أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي















المزيد.....

المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 22:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في هذه المقالة، أود الحديث عن مقالات علم الاجتماع الشعبية. وقد دفعني إلى ذلك أحد الأصدقاء الذي أشار إلى ملاحظات حول مقال يتضمن كلمات ينبغي الابتعاد عنها في الكتابات الأكاديمية. أوضحت له أن طبيعة هذه المقالات شعبية، موجهة للجمهور العام وليس للمتخصصين، وبالتالي يمكن أن تتضمن بعض الجمل والكلمات لجذب الانتباه. هناك الكثير من الباحثين الذين ينتجون مجلدات وأبحاثًا عميقة في علم الاجتماع، لكنها تصل إلى دائرة ضيقة من الأكاديميين. وتظل هذه المعرفة مغلقة، تدور في قاعات المؤتمرات أو المجلات المحكمة، ولا تغير الواقع الاجتماعي أو تؤثر في وعي الناس، بل تبقى حبيسة النخبة. وهذا الأمر يجعل الفضاء العام فارغًا أمام خطابات أخرى قد تتسم بالسطحية أو الدعائية أو الترفيهية، مما يملأ العقول بمحتويات التفاهة.
بالتالي، تبرز الحاجة إلى تحرير علم الاجتماع من أسواره وتحريره من برجه العاجي، وجعله جزءًا من النقاش العام. إذن نحن بحاجة إلى الكتابة من داخل الفضاء العام الذي ترك أكاديميًا فارغًا، لإعادة تعريف علم الاجتماع كصوت نقدي وواعي. من ثم تبرز أهمية المقال السوسيولوجي الشعبي في وصوله بسرعة إلى الناس وتأثيره في الوعي العام. كي يُحفّز النقاش الاجتماعي حول قضايا مهمة مثل الحرية والسلطة والتحولات الرقمية.
علاوة على ذلك، يُبسط المقالات ذات المفاهيم المعقدة بلغة بسيطة، دون أن يفرغها من معناها العلمي، وتساهم في بناء رأي عام نقدي يستند إلى فهم اجتماعي وليس إلى عواطف أو دعاية.
ومع ذلك، فإن من يحسن التأمل ويدقق النظر يستطيع أن يدرك بسهولة أنه في زمن تهيمن فيه وسائل التواصل الاجتماعي على الوعي العام، أصبح الباحث في الاجتماع أمام خيارين: إما أن يظل في الجامعة ويكتب بلغة لا تُقرأ، أو أن يخرج إلى الناس بلغة علمية بسيطة لكنها مؤثرة. الخيار الأول لا يزال موجودًا، حيث يواصل العديد من أساتذة وباحثي علم الاجتماع العمل ضمنه. أما الخيار الثاني، فهو طريق صعب لكنه الأكثر فاعلية وتأثيرًا في المستقبل، ويعكس وعيًا فكريًا عميقًا بطبيعة علم الاجتماع الشعبي وأهدافه.

