أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين سالم مرجين - جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء الحكومي















المزيد.....

جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء الحكومي


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 16:47
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بداية، يجب أن نصارح القارئ بأن تحليلنا لمشكلة الحراك الشبابي في المغرب ينطلق من الصور والمشاهدات والوقائع الملاحظة. ومع ذلك، قد تكون هذه الكتابات ناقصة نظرًا لما لم أتمكن من رصده أو إدراكه من الجوانب الخفية أو المحجوبة عن المشاهدة. كما تأتي هذه الكتابة في سياق تأملات ومشاهدات لباحث سوسيولوجي يسعى إلى مساءلة الواقع وفهم دينامياته، بهدف التطلع إلى مجتمع عربي أكثر عدالة وجودة. أؤمن دائمًا بأن من يرغب في الكتابة عن قضية أو ظاهرة اجتماعية عليه أن يعيشها أو يلامسها عن قرب.
صحيح أنني لم أكن طرفًا مباشرًا في الحراك، ولم أشارك فيه فعليًا، لكن الدوافع البحثية بداخلي والشغف السوسيولوجي هما ما يدفعاني للكتابة. انطلقت من مشاهدات ميدانية وقراءات متعددة، وحرصت على توثيق الملاحظات والتفاصيل التي تعبر عن حالة سوسيولوجية فريدة في السياق العربي.
برز خلال الأيام الماضية حراك مجتمعي جديد في المملكة المغربية، يمكن اعتباره شكلًا من أشكال الحراك الجماعي الهادئ والواعي. جاء هذا الحراك كرد فعل على غياب الاستجابة الرسمية الفعّالة للاحتياجات الأساسية للمواطنين. اللافت في هذا الحراك، والذي يُنسب إلى ما يُعرف بـ"جيل زد"، هو أنه لم يركز فقط على عدم تلبية الاحتياجات في قطاعات الصحة والتعليم، بل على فساد ما هو مُتاح منها. بالتالي، يعكس هذا الحراك الاجتماعي الناشئ في المغرب تحولًا نوعيًا في الوعي الجماعي، خاصة لدى فئة الشباب، تجاه قضايا مثل الجودة والشفافية والعدالة في توزيع الخدمات الأساسية، وليس مجرد المطالبة بتوفيرها.
فلم تعد الإشكالية تقتصر على نقص خدمات التعليم أو الصحة، بل تشمل رداءة ما هو موجود وفساد آلياته، رغم محدوديتها أصلًا. تعكس هذه النقطة تحولًا نوعيًا في وعي المجتمع المغربي، وخاصة الشباب، الذين باتوا يُقيّمون الخدمات ليس فقط بناءً على توفرها، بل على أساس جودتها وشفافيتها وعدالتها.
تظهر الفكرة الأهم في هذا الحراك الذي يُطالب بتجويد الخدمات، وليس مجرد توفيرها. إنه جيل يُدرك أن الكمية لا تغني عن النوع، وأن التعليم بلا جودة هو عبء، والصحة بلا عدالة هي شكل آخر من الإقصاء. وبالتالي، فإن المطالبة هنا ليست عشوائية، بل مرتبطة بمفاهيم المحاسبة والحوكمة الفعالة والعدالة الاجتماعية. وجميعها تشير إلى تصاعد مستوى الوعي المجتمعي، خصوصًا لدى هذا الجيل الذي يُطالب بحقه بلغة مدنية راقية ومفردات تنتمي إلى عصره.

