أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - أزمة الحوكمة في معايير الاعتماد الليبية: إشكالية الدمج بين صياغة المعايير وتطبيقها والرقابة عليها















المزيد.....

أزمة الحوكمة في معايير الاعتماد الليبية: إشكالية الدمج بين صياغة المعايير وتطبيقها والرقابة عليها


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:47
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


على الرغم من الجهود المكثفة التي يبذلها المركز الوطني لضمان جودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية في ليبيا منذ تأسيسه في عام 2006، إلا أن معايير الاعتماد بحاجة إلى إعادة نظر شاملة في هندستها وتطبيقها ومتابعتها. وهذا الأمر يستدعي "ثورة إجرائية" تفصل بين من يضع المعايير ومن يطبقها، وبين من يمنح الشهادات ومن يعتمدها، لضمان أن يكون الاستحقاق العلمي هو المعيار الأساسي بدلاً من الاعتماد على الرصيد الشخصي.
فعند مراجعة المعايير التي تم إصدارها منذ عام حتى 2016، نكتشف أن نفس اللجان وضعت معايير التعليم الأساسي والثانوي والجامعي، مما أفضى إلى "تعليب المعايير" واستخدام قوالب جامدة لا تراعي احتياجات مختلف الفئات التعليمية. فنجدهُم لا يُراعون اختلافات التلميذ في المرحلة الأساسية عن الباحث في مرحلة الدكتوراه، مما قد يحد من فاعلية تلك المعايير في تحقيق الجودة المطلوبة.
علاوة على ذلك، تفتقر المعايير المنشورة إلى الوضوح في كيفية إعدادها، إذ لا توجد منهجية توضح كيفية استنباط هذه المعايير أو ما إذا كانت قد شاركت فيها الميدان التربوي. ولا يتبين ما إذا كانت قد شملت آراء المعلمين، أولياء الأمور، أو جهات مهنية، أو جهات توظيف، كما لا تُظهر ما إذا كانت تعكس اقتباسات من تجارب خارجية.
لذلك، يصبح من الضروري التطرق إلى غياب الحوكمة في اختيار فرق إعداد المعايير، حيث تُختار هذه الفرق في كثير من الأحيان بناءً على العلاقات الشخصية. يمثل هذا الواقع ضعفًا جوهريًا، إذ قد يتم تفصيل المعيار أحيانًا ليناسب مؤسسات بعينها، مما يسهل إمكانية التحايل الأكاديمي. علاوة على ذلك، أثبتت الوقائع أن تطبيق الجودة والاعتماد يواجه تحديات تنظيمية كبرى، مثل عدم نشر تقارير التدقيق المفصلة للجمهور، على الرغم من وجود لوائح تنظيمية تلزم المركز بنشر هذه التقارير، مما يؤدي إلى إخفاء أثر الشفافية والنزاهة والحوكمة في منح الاعتمادات.
لذا، برزت ظاهرة في جل المؤسسات التعليمية تُعرف بـ "جودة الوثائق"، التي تعكس البعد الشكلي للجودة، بعيدًا عن الاهتمام بجودة الممارسة التعليمية الفعلية. حيث يؤدي التركيز على الوثائق بدلاً من الجودة الحقيقية إلى ضرورة إعادة النظر في المنهجيات المعتمدة، وتنفيذ معايير أكثر عمقًا وملاءمة للتعليم في ليبيا.
بالتالي، يتضح أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تغييرًا جذريًا في فلسفة العمل داخل المركز الوطني لضمان الجودة، من خلال التركيز على جودة العمليات التعليمية وليس فقط على جودة الوثائق. كما أن هذا التوجه سيسهم في تعزيز ثقافة الجودة الحقيقية التي تتعدى مجرد الحصول على اعتمادات، لتؤسس لعملية تعليمية فعلية تلامس احتياجات الطلبة والمجتمع بصفة عامة.
كما إن تراكم هذه الممارسات وهي "جودة الوثائق" خاصة خلال الفترة ما بعد 2015م، أدى تحول "المركز الوطني لضمان الجودة" في نظر الكثيرين إلى جهة "بيروقراطية" تركز على المستندات أكثر من انشغالها بالأثر التعليمي الفعلي.
