صباح حزمي الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 15:09
المحور:
الادب والفن
نَشَرَتِ السِّتُّ رَنَا آلُ شَبِيب: (( مَاذَا لَوْ قُلْتُ لَكَ إِنَّ رَجُلَيْنِ , وُلِدَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا قَرْنٌ كَامِلٌ , عَاشَا الْحَيَاةَ نَفْسَهَا , وَمَاتَا بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا , لَيْسَ بِمَعْنًى رَمْزِيٍّ , بَلْ بِدِقَّةٍ مُخِيفَةٍ , أَقْرَبَ إِلَى مُعَادَلَةٍ رِيَاضِيَّةٍ , الْأَسْمَاءُ، التَّوَارِيخُ , طَرِيقَةُ الْمَوْتِ , كُلُّهَا مُتَطَابِقَةٌ , بَدَأَ الْأَمْرُ فِي أَرْوِقَةِ الْكُونْغِرِس , أَبْرَاهَام لِنْكُولْن انْتُخِبَ عَامَ 1846 , جُون إِف كِينِيدِي انْتُخِبَ بَعْدَهُ تَمَامًا بِمِئَةِ عَامٍ فِي 1946 , كِلَاهُمَا شَقَّ طَرِيقَهُ إِلَى الرِّئَاسَةِ , لِنْكُولْن فِي 1860, وَكِينِيدِي فِي 1960 , كِلَاهُمَا مَدْفُوعٌ بِفِكْرَةِ الْعَدَالَةِ , وَكِلَاهُمَا مُطَارَدٌ بِسُؤَالِ الْحُقُوقِ الْمَدَنِيَّةِ , أَمَّا الْمَصِيرُ؟ أَصْدَاءٌ مُتَطَابِقَةٌ , كِلَاهُمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ الرَّصَاصُ يَوْمَ جُمُعَةٍ , كِلَاهُمَا أُصِيبَ فِي الرَّأْسِ , سِكْرِتِيرُ لِنْكُولْن كَانَ اسْمُهُ كِينِيدِي , وَسِكْرِتِيرُ كِينِيدِي كَانَ اسْمُهُ لِنْكُولْن , كِلَاهُمَا اغْتِيلَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْجَنُوبِ , وَكِلَاهُمَا خَلَفَهُ رَئِيسٌ يَحْمِلُ اسْمَ جُونْسُون : أَنْدْرُو جُونْسُون, مَوْلُودُ 1808, وَلِينْدُون جُونْسُون , مَوْلُودُ 1908, لِنْكُولْن أُطْلِقَ عَلَيْهِ الرَّصَاصُ فِي مَسْرَحِ فُورْد , كِينِيدِي أُطْلِقَ عَلَيْهِ الرَّصَاصُ وَهُوَ فِي سَيَّارَةِ لِينْكُولْن مِنْ صُنْعِ فُورْد , ثُمَّ تَأْتِي الْمُفَارَقَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ تُرْعِبُ الْمُؤَرِّخِينَ حَتَّى الْيَوْمِ : قَبْلَ أُسْبُوعٍ مِنِ اغْتِيَالِهِ , كَانَ لِنْكُولْن فِي مُونْرُو بِوِلَايَةِ مَارِيلَانْد , وَقَبْلَ أُسْبُوعٍ مِنِ اغْتِيَالِهِ , كَانَ كِينِيدِي مَعَ مَارْلِين مُونْرُو, رَئِيسَانِ , قَرْنَانِ , مَأْسَاةٌ وَاحِدَةٌ , أُعِيدَ تَمْثِيلُهَا بِدِقَّةٍ كَوْنِيَّةٍ )) , فقلت لها أبشري , سنزيدُ في الوصفِ إسهاباً , ونفتحُ من بلاغةِ المقامةِ أبواباً , لنكشفَ عن أعماقِ هذهِ المفارقةِ بلسانٍ أفصح , وبيانٍ أوضح , فيه يحتدم الجدل بين خيال الشاعر ومنطق الناقد , ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه الأسطورة التاريخية , ولتكون رحلة ممتعة بين (( الصدفة )) و(( القدر)) , وبين (( الحقيقة )) و(( الخيال )) .
حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ هَمَّام قَالَ: بينما أنا في مَجْلِسٍ ذي شُجون , يجمعُ بَيْنَ الشَّكِ واليَقِين , إذْ بَرَزَ لَنَا شَيْخٌ مَهيبُ الطَّلْعَة , غريبُ الصَّنْعَة , فقال : (( يَا مَعْشَرَ النُّظَّار , هَلْ نَبَّأَكُم النَّبَأُ عَنِ الدَّوَّار؟ وهَلْ رَأَيْتُم كَيْفَ تَتَشَابَهُ الأَقْدَار؟ )) , فَقُلْنَا : هَاتِ مَا عِنْدَكَ يَا عَرِيف , فَقَدْ جِئْتَ بِأَمْرٍ طَرِيف , فَقَالَ: (( اسْمَعُوا قِصَّةَ مَلِكَيْنِ , بَيْنَهُمَا قَرْنٌ مِنَ البَيْن , كَأَنَّهُمَا وَجْهَانِ لِعُمْلَةٍ وَاحِدَة , أَوْ رُوحَانِ في مَأْسَاةٍ خَالِدَة, الأَوَّلُ لِنْكُولْنُ الجَسُور , وَالثَّانِي كِينِيدِي المَنْصُور, دَخَلَ الأَوَّلُ دَارَ الشُّورَى (الكونغرس) فِي عَامٍ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالأَلْف , وَتَبِعَهُ الثَّانِي بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ دُونَ خَلَفٍ وَلا خَلْف , ثُمَّ ارْتَقَيَا عَرْشَ الرِّئَاسَة , بِفَارِقِ قَرْنٍ مِنَ السِّيَاسَة , هَذَا فِي سِتِّينَ بَعْدَ ثَمَانِيَة , وَذَاكَ فِي سِتِّينَ بَعْدَ تِسْعَةٍ ثَانِيَة , كِلاهُمَا نَادَى بِالحُقُوق , وَكِلاهُمَا ذَاقَ طَعْمَ العُقُوق , قُتِلا فِي يَوْمِ جُمُعَة , وَأُطْفِئَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شَمْعَة , بِرَصَاصَةٍ فِي الرَّأْس , كَتَبَتْ خِتَامَ اليَأْس )) .
ثُمَّ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَقَالَ: (( وَالعَجَبُ لا يَنْقَضِي , فَمَا مَضَى كَمَا سَيَمْضِي , خَلَفَهُمَا رَئِيسَانِ مِن آلِ جُونْسُون , مَوالِيدُهُمَا بَيْنَهُمَا قَرْنٌ مَوْزُون (1808 و1908 , وَالقَاتِلانِ ؟ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً بِلا زِيَادَة , وَكِلاهُمَا قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَنَالَ شَهَادَة , هَذَا ضَرَبَ فِي مَسْرَحٍ وَلَجَأَ إِلى مَخْزَن , وَذَاكَ رَمَى مِنْ مَخْزَنٍ وَلَجَأَ إِلى مَسْرَحٍ لِيُسْجَن )) , فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ حَصِيف , فَقَالَ : (( رُوَيْدَكَ يَا هَذَا , لَقَدْ مَزَجْتَ التِّبْرَ بِالتُّرَاب , وَأَلْبَسْتَ الظَّنَّ ثَوْبَ الصَّوَاب, إِنَّ فِي قَوْلِكَ لَحَلاوَة , وَلَكِنَّ فِيهِ مِنَ الوَهْمِ غَشَاوَة , أَمَّا مَوْلِدُ القَاتِلِ (بُوث) فَلَيْسَ بِالقَرْنِ المَضْبُوط , وَأَمَّا (مُونْرُو) فَقِصَّةٌ فِيهَا مِنَ الخَيَالِ خُيُوط , فَلا لِنْكُولْنُ كَانَ فِي مَدِينَةٍ بِهَذَا الاسْم , وَلا كِينِيدِي كَانَ مَعَ الغَانِيَةِ قُبَيْلَ القَسْم , إِنَّمَا هِيَ صُدَفٌ تَرُوقُ لِلسَّامِعِين , وَيَضْبُطُهَا لَحْنُ القَصَصِ المَاهِرِين )) .
فَضَحِكَ الشَّيْخُ وَقَالَ: (( للهِ دَرُّكَ , إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُول : إِنَّ الزَّمَانَ دَائِرَةٌ تَجُول , وَأَنَّ الوجودَ ذَاكِرَةٌ لا تَزُول , سَوَاءٌ تَطَابَقَتِ التَّوَارِيخُ أَمْ خَانَتِ الأَرْقَام , فَالإِنْسَانُ يُعِيدُ نَفْسَ المَشَاهِدِ فِي زَحْمَةِ الأَيَّام , نَحْنُ نَدُورُ فِي فَلَكٍ وَاحِد , وَالحَقِيقَةُ وَجْهٌ لِغَائِبٍ وَحَاضِر)) , ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ : (( مَا الدَّهْرُ إِلا حَلْقَةٌ مَفْتُونَةٌ .. تُعِيدُ رَسْمَ الخَطْوِ كَالعُقُودِ , نَظُنُّ أَنَّا قَدْ مَضَيْنَا لِلأَمَامْ .. وَنَحْنُ رَهْنُ الأَمْسِ وَالعُهُودِ , فَالعَيْنُ تُبْصِرُ مَا تُرِيدُ رُؤَاهُ .. وَالسِّرُّ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالجُحُودِ )) .
قَالَ الحَارِثُ بنُ هَمَّام: فَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ بَرِيقَ الحَيْرَةِ في عُيُونِنَا , وَارْتِيابَ النُّفُوسِ فِيمَا جَاءَ بِهِ من فُنُونِنَا , اتَّكَأَ عَلَى عَصَاه , وَصَعَّدَ في السَّمَاءِ نَظَرَاه , ثُمَّ قَالَ : (( يَا قَوْمُ , لا تَنْظُرُوا إِلى الأَرْقَامِ بِعَيْنِ الحَاسِب , بَلْ انْظُرُوا إِلى نَسِيجِ الدَّهْرِ بِعَيْنِ المُرَاقِب , أَمَا تَرَوْنَ الكَوْنَ يُحِبُّ القَوَافي ؟ فَكَمَا يَتَشَابَهُ الشِّعْرُ في الأَطْرَافِ , تَتَشَابَهُ الأَيَّامُ في القُطُوفِ وَالدَّوَاني , لَقَدْ كَانَ لِنْكُولْنُ يَمْشِي في رِكَابِ الحُرِّيَّة , فَمَاتَ غِيْلَةً بِرَصَاصَةٍ غَدْرِيَّة , وَكَأَنَّ دَمَهُ كَانَ حِبْراً لِكِتَابِ التَّارِيخ , لِيُعِيدَ كِينِيدِي كِتَابَةَ السَّطْرِ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ مِنَ الصَّرِيخ , تَأَمَّلُوا في سِرِّ (فُورْد) , هُوَ اسْمٌ لِلمَسْرَحِ الَّذي احْتَوَى المَأْسَاةَ الأُولى , وَهُوَ اسْمُ (الصَّانِعِ) لِلمَرْكَبَةِ الَّتي حَمَلَتِ المَنِيَّةَ الثَّانِيَةَ في أَبْهَى جُلولَا , فَهَلْ كَانَ المَوْتُ يَتَخَيَّرُ مَارِكَةً لِلرَّحِيل؟ أَمْ أَنَّ القَدَرَ يَعْشَقُ جِنَاسَ اللَّفْظِ وَالتَّأْوِيل؟)) .
ثُمَّ انْظُرُوا إِلى (الخَلَفِ) وَكَيْفَ كَانَ لِلظِّلِّ نَظِير(أَنْدرو) وَ(لِيْنْدُون) , كِلاهُمَا (جُونْسُون ) , كَأَنَّمَا الزمَانُ قَدْ ضَاقَتْ خَزَائِنُ أَسْمَائِهِ , فَاسْتَعَارَ مِنَ المَاضِي نَقْشَ خَاتَمِهِ وَرِدَائِهِ, مِائَةُ عَامٍ بَيْنَ المَوْلِدَيْن , وَمِائَةُ عَامٍ بَيْنَ الصُّعُودَيْن , وَمَوتٌ وَاحِدٌ يَخْطَفُ الضِّيَاءَ مِنَ العَيْنَيْن , فَقُلْتُ لَهُ: يَا شَيْخُ , لَقَدْ مَلأْتَ عُقُولَنَا بِالهَواجِس , وَجَعَلْتَنَا نَخَافُ مِن تكرارِ المَجَالس , فَهَلْ نَحْنُ نَعِيشُ حَيَاةً جَدِيدَة , أَمْ نَحْنُ صَدَىً لِقِصَصٍ قَدِيمَةٍ مُعِيدَة ؟ فَتَبَسَّمَ الشَّيْخُ وَأَسْهَبَ قَائِلاً: (( يَا بُنَيَّ , إِنَّ التَّارِيخَ لا يُكَرِّرُ نَفْسَهُ كَالبَبَّغَاء , لَكِنَّهُ يَمْشِي عَلَى نَفْسِ الإِيقَاعِ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء , إِنَّنَا نَظُنُّ أَنَّنَا نَبْنِي صُرُوحاً لَمْ تُبْنَ , وَنَحْنُ إِنَّمَا نَرْمِمُ أَطْلالاً قَدْ بَلِيَتْ مِنَ الزَّمَن , تِلْكَ المَفَارِقَاتُ - وَإِنْ دَخَلَهَا زَيْفُ الوَاصِفِين , وَبَالَغَ فِي تَنْمِيقِهَا بَعْضُ الشَّارِحِين - هِيَ رَسَائِلُ الكَوْنِ الصَّامِتَة. تَقُولُ لَنَا : إِنَّ الأَرْوَاحَ الَّتي تَتَصَدَّى لِلقَضَايَا الكُبْرَى , سَتَلْقَى دَوْماً نَفْسَ الرِّيَاحِ الَّتي تَذْرُو الذِّكْرَى .