ومعني هذا ببساطة شديدة بأن هذا الحراك، يعبرعن مرحلة جديدة من الوعي والفهم والإدراك العميق لفكرة أن الحق في التعليم أو الصحة لا يتحقق فقط بتوفير بناية أو خدمة، بل يتطلب توفير هذه الخدمات وفق معايير الجودة والكرامة الإنسانية. كما تأتي المطالبة بلغة مختلفة، تستند إلى مفاهيم حديثة مثل تحسين جودة الحياة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد البنيوي. كذلك يربط كل ذلك بسياق رقمي متكامل، بدءًا من الحق في الوصول إلى الإنترنت، وصولًا إلى التعليم الجيد والخدمات الحكومية عالية الجودة، والشفافية في البيانات، ومحاسبة المسؤولين على العلن.
بالتالي تبرز أهمية قراءة هذا الحراك ضمن منظور أوسع، لا يختزله في بُعد احتجاجي ظرفي، بل ينظر إليه كعلامة على نضج سياسي واجتماعي وثقافي لشريحة شابة جديدة. هذه الشريحة ترفض أن تُعامل كمجرد رقم، وتصر على بناء السياسات العامة وفق احتياجاتها الواقعية ومؤشراتها الموضوعية، لا عبر قرارات فوقية لا تراعي التحولات الاجتماعية والثقافية.
ما يلفت النظر في هذا الحراك هو أنه لا يمثل مجرد حالة غضب أو رد فعل عاطفي عابر، بل يُعبر عن وعي مجتمعي واضح ومدروس، وناضج بمسؤولياته. لم يكن الحراك في شكله أو خطابه غوغائيًا أو فوضويًا، بل حرص منذ البداية على رسم حدوده بوعي وإدراك، ووضع قواعده بنفسه. على سبيل المثال، عبّر المشاركون فيه بوضوح عن رفضهم لانخراط الأحزاب السياسية التي حاولت ركوب الموجة، إدراكًا منهم لمحاولات التوظيف السياسي التي كثيرًا ما أجهضت حركات سابقة.
كما شدد الحراك على رفض التخريب أو الإضرار بالممتلكات العامة. بل على العكس، قام المشاركون بعمليات تنظيف للشوارع عقب انتهاء التجمعات، في رسالة رمزية بالغة الذكاء: إذا كانت الحكومة قد فشلت في "تنظيف" القطاعات الخدمية من الفساد وسوء الإدارة، فإن هذا الجيل سيبدأ من تنظيف الشارع – بالمعنى الحرفي والمجازي معًا.
وحتى نقرب المعنى أكثر يمكن أن نشير إلى أن الحراك لم يطرح سقفًا مرتفعًا من المطالب، ولم يدعُ إلى إسقاط النظام أو تغيير شكل الحكم. بل طالب بشكل واضح بأن يقوم الملك بدوره في دعم هذا التوجه، في إشارة إلى أن السقف السياسي المطلوب هو إصلاح طريقة عمل النظام، لا تغييره بالكامل.
من الملامح الرمزية العميقة في هذا الحراك أن معظم المشاركين فيه هم من فئة الشباب، وتحديدًا من مواليد التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وهذه ليست مجرد مصادفة زمنية عابرة، بل هي مؤشر على أن هذا الجيل لا يُشبه ما سبقه، لا في أدواته ولا في نظرته إلى السلطة أو دوره فيها.
أضف إلى ما سبق حقيقة أخرى وهي أن الأداء الحكومي لم يعد يُقاس فقط بما يُعرض من تقارير داخل البرلمان أو ما ترفعه الأجهزة الرقابية الرسمية. لقد أصبحت الرقابة الآن مجتمعية، لحظية، رقمية، وشبابية. رقابة جيل زد لا تنتظر المواسم، بل تمارس التقييم والمحاسبة فورًا، عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل، بالصوت والصورة والبيانات. وهذا الأمر يضع جل الحكومات العربية في مأزق جديد؛ حيث لم تعد قادرة على احتكار رواية الإنجاز، ولا على تأجيل الاعتراف بالتقصير. فالمواطن الرقمي لا يحتاج إلى وسيط ليرى أو يفهم أو يحكم.
وبهذا فإن هذا الجيل لا يصنع فقط حراكًا اجتماعيًا، بل يُؤسس لمرحلة جديدة من المواطنة الرقمية الواعية المدركة لمسؤوليتها. حيث لا يكون المواطن مجرد متلقٍ للخدمات، بل مراقبًا ومقيّمًا وشريكًا في صياغة السياسات العامة.
عموماً، هناك عوامل كثيرة تؤثر في سياق الحراك، بما في ذلك الدعم الملكي، ولكن هناك أيضًا عوامل أخرى مهمة مثل زيادة الحشد والتأييد المجتمعي. بالتالي إذا استمر هذا الحراك في سياقه، قد يرسم مرحلة جديدة من الاحتجاجات العربية. ربما سنكون إزاء مرحلة جديدة من الاحتجاجات في المنطقة العربية، وهي احتجاجات الموجة الثانية التي لا تريد إسقاط النظام السياسي، بل تحسين وتطوير حوكمة الأداء الحكومي، خاصة فيما يتعلق بالخدمات المقدمة وتقليل حالات الفساد. وهذا ما يؤكد بأن بنية أداء الحراك ووظيفته قد تغيرت وانتقلت إلى الموجة الثانية.
خلاصة ما سبق هي أنه كما يُقال، غير المتوقع يحدث دائمًا. وهذا يدفعنا إلى طرح أسئلة حول الحراك أهمها: هل سيصمد في وجه التعتيم أو الاحتواء؟ وهل ستكون السلطة مستعدة للاستجابة الجادة لمتطلبات الحراك؟ هذه هي التحديات الكبيرة التي تواجه الحراك.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة العلمية : ممارسة فكرية حيوية تنبض بالحياة
- ثمن العلم... إلى أين؟
- الأخلاقيات في البحث العلمي والحياة الاجتماعية : ممارسة فعلية ...
- مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة
- الحياة اليومية في المجتمع الليبي 1987- 1989 : قراءة نقدية لم ...
- مستقبل الأجيال في خطر: الفجوات التعليمية كنموذج
- جودة وضمانها في التعليم : إعادة بناء الثقافة كخطوة أساسية قب ...
- ما الذي ينقص ليبيا لتطوير تجربة تعليمية وطنية مشابهة للتجربة ...
- إعادة تشكيل العقل العربي بين المحاولات الفردية والهيمنة المع ...
- المشروع الوطني المفقود بين نظام القذافي والمجلس الوطني الانت ...
- القذافي والقضية الفلسطينية: شهادة عاطف أبوبكر
- العدوانية في الشخصية الليبية: سمة دائمة أم سلوك مكتسب؟
- التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأ ...
- استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء


المزيد.....




- مئات من المتظاهرين الأصليين يطالبون بالاعتراف بالأراضي في عا ...
- لا لبرلمان افقار الجماهير واستعباد النساء وسلب الحريات
- نتنياهو بين ترامب واليمين المتطرف.. أي طريق سيختار؟
- م.م.ن.ص// تقرير حول الوضع الصحي بإقليم تاونات: واقع مزري يع ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- قتلى باشتباكات بين متظاهرين داعمين لفلسطين والشرطة الباكستان ...
- جيل- زد والمقاومة بالحيلة
- الفاشية الجديدة والإمبريالية والحرب والثورة في الشرق الأوسط ...
- جريدة المناضل-ة الشهرية تعود للصدور
- كاتبة بريطانية: شباب الغرب أصبحوا يفضلون اليمين المتطرف على ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين سالم مرجين - جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء الحكومي