هذا يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب من الباحثين إعادة التفكير في طرق تفاعلهم مع الجمهور وكيفية تقديم المعرفة بشكل يتناسب مع احتياجات العصر الحديث.
هذا الأمر يدفعنا للحديث عن ماهية علم الاجتماع الشعبي. يمكن تبسيط المفهوم بأنه اتجاه يسعى إلى إخراج لتفكير السوسيولوجي من جدران الجامعة إلى الفضاء العام. أي أن الباحث في علم الاجتماع لا يخاطب الأكاديميين فقط، بل يتحدث مع الناس عن الظواهر الاجتماعية التي يعيشونها يوميًا — بلغة يمكن فهمها والتفاعل معها بسهولة وبساطة.
من أبرز من تحدث عن هذا التوجه هو عالم الاجتماع الأمريكي مايكل بوراوي الذي دعا إلى أن يكون علم الاجتماع "علمًا من أجل المجتمع، لا فقط عن المجتمع". يعني ذلك تبسيط المفاهيم الكبرى بلغة يفهمها الناس، دون أن تفقد عمقها النظري. وهو ما يُسمى اليوم — السرد السوسيولوجي — هو تحويل النظرية الاجتماعية إلى حكاية اجتماعية مفهومة، لكنها عميقة ومثيرة للتفكير.
وفي سياق حديثنا عن علم الاجتماع الشعبي، تبرز عدد من المفارقات السوسيولوجية الدقيقة. من بينها أن الذين يتصدرون الشأن العام اليوم — مثل المؤثرين، وصُنّاع المحتوى — يملكون متابعين، لكنهم يفتقرون إلى العمق المعرفي. في المقابل، علماء الاجتماع يمتلكون العمق، لكنهم فقدوا متابعين، وهذه الجزئية الأخيرة غاية في الأهمية.
تكمن المفارقة في أن السطحية تنتشر بسرعة، بينما العمق يُدفن في صمت الأكاديميا. هذا التناقض ليس صدفة عابرة، بل هو نتاج تحول في بنية المجال العام في عصر الرقمنة، حيث يتم التفاعل مع ما يُشحَن بالعاطفة لا بالفكر.
الفضاء العام الرقمي لم يعد مكانًا للنقاش، بل أصبح مسرحًا عموميًا بدلًا من المجال العمومي الذي تحدث عنه هابرماس. وهذه معلومة مقتضبة لكنها تعكس الواقع المسكوت عنه.
في ظل هذا الواقع، لم يعد دور الباحث في علم الاجتماع مقتصرًا على كتابة دراسات طويلة لا تُقرأ، بل يجب أن يتحول إلى مُفسّر اجتماعي يستخدم أدوات التواصل الحديثة لتطعيم المجتمع بالوعي النقدي. وهذا يعني تقديم جرعات من المعرفة تحمي المجتمع من الفيروسات الفكرية المنتشرة.
وهذا يشير إلى أن يسعى الباحث في علم الاجتماع، من خلال المقال السوسيولوجي، إلى أن يكون بمثابة جرعة تطعيم، حيث يحوّل المعرفة المعقدة إلى جرعات معرفية قصيرة وسهلة الفهم والهضم، تحصّن المجتمع من التفاهة والانخداع الإعلامي. يمكن أن نسمي هذا إعادة هندسة العلاقة بين الباحثين والجمهور، من خلال تجاوز العلاقة الأكاديمية الضيقة نحو علاقة أكثر تفاعلية، يشارك فيها الجمهور في صناعة المعنى الاجتماعي.
كما يتوجب أن نعلم أن الخطاب الاجتماعي لم يعد يُصنع في الجامعات أو مراكز البحث، بل في استوديوهات الهواتف الذكية. بينما يكتب الباحث في علم الاجتماع مقالات رصينة لا يقرأها سوى زملائه، يتصدر مشهد الشأن العام أشخاص بلا تأصيل فكري أو معرفة علمية، لكنهم يملكون ملايين المتابعين.
هذه المفارقة السوسيولوجية تستدعي التأكيد على أهمية إعادة تعريف دور علم الاجتماع نفسه، ليتحول من إنتاج نظري إلى فعل تواصلي، ومن بحث جامد إلى جرعة وعي يومية تحصّن المجتمع من فيروسات التفاهة.
نلاحظ أيضًا أن متابعة المؤثرين أصبحت عادة يومية، لا مجرد ترفيه. نحن أمام سلوك اجتماعي مبرمج، حيث لم تعد المنصات وسيلة، بل أصبحت بيئة اجتماعية كاملة يعيش فيها الفرد ويفكر من خلالها. هذه نقطة سوسيولوجية مركزية تعني أن المنصة قد تحوّلت إلى وسيط للمعنى والهوية. أصبح المؤثر فاعلًا سوسيولوجيًا أكثر من كونه إعلاميًا، حيث يؤدي المحتوى التفاهي وظيفة الانتماء اللحظي بدلًا من التفكير النقدي.
فالملاحظ في هذا السياق أن الباحث في علم الاجتماع يلعن المنصات لكنه لا يدخلها. في المقابل، يستغل المؤثر السطحي هذه المنصات بذكاء، ليصبح هو من يُوجّه الوعي الجمعي. وهذا يعبر عن انقسام سوسيولوجي حاد بين المعرفة الأكاديمية المنعزلة والخطاب الرقمي المهيمن. المفترض أن يخترق الباحث في علم الاجتماع هذه المنصات، لا ليكرر خطابها، بل ليعيد توجيهها نحو الوعي والفهم. كما تبرز هنا مفارقة أخرى مهمة، وهي أن الصراع لم يعد عن البحث عن الحقيقة، بل عن كيفية جذب انتباه الناس. المؤثرون يفوزون لأنهم يقدمون المحتوى السريع، وبذلك يتمكنون من إعادة تشكيل الوعي الجمعي. أضف إلى ما سبق مفارقة أخرى تتمثل في الكسل المعرفي، حيث إن الجمهور لا يريد معرفة معمقة بل ملخصًا سريعًا ما يشبه "الوصفة الطبية السريعة". هذا الأمر يدفعنا مرة أخرى إلى أهمية ألا نلعن المنصات، بل يجب أن نوظفها. وللمزيد من الإيضاح والتبسيط يجب ألا ننتظر قدوم الجمهور إلى علم الاجتماع، بل يجب أن نذهب نحن إليه بلغته. هذا هو جوهر علم الاجتماع الشعبي الرقمي؛ نشر المعرفة العلمية بلغة بسيطة، قصيرة، وحيوية. وكذلك تقديم الوعي كجرعات معرفية قصيرة تعالج فيروسات السطحية والتفاهة. وحتى نقرب المعنى أكثر، يجب توظيف نفس الأدوات الرقمية التي يستخدمها المؤثرون، لكن بغرض التنوير لا التفاهة.