فَلا تَعْجَبْ إِذَا رَأَيْتَ (مُونْرُو) في القِصَّتَيْن , وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا اسْمَاً لِمَكَانٍ وَالأُخْرَى لِفَاتِنَةٍ بِغَمْزَةِ عَيْن , فَالعَقْلُ البَشَرِيُّ يَصِيدُ (التَّنَاظُر) كَمَا يَصِيدُ الشَّبَكُ السَّمَك , لِيَقْنَعَ أَنَّ لِلعَالَمِ نِظَاماً لا يَخْتَلُّ فِيهِ المَلَك , نَحْنُ نُريدُ أَنْ نُصَدِّقَ أَنَّ لِلمَوْتِ هَنْدَسَة , وَأَنَّ لِلصُّدْفَةِ مَدْرَسَة , كَيْ لا نَشْعُرَ أَنَّنَا في زِحَامِ العَبَثِ ضَائِعُون , وَفِي مَهَبِّ الرِّيحِ رَاقِصُون )) , ثُمَّ نَفَضَ ثَوْبَهُ وَقَام , وَتَرَكَنَا بَيْنَ السُّكُوتِ وَالكَلام , وَهُوَ يَهْمِسُ: (( كُلُّ مَا تَراهُ قَدْ كَان , وَكُلُّ مَا سَيَكُونُ قَدْ حَان , نَحْنُ نَسِيرُ في خُطَى مَنْ سَبَق , حَتَّى يَنْطَبِقَ الغَسَقُ عَلَى الشَّفَق )) .
قَالَ الحَارِثُ بنُ هَمَّام: فَلَمَّا طَابَ لِلشَّيْخِ المَقَال , وَاسْتَرْسَلَ في ذِكْرِ مِحَنِ الرِّجَال , بَرَزَ لَهُ مِنْ بَيْنِ الصُّفُوفِ شَابٌّ مُتَوَقِّدُ الذِّهْن , كَأَنَّ عَيْنَيْهِ مِيزَانُ نَقْدٍ وَفَنّ , فَقَالَ : يَا هَذَا , لَقَدْ سَحَرْتَ النَّاسَ بِسَجْعِكَ , وَأَضْلَلْتَهُم بِيَقِينِ قَوْلِكَ وَوَضْعِكَ , أَفَتَظُنُّ التَّارِيخَ ثَوْباً نُفَصِّلُهُ كَمَا نَشَاء؟ أَمْ هُوَ حَقِيقَةٌ لا تَقْبَلُ التَّزْوِيرَ وَالمِنَاء؟ فَالتَفَتَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ وَقَالَ : وَمَا الَّذي أَنْكَرْتَ يَا بْنَ أَخِي , وَأَنَا مَا جِئْتُ إِلا بِدُرٍّ سَخِيّ؟ فَقَالَ الشَّابُّ : بَلْ جِئْتَ بِدُرٍّ مَشُوبٍ بِمَدَر, اسْمَعْ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الخَبَر : زَعَمْتَ أَنَّ لِنْكُولْنَ كَانَ لَهُ سِكْرِتِيرٌ يُدْعَى (كِينِيدِي) , وَهَذَا لَعَمْرِي هُوَ الوَهْمُ السَّرْمَدِي , فَمَا عُرِفَ في دَوَاوِينِهِ إِلا (نِيكُولاي) وَ(هَاي) , فَأَيْنَ ذَهَبْتَ بِالعَقْلِ يَا هَذَا وَإِلى أَيّ؟ وَزَعَمْتَ أَنَّ (بُوثَ) القَاتِلَ وُلِدَ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ مِنْ مِيلادِ صَاحِبِهِ , وَالحَقُّ أَنَّ العَامَ يَخْتَلِفُ في كِتَابِهِ 1838 , وَأَمَّا قِصَّةُ (مُونْرُو) الغَانِيَة , فَهِيَ شَطْحَةٌ مِنَ الخَيَالِ دَانِيَة , إِذْ بَيْنَ رَحِيلِهَا وَمَقْتَلِ الرَّئِيسِ دُهُورٌ مِنَ الشُّهُور, فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ قُبَيْلَ النُّشُور؟ .
