحبنا الثمانيني بظفائر أخرى من البهجة , إذا لاح له حديثا عن معذبته التي تتعجب من سقمه , فيصيح بلسان الدرويش : (( من أين لك التّأمّل والتّاويلُ ؟ إن لم تعشق , ولم تتألمْ ؟ وكيف لي تحمّلُكٓ على مدى طول الطّريقْ ؟ )) , ففي ذات حديث , سقته دفئاً لم يكتمل , وتركت أضلعه للبرد , ثم نأتي إلى الحب , ذاك الكائن الذي يتسلل إلينا من خارج المنطق , ويعطّل فينا أدوات التحليل , هو الفوضى الوحيدة التي يتساوى فيها الأميّ والعالِم , لا عجزًا فيهم , بل لأن المنطق لا حاجة له هناك , وكما يقول ابو فراس الحمداني : (( إذا الليلُ أسدَلَ أستارَهُ تَشَرّبتُ ذِكراكَ كالسَلسَبيل , أنا لم أزل في دروبِ الهوى أسيرُ إليك وحِملي ثقيل )) .

قال أبو حيّان التّوحيدي : (( إذا كانت الحركة بشوق طبيعيّ لم تسكن البتّة )) , كثيراً ما التقينا صامتين يغوصُ كلّ منا في عين الآخر كاتماً استغاثته في أعماقه : ( النجدة ... أنني أغرق ( لكنّ الكلمات التي كتمناها لم تمت , ظلتْ تتنفس , وتنبض داخل أفواهنا ,
تتأرجح , وتقفز كالأرانب فوق أسناننا , كأنها تتوسّلنا أن نحوّلها إلى قبلات , وكما قال فرويد : (( الأحلام غالبا ما تكون أكثر عمقا عندما تبدو مجنونة )) , وقول ابن الرومي : ((حَمَّلتني ما لا أُطيقُ وإنما شاأنُ الكريم الحملُ لا التحميلُ )) .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .
- مقامة ساجدة الموسوي : رفيقة الحرف وسادنة الضاد .
- مقامة في انتظار الفتح : مُطارحةُ وِجْدان بين سالكٍ تائهٍ وسا ...
- مقامة غزال الرجاء .
- مقامة بلقيس .
- مقامة الوجع .
- المقامة الباراسايكولوجية في غرام الأرواح المُنقِيَة .
- مقامة الخشوف .
- مقامة الحروفية : عماد الدين النسيمي المسلوخ حياً .
- مقامة عفونة العقل : حين يموت العقل قبل الجسد .
- مقامة الفتوحات العالية .
- ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .
- مقامة ألأفاعيل .
- مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) .
- مقامة تقاسيم على ثرثرة المندلاوي الجميل .
- المقامة الباكسرومانية في جدل السلام والهيمنة.
- مقامة الأقصاء : من إفراد البعير المُعَبَّد إلى تفكيك المجتمع ...
- مقامة الميمر: عذوبة اللحن وغموض الأصل .
- مَقامَةُ عَلْوَةِ النَّجَفِيّ والوَفَاءِ الهَالِكِ .
- مقامة مأزق فارس الملل : اللومُ عادةُ مَن لا يُغامرون , فلسفة ...


المزيد.....




- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما
- نجم مسلسل -ذا واير- الممثل جيمس رانسون ينتحر عن عمر يناهز 46 ...
- انتحار الممثل جيمس رانسون في ظروف غامضة
- فيلم -القصص- يحصد التانيت الذهبي في ختام أيام قرطاج السينمائ ...
- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة رسائل العجب .