نتيجة لهذه الممارسات، برزت ظاهرة جديدة في جل المؤسسات التعليمية الليبية، خاصة في السنوات الأخيرة (2015-2025)، حيث أصبحت هذه المؤسسات تتفنن في "صناعة الملفات". حيث تقوم كل مؤسسة أو برنامج بإعداد ملف يتضمن مجموعة من الوثائق التي يُطلب مراجعتها قبل إجراء عمليات التدقيق. ومع ذلك، يشكو الكثير من المؤسسات من أن فرق التدقيق تطرح أسئلة حول وثائق تم تقديمها مسبقًا، بدلاً من التركيز على فاعلية هذه الوثائق وتأثيرها على أرض الواقع.
يتضح من خلال هذه الممارسات أن التدقيق قد يكون تدقيقًا شكليًا، حيث تركز الفرق التابعة للمركز على وجود مستندات معينة، مثل محاضر الاجتماعات والخطط الدراسية، متجاهلةً أسئلة ملحة مثل: ما هو مستوى التحصيل للخريجين؟ هل المناهج محدثة بما يتماشى مع متطلبات العصر؟ هل يتمتع الطالب بمهارات التفكير النقدي؟ بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأسئلة النوعية المهمة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار لضمان فاعلية التعليم وجودته.
وهذا يعني ببساطة أن المركز الوطني نجح في تدريب المؤسسات التعليمية على "أرشفة الوثائق"، لكنه فشل في تعزيز "ثقافة الجودة." حيث انعكست هذه الممارسات على مفهوم الجودة حيث أصبحت تعني جودة الوثيقة اللازمة للحصول على اعتراف، بينما ما يحتاجه التعليم هو جودة العمليات للحصول على تعليم جيد وفعال.
بالتالي، تعاملت المؤسسات التعليمية مع الجودة كـ "واجب ثقيل" أو "تفتيش شرطي" يجب تجاوزه. بمجرد الحصول على الشهادة، تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقًا، مما يضعف جدوى الاعتماد كمؤشر حقيقي للجودة، ليصبح بمثابة "صك غفران" يمنح الإدارة شرعية البقاء، بينما تظل طرق التدريس وأساليب المناهج، مثل التلقين والحفظ وبيع مذكرات الأساتذة في الأكشاك، دون أي تغيير واضح أو تطوير.
إن معالجة هذه القضايا تُعد أمرًا ملحًا للوصول إلى نظام تعليمي فعّال، ويعزز من قدرة المؤسسات التعليمية على تقديم تعليم ذو جودة عالية يتماشى مع احتياجات المجتمع وسوق العمل. فمن الضروري أن تنعكس هذه الممارسات في قاعات المحاضرات، حيث إنه إذا لم تتغير "ممارسات" عضو هيئة التدريس و"تجربة" الطالب بعد الاعتماد، فإن الاعتماد يفقد قيمته الأكاديمية. وفي هذه الحالة، يصبح مجرد "هدر للمال العام" في زيارات ميدانية ومكافآت لخبراء التدقيق، دون أي أثر حقيقي على تحسين جودة التعليم.
لذا، يتعين علينا الانتقال نحو تقييم "الأداء الميداني" بدلاً من التركيز فقط على مراجعة الوثائق. من خلال الاعتماد على مؤشرات حقيقية مثل: نتائج الاختبارات الوطنية الموحدة، واستبانات أرباب العمل، ومعدلات توظيف الخريجين. كما أنه من الضروري أيضًا إلزام المركز بنشر تقارير الاعتماد بشكل دوري وشفاف، لضمان المساءلة وتعزيز الثقة في النظام التعليمي.
كما أنه من الضروري أن يكون المركز الوطني لضمان الجودة مستقلاً تمامًا عن وزارة التعليم العالي، كما اقترحت الجمعية الليبية للجودة والتميز في التعليم في عدة مناسبات. كما يعتبر تأسيس "مجلس وطني للمؤهلات" المستقل عن "مركز ضمان الجودة" أمرًا بالغ الأهمية، حيث يوضع في عاتق هذا المجلس مسؤولية وضع المعايير (التشريع)، بينما يتولى المركز مهمة مراقبة التنفيذ (الرقابة). بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يخضع المركز لمراجعة أدائه من قبل جهات وطنية ودولية وإقليمية مستقلة، لضمان تحقيق النزاهة والشفافية في عمليات الاعتماد والتقييم.
وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن صلاحية النموذج السابق، الذي كان فيه المركز هو "المصمم والمنفذ والمراقب"، قد انتهت. فنحن الآن بحاجة إلى نموذج حوكمة جديد يعالج مواطن الضعف التي ظهرت خلال العشرين سنة الماضية. كما ينبغي تغيير آليات التدقيق في المؤسسات التعليمية، بحيث تعتمد فرق التدقيق على الاختبارات العشوائية للطلبة، وحضور المحاضرات الفعلية، وتقييم الإنتاج البحثي الحقيقي، بدلاً من التركيز على مراجعة "الوثائق".
