أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - العدوانية في الشخصية الليبية: سمة دائمة أم سلوك مكتسب؟















المزيد.....

العدوانية في الشخصية الليبية: سمة دائمة أم سلوك مكتسب؟


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 20:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في ظل إعلام غير مسؤول، استضافت إحدى القنوات الليبية الفضائية شخصية تدعي أنها متخصصة في علم النفس، حيث قامت بتحليل الشخصية الليبية بشكل يفتقر إلى الموضوعية والعلمية، وقبل كل ذلك، إلى الوطنية. أشارت في حديثها إلى أن الشعب الليبي يعاني من عقدة الاضطهاد، مصنفة إياه بأنه يمتاز بدرجة عالية من السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع، بالإضافة إلى شعور عميق بالدونية والنقص تجاه الآخرين. وادعت أن شعارهم في الحياة هو: "ليس المهم أن أنجح، بل المهم أن لا ينجح الآخرون".
وهنا، يجب أن نحذر من أن نقع فريسة للأقوال المتداولة أو ما تبثه وسائل الاتصال، ونظرتهم إلى قضايا المجتمع. لقد صدمتني هذه التصريحات غير المدروسة، فضلاً عن تأييد وحماس المذيع والمذيعة في ذلك البرنامج، حيث استمعوا إلى هذه الخواطر الفاسدة دون أي اعتراض. والأغرب من كل ذلك، كانت المتحدثة في علم النفس تسرد سمات الشخصية الليبية وكأنها حقائق وسمات ثابتة، دون أن تتوقف لتفكر في الأبعاد الوطنية والأخلاقية والاجتماعية لهذه الادعاءات. وهذا يبرز أمامي مقولة: "إن الحرية عبء ثقيل على الشعوب التي لم تحضرها نخبتها لتحمل مسؤولياتها".
أتساءل أين يقظة الإعلام التي تسمح ببث مثل هذه الأفكار المسمومة، البعيدة عن الإطار الوطني والأخلاقي والبناء الاجتماعي؟ يجب أن نكون حذرين وواعين لأهمية ما يُعرض في وسائل الإعلام، وأن نسعى لتقديم صورة حقيقية ومتوازنة عن مجتمعنا
لقد بحثت عن تلك الأخصائية النفسية ولم أجد لها أي بحوث أو دراسات تتعلق بالموضوع الذي تحدثت عنه. وهذا يضعنا أمام تساؤل مهم: هل يجوز الالتجاء إلى غير المختصين بحثًا عن التشخيص والتحليل والعلاج؟ هذه مشكلة تستدعي انتباه المختصين في علم الاجتماع على وجه الخصوص.
ما يثير اهتمام الباحث في علم الاجتماع هو تلك الأحكام المسبقة عن الشخصية الليبية، دون تقديم توضيحات حول الأسس التي تم الاستناد إليها أو المنهجية التي تم الاعتماد عليها. هذه التصريحات شوهت صورة المجتمع الليبي، وكأن المذيع والمذيعة يستعرضان أمورًا مذهلة في عقولهم، دون أي اعتبار للحقائق.
لقد شاهدت تحليلًا بعيدًا عن العلمية، مما جعل رأسي مليئًا بكتلة من الحزن والفزع كافية لتجعل مياه المحيطات كلها سوداء. كانت تلك الأخصائية تتحدث بشكل أقرب إلى العرافة، حيث أخذتنا في متاهات غير منطقية، وتخبطت بنا دون أي أساس علمي. وضعت المجتمع الليبي بأسره في قفص الاتهام، وألبستنا ثوب العدوان والنقص والاضطهاد، دون تقديم أية دراسات حقيقية تدعم ادعاءاتها. إن حديثها جر الوطن إلى قيعان العدوانية، وكأنها تذبحه وتأكل من لحمه، بينما تتوعد كل من ظل حيًا بالموت. حاولت إقناعنا بأن هذه السمات هي جزء أصيل ودائم من الشخصية الليبية، وستظل ترافقنا في كل مكان، مما يجعل الحياة تبدو وكأنها سجن كبير يعيش فيه هذا المجتمع المليء بالعدوان والنقص والاضطهاد ومحاربة الناجحين.
ومع ذلك، أعتقد أن الوجوه تحمل حكايات لا يدركها إلا المتأملون. فالنظرة العميقة في المجتمع الليبي ستكشف عن حياة غنية خلف كل شخصية. وهنا، أُسارع إلى القول: كم من مأساة يجب أن تحدث كي ندرك أن الوطن يجب ألا يُساق إلى هذه المذابح بينما نتفرج؟
إن ما طرحته هذه الاختصاصية في علم النفس لا يستند إلى أي حقائق موثوقة. فكيف يمكن قياس "درجة عالية" من تلك السلوكيات؟ وأين هي المصادر التي استندت إليها في هذه النتائج المزعومة؟ من الواضح أن السمات التي ذكرتها ليست محصورة في شعب بعينه، بل يمكن العثور عليها في مجتمعات متعددة حول العالم بالتالي، يتوجب أن ندرك ما هي وجهة تلك الاختصاصية وإلى أين تريد أن تقودنا.
علاوة على ذلك، يُظهر الشعب الليبي، في لحظات الأزمات مثل الكارثة التي وقعت في درنة، روح التضحية والوطنية وعظم الإنسانية الموجودة في أعماق هذا المجتمع، فصار وجعنا واحد . فقد شهدنا كيف تضافرت جهود الليبيين من مختلف المناطق لتقديم الدعم المادي والمعنوي لسكان درنة، مما يعكس جوانب إيجابية من الهوية الليبية .
كما أشار أحد الرحالة التاريخيين وهو العياشي المغربي (1649م) إلى أهل طرابلس قائلاً :
لاهل طرابلس عادة ما تنسي الغريب الحميما
حللت بها مكرها ثم إذ اقمت بها ابدلوا الهاء ميما
وكان البر فعلا دون القول فصار البر نطقا بالكلام
كما يستطرد بالقول عن وصف هذا المجتمع بالقول "لا تكاد تسمع من أهلها لغوا إلا سلاما ولو لمن استحق ملاما" مما يدل على كرم الضيافة والروح الاجتماعية لديهم.