قَالَ الحَارِثُ: فَاضْطَرَبَ المَجْلِسُ , وَبَدَا كَأَنَّ سِحْرَ الشَّيْخِ يَنْعَكِس , لَكِنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَبْتَئِس , بَلْ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُه , وَقَالَ: يَا هَذَا , إِنَّمَا نَحْنُ فِي مَقَامِ (العِبْرَةِ) لا فِي دِيوَانِ (الحِسَاب) , إِنَّ التَّشَابُهَ إِذَا وَقَعَ فِي عُظْمِ الأُمُور, سَهَّلَ عَلَى النَّاسِ تَمْلِيحَهُ بِبَعْضِ القُشُور, أَلَمْ يَكُنْ (فُورد) مَسْرَحاً هُنَا وَمَرْكَبَةً هُنَاك؟ أَلَمْ يَكُنْ (جُونْسُون) خَلَفاً لِهَذَا وَذَاك؟ إِنَّ مِائَةَ سَنَةٍ بَيْنَ الانْتِخَابَيْنِ حَقِيقَةٌ لا تُمَارَى , وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً في أَسْمَاءِ القَتَلَةِ تَكْفِي ذوي البصائر , إِنَّ النَّاسَ يَا بُنَيَّ يَبْحَثُونَ عَنِ (النَّمَط) فِي الفَوْضَى , وَيُرِيدُونَ لِلأَحْدَاثِ أَنْ تَتَرَاضَى , فَإِذَا صَحَّتْ تِسْعَةٌ مِنَ العَشْرَة , أَغْمَضُوا العَيْنَ عَنِ الوَاحِدَةِ المُهْتَزَّة , لِيَحْفَظُوا لِلزَّمَانِ لُغْزَهُ وَعِزَّه , إِنَّ قِصَّةَ لِنْكُولْنُ وَكِينِيدِي لَيْسَتْ دَرْسَاً فِي التَّارِيخِ الجَاف , بَلْ هِيَ قَصِيدَةٌ كَوْنِيَّةٌ بَعِيدَةُ الأَكْنَاف , نَحْنُ نَصْنَعُ الأَسَاطِيرَ مِمَّا صَدَق , وَنُكَمِّلُ نَقْصَهَا بِمَا اتَّسَق , لِنَقُولَ لِلْمَوْتِ : (( إِنَّ لَكَ نِظَاماً مَكْنُوناً , وَلَسْتَ خَبْطَ عَشْوَاءَ مَجْنُوناً )) , ثُمَّ التَفَتَ الشَّيْخُ إِلَيْنَا وَقَالَ : فَخُذُوا مِنَ الحَقِيقَةِ مَا اسْتَقَام , وَخُذُوا مِنَ الخَيَالِ مَا طَابَ بِهِ المَنَام , فَإِنَّمَا الدُّنْيَا كُلُّهَا , أَضْغَاثُ أَحْلام , قَالَ الحَارِثُ بنُ هَمَّام: فَعَجِبْنَا مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّخَلُّص , وَمِنْ بَيَانِهِ الَّذي لا يَتَقَلَّص , وَعَلِمْنَا أَنَّ الصِّدْقَ وَالكَذِبَ فِي أَحَادِيثِ الزَّمَانِ جِيرَان , لا يَفْتَرِقَانِ إِلا بِتَمْحِيصِ البُرْهَان.
قَالَ الحَارِثُ بنُ هَمَّام : فَانْصَرَفَ الشَّيْخُ وَهُوَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا البَيْتِ , فَأَثْبَتُّ قَوْلَهُ فِي دِيوَانِي لِيَكُونَ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِين : (( تَشَابَهَتِ الخُطُوبُ فَكُلُّ آتٍ ... كَأَنَّ حَدِيثَهُ خَبَرٌ مَضَى )) .
صَبَاح الزُّهَيْرِي .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