أخيرًا، تبرز الحاجة إلى توحيد مؤسسات الجودة والاعتماد وإلغاء الازدواجية الحاصلة منذ عام 2015، حيث يتواجد المركز الوطني لضمان الجودة في طرابلس، بينما توجد الهيئة الليبية لضمان جودة التعليم في أجدابيا. في وقت يتجه فيه العالم نحو "التوحيد المعياري" (-benchmark-ing) لتسهيل حركة الطلبة والاعتراف المتبادل، تواجه الجودة والاعتماد في ليبيا حالة من التفكك. إن استمرار هذه الحالة يعني أننا في "سوق للاعتمادات" وليس في نظام وطني متكامل للجودة والاعتماد، حيث تسعى كل جهة إلى تسهيل إجراءات الاعتماد لجذب أكبر عدد من الجامعات ضمن نطاقها الجغرافي، مما يؤدي إلى "تدني المعايير" بدلاً من رفعها.
فعند النظر إلى عدد الجامعات الخاصة المعتمدة حاليًا، نجد أن الرقم قد يصل إلى مائة جامعة، حيث لم تعد أي مدينة ليبية تخلو من الجامعات الخاصة أو فروعها. هذا الانقسام يهدد الاعتراف الدولي بمخرجات الجامعات الليبية، خاصة في سياق المنظمات مثل WFME، التي لا تعترف بالمؤسسات المنقسمة أو المتنازعة، مما يعيق مستقبل الخريجين الليبيين في الحصول على اعتراف بشهاداتهم دوليًا.
ومن هنا، يبرز الحاجة إلى إصدار قرار سيادي بتأسيس هيئة وطنية للجودة والاعتماد موحدة ومستقلة، بعيدًا عن تجاذبات الحكومات. كما إن كل ذلك يقودنا إلى القول بضرورة عدم إمكانية تحقيق جودة تعليمية في بلد يُقاد فيه التعليم من رؤوس متعددة.
إن إنقاذ التعليم في ليبيا يبدأ بـ تحرير الجودة من السياسة، وفصل المعايير عن شخوصها، وتوحيد المرجعية الوطنية. وبدون تدخل جاد من المسؤولين، وخاصة السلطة التشريعية، ستبقى الجودة والاعتماد مجرد "حبر على ورق" يُستخدم لتزيين مكاتب المؤسسات التعليمية، بينما يظل واقع القاعات الدراسية مريرًا.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل الفساد الليبرالية: كيف يفهم الجنوب التحول القيمي والاس ...
- لماذا لا تزال الجامعات العربية نصف جامعات
- إعادة التفكير في شكل ومضمون الإنتاج السوسيولوجي في ظل التحول ...
- لماذا نستمر في الكتابة في علم الاجتماع؟
- المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي
- تعطيل النظام الاخلاقي الغربي في حرب غزة
- بين الجبال والمواقف: رحلة حياة جدتي البطولية
- الدكتورة ناديا حياصات……كما عرفتها
- جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء ال ...
- الكتابة العلمية : ممارسة فكرية حيوية تنبض بالحياة
- ثمن العلم... إلى أين؟
- الأخلاقيات في البحث العلمي والحياة الاجتماعية : ممارسة فعلية ...
- مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة
- الحياة اليومية في المجتمع الليبي 1987- 1989 : قراءة نقدية لم ...


المزيد.....




- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...
- خبير عسكري: إسرائيل تعيق قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح ...
- لماذا توصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بأنها الأكثر تعقيدا؟ ...
- الحب وترامب والغرب و3 ملايين سؤال.. عرض لوقائع وكواليس مؤتمر ...
- ساحل جزيرة هرمز الإيرانية يتحول إلى اللون القرمزي الداكن.. ش ...
- -من فوق جبل قاسيون-.. من هم القادة الذين شكرهم أحمد الشرع بع ...
- رئيس الوزراء المصري في بيروت.. القاهرة تدين الانتهاكات الإسر ...


المزيد.....

- أساليب التعليم والتربية الحديثة / حسن صالح الشنكالي
- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - أزمة الحوكمة في معايير الاعتماد الليبية: إشكالية الدمج بين صياغة المعايير وتطبيقها والرقابة عليها