ولذلك، نختم بالإشارة إلى أنه كما أن الطبيب لا يلوم المريض على تناول وصفة خاطئة دون أن يقدم له البديل، يجب على الباحث في علم الاجتماع أن ينزل إلى الفضاء الرقمي ليقدّم جرعات وعي تُعيد المعنى إلى الفضاء العام.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعطيل النظام الاخلاقي الغربي في حرب غزة
- بين الجبال والمواقف: رحلة حياة جدتي البطولية
- الدكتورة ناديا حياصات……كما عرفتها
- جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء ال ...
- الكتابة العلمية : ممارسة فكرية حيوية تنبض بالحياة
- ثمن العلم... إلى أين؟
- الأخلاقيات في البحث العلمي والحياة الاجتماعية : ممارسة فعلية ...
- مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة
- الحياة اليومية في المجتمع الليبي 1987- 1989 : قراءة نقدية لم ...
- مستقبل الأجيال في خطر: الفجوات التعليمية كنموذج
- جودة وضمانها في التعليم : إعادة بناء الثقافة كخطوة أساسية قب ...
- ما الذي ينقص ليبيا لتطوير تجربة تعليمية وطنية مشابهة للتجربة ...
- إعادة تشكيل العقل العربي بين المحاولات الفردية والهيمنة المع ...
- المشروع الوطني المفقود بين نظام القذافي والمجلس الوطني الانت ...


المزيد.....




- -ترامب يدرس خططا لاستهداف منشآت الكوكايين داخل فنزويلا-.. مص ...
- منشور قديم على مواقع التواصل وموقف من إسرائيل يشعلان استجواب ...
- نقاش اسرائيلي في مسألة الاقتراب من الخط الأصفر.. وبن غفير يد ...
- واشنطن تعيّن سفيرها في اليمن ستيفن فاجن مديرًا مدنيًا لمركز ...
- قضية جديدة تلاحق أكرم إمام أوغلو.. السلطات التركية تحقق معه ...
- الحوثيون يعتقلون سبعة موظفين أمميين بتهمة -التخابرمع إسرائيل ...
- أسبوع في العالم
- النبض المغاربي لماذا احتجزت إسبانيا سفنا محملة بأسلحة قادمة ...
- شاهد.. أسباب تفوق الهلال على الاتحاد وفوزه 2-0
- ماذا تدفع الدول مقابل المساعدات المالية الأميركية؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي