أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .














المزيد.....

مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:31
المحور: الادب والفن
    


مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .

عبارة (( حياء الجمل )) تعني في الثقافة العربية أن الشيء قد بلغ أقصى درجات الحياء أو الخجل , حيث يضرب المثل بالجمل في قوته وثقله , ووجود الحياء لديه يجعله في قمة الحياء , ويُستخدم للتعبير عن حياء المرأة الشديد , وبخاصة عندما يقترن بالجمال والوقار, مع التحذير من أن فقدان الحياء يقود إلى السقوط الأخلاقي , و(( حياء الجمل )) كناية عن الحياء المبالغ فيه والمُستغرب , حتى في الحيوان , وهذا ما يبرز ندرة الحياء في بعض الأحيان , يُربط حياء المرأة بجمالها ويزيد من جاذبيتها , ويُقال : (( يكاد حياء المرأة أن يكون أشد جاذبية من جمالها )) , والحياء هو زينة الإنسان وخط الدفاع الأخير ضد الفاحشة , وفقدانه يمثل تبلدًا للفطرة , ورد فعل ضد ثقافة (( خلع الحياء )) التي تنتشر عبر المنصات , حيث تُقلب القيم ويُستغرب الحياء ويُتَّهم الصامت بالتخلف, و باختصار , فأن (( حياء الجمل )) يرمز إلى أعلى مستويات العفة والخجل , ويُستخدم للتحذير من فقدان الفطرة الأخلاقية في مقابل انتشار الجرأة المفرطة.

حكمة الفطرة والغريزة : يُلاحظ أن الجمل عند التزاوج , يبتعد عن الأنظار ويطلب الستر والخصوصية , فإن شعر بوجود عين تراقبه , امتنع وتوقف ونكس رأسه إلى الأرض , فهل يعرف هذا الكائن العملاق قيمة الخصوصية والحياء ؟ والظاهرة لا تتوقف عند الجمل , فخلية النحل تقاتل حتى آخر فرد دفاعًا عن نظامها ومملكتها , فمن أين تعلمت الشجاعة والفداء؟ وأفراد النحل الشغالة , حين تموت الملكة دون وريث , يختارون يرقة ويحولونها إلى ملكة بالغذاء الملكي وينصبونها حاكمة , فمن أين استمدت هذا الدستور التنظيمي؟

كما نرى ظواهر الهندسة المذهلة في الطبيعة : الفقمة , تبني السدود ببراعة هندسية , وحشرات الترميت, تبني بيوتًا مكيفة الهواء , حيث تدخل الهواء البارد من ثقوب سفلية وتُخرج الهواء الساخن من ثقوب علوية , فمن علمها قوانين الحمل الهوائي المعقدة؟ والبعوضة تجعل لبيضها أكياس طفو تمنعه من الغرق في المستنقعات , فمن علمها قوانين الطفو؟ بل إن الحكمة تتجاوز الكائنات الحية المدركة , فنبات الصبار يختزن الماء في أوراقه اللحمية ليواجه جفاف الصحاري وشح المطر, والأشجار الصحراوية تجعل لبذورها أجنحة تطير بها أميالًا بعيدة بحثًا عن فرص مواتية للإنبات في بيئات أفضل , كما أن هناك كائنات تطبق الاستراتيجيات العسكرية المعقدة , كالحشرة قاذفة القنابل التي تصنع غازات حارقة وتطلقها على أعدائها للدفاع , والديدان التي تتلون بلون البيئة للتنكر والتخفي , والزنبورالذي يغرس إبرته في المركز العصبي للحشرة الضحية فيخدرها ويشل حركتها , ثم يحملها ويضع عليها بيضة واحدة لتجد اليرقة عند الفقس وجبة جاهزة وطازجة , فمن أين تعلم هذا الزنبور الجراحة وتشريح الجهاز العصبي؟ من أين جاءت كل هذه المخلوقات بعلمها وتنظيمها وسلوكها الغريزي؟

الفطرة الإنسانية والمسؤولية : إن الحياء ليس حكرًا على الإنسان , ولا الفضيلة نتاج العقل وحده , بل هما أثرٌ من آثار الفطرة السليمة التي أودعتها الطبيعة في المخلوقات قبل أن تُنظَّمها الأعراف والشرائع , فالجمل , هذا الكائن الذي تعلم الصبر من قسوة بيئته , حين تدفعه غريزته نحو رفيقته , لا يجعل من ذلك مشهدًا عامًا , بل يعتزل , ويبحث عن مكانٍ آمن , وكأن الغريزة لديه تعرف حدّها , وتفهم أن للقرب خصوصية يجب احترامها , أما الإنسان الذي كُرّم بأعلى مستويات الوعي والتعقل , فكان أولى أن يكون أشدّ صونًا وحياءً, غير أن هذا التكريم يتعرض في زمننا إلى تآكلٍ صامت حين فُصلت الحرية عن المسؤولية واختُزل الإنسان في صورة سطحية أو عدد إعجابات رقمي , لقد وثقت القصص الإنسانية على مر العصور قيمة حياء المرأة , كما في القصة التاريخية للمرأة التي ظهرت في قصة موسى (عندما ورد ماء مدين) , حيث سجلت الروايات حرصها على الحشمة وتجنب الاختلاط دون ضرورة , مما يؤكد أن قيمة الحياء هي قيمة جوهرية ومرغوبة في السلوك الاجتماعي الأنثوي.

لم يعد خلع الحياء في المنصات الاجتماعية فعلًا خفيًا , بل صار سلوكًا معلنًا يُزيَّن فيه الانكشاف وتُشوَّه فيه البساطة , حتى التبس التعبير بالابتذال , والتحرّر بالانكشاف المخزي , والأشدّ مرارة , أن هذا الانفلات لم يتوقف عند الإنسان , بل امتدّ إلى الحيوان , فجُرِّد من فطرته , وأُقحم في مشاهد مصطنعة لا تشبه طبيعته , فكان الاعتداء مزدوجًا على الحيوان في براءته , وعلى الإنسان في إنسانيته , إن محبة انتشار السلوكيات المُبتذلة في المجتمع له آثار مدمرة على النسيج الاجتماعي , فالقضية لم تعد خطأ فرديًا , بل هي ثقافة تُبَثّ , وذائقة تُعاد صياغتها , حتى يُستغرب الحياء , ويُتَّهَم الصامت بالتحفظ.

ختاما , ليست الصدمة فيما يُعرَض , بل فيما يُمحى من الداخل: الخجل , والوجل , والإحساس بالرقابة الذاتية , فحين يُنزَع الحياء علنًا , لا يسقط الفرد وحده , بل تسقط معه الذائقة , وتُصاب الفطرة بالتبلّد , المفارقة المؤلمة أن الحيوان يقف عند حده الذي تمليه عليه الغريزة , بينما الإنسان حين يخلع حياءه بيده لا يقف , تلك ليست حرية , بل تنازل طوعي عن الكرامة الإنسانية , وهي أخطر أشكال السقوط , أن يُصفّق الإنسان لانحداره , ويُسمّيه تقدمًا.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ساجدة الموسوي : رفيقة الحرف وسادنة الضاد .
- مقامة في انتظار الفتح : مُطارحةُ وِجْدان بين سالكٍ تائهٍ وسا ...
- مقامة غزال الرجاء .
- مقامة بلقيس .
- مقامة الوجع .
- المقامة الباراسايكولوجية في غرام الأرواح المُنقِيَة .
- مقامة الخشوف .
- مقامة الحروفية : عماد الدين النسيمي المسلوخ حياً .
- مقامة عفونة العقل : حين يموت العقل قبل الجسد .
- مقامة الفتوحات العالية .
- ألمقامة ألقَلَنْدريَّة : خمر وشمع وفراشة وبلبل ووردة .
- مقامة ألأفاعيل .
- مقامة (تأبط شراً / تأبط حباً) .
- مقامة تقاسيم على ثرثرة المندلاوي الجميل .
- المقامة الباكسرومانية في جدل السلام والهيمنة.
- مقامة الأقصاء : من إفراد البعير المُعَبَّد إلى تفكيك المجتمع ...
- مقامة الميمر: عذوبة اللحن وغموض الأصل .
- مَقامَةُ عَلْوَةِ النَّجَفِيّ والوَفَاءِ الهَالِكِ .
- مقامة مأزق فارس الملل : اللومُ عادةُ مَن لا يُغامرون , فلسفة ...
- مقامة تأجيل الصدمة .


المزيد.....




- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما
- 7مقاطع هايكو للفنان والكاتب (محمدعقدة) مصر


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة الجمل في زمن الانكشاف : سقوط الحياء .