في الحقيقة، لا نريد أن نبالغ في وصف المجتمع الليبي بأنه "شعب الله المختار"، رغم ما ذكرته الكاتبة الأميركية أغنس نيوتون كيث، التي عاشت في ليبيا حوالي عشر سنوات (1956-1965). في كتابها بعنوان "أهل الله"، الذي تمت ترجمته مؤخرًا ويتوفر في مكتبة الفرجاني، تناولت أغنس مواقفها وتجاربها مع المجتمع الليبي، موثقةً حقبة الخمسينيات والستينيات في ثلاثة أقاليم: برقة وطرابلس وفزان. تصف الكاتبة المجتمع الليبي بأنه غير عنيف ومتحضر بكل المقاييس. كما تتناول سمات وأخلاقيات المجتمع، مستدعيةً ما تعلمته من سمات المسيح وصاغتها في سياق الحياة الليبية. على سبيل المثال، تتحدث عن كيفية معاملة الليبيين للحيوانات بلطف ورفق، وتسلط الضوء على تعاملهم مع الغرباء. تحكي كيف كان الناس يتبعونها في الأسواق، وعندما يحاول أي شخص مضايقتها، يتدخل الآخرون لحمايتها، معبرةً عن تقديرها لهذا التدخل، رغم أنه قد يُعتبر تدخلاً في حريتها الشخصية. ولمن يرغب في تفاصيل أكثر، يمكنه العودة إلى الأسماء والأمكنة والأزمنة المذكورة في الكتاب ليزداد معرفة.
كما لا يسعني إلا أن أذكر ما كتبه الصديق المرحوم الدكتور المنصف وناس في كتابه "ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى"، حيث حلل جذور الأزمة والعنف في صلب المجتمع الليبي. أشار الدكتور وناس إلى أن النظام السياسي السابق (العسكري) زرع في مفاصل المجتمع الليبي جرعات قوية من العنف السياسي والمادي وحتى الرمزي، مما ساهم بشكل رئيس في تراكم الأحقاد التي شكلت، حسب وجهة نظره، البيئة الحاضنة لانفجار فبراير 2011م. على الرغم من أهمية هذه النقطة الجوهرية، إلا أنها لم تحظَ بالكشف والتشخيص والتحليل بشكل أعمق. أعتقد أن هذا قد يؤدي إلى تفسير شحنات العنف الموجودة حاليًا في المجتمع الليبي. كما أن العنف والحروب الأهلية والصراعات والتحولات التي عاشها المجتمع الليبي في مرحلة ما بعد 2011 ساهمت بشكل كبير في زيادة العنف.
وبالتالي، فإن العنف ليس سمة أصيلة من سمات المجتمع الليبي، بل هو سلوك مكتسب. لقد تم زرع هذا السلوك أو حقنه من قبل النظام السياسي السابق الذي حاول تحقيق مآربه من خلاله. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الحروب بعد عام 2011 في زيادة جرعات العنف، مما أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع.
لذا، يجب أن نكون حذرين من نشر مثل هذه الآراء التي تضر بصورة الشخصية الليبية. من الضروري أن نعمل على تصحيح هذه التصورات الخاطئة ونشر الحقائق التي تعكس عمق وثراء الهوية الليبية، مما يغرس عقلية الاعتزاز بالانتماء للوطن والذود عنه.
ما يهمنا هو معرفة أسباب كل السلبيات المتعلقة بالشخصية الليبية بشجاعة، ومن جهة أخرى، البحث عن الوسائل التي تمكننا من التغلب عليها. تبدأ هذه العملية من أهمية وجود وعي وإدراك ويقظة وحس وطني، إذ إن قيمة المجتمع تتحدد بقدر إيمانه بنفسه. ومن هنا، يجب أن نعمل على إعادة المجتمع إلى أصالته التي تشكل هويته وقيمته البناءة.
نحن بحاجة إلى دراسات حقيقية عن الشخصية الليبية، وليس مجرد ادعاءات ومعتقدات وأحكام مسبقة من العرافين، مما يؤدي إلى خداع الرأي العام. يجب أن تكون هذه الدراسات ذات رؤية واضحة، لا تُشتت أو تُشوه الهوية الوطنية، بل تكشف المسكوت عنه مهما كانت مزعجة. ينبغي أن تركز على مواطن ضعفنا وقوتنا، وتسعى بشكل حثيث نحو معالجات فعّالة، دون أن تنقص من قيمتنا الحقيقية، بل تدفع نحو البناء الاجتماعي الفعّال.
من خلال هذه الدراسات الجادة ، يمكن لنا أن نحدد التحديات ونضع استراتيجيات فعّالة تسهم في تعزيز الهوية الوطنية، مما يساعد في بناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأ ...
- استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء
- كليات التربية في الجامعات الليبية: التحديات المستمرة والحاجة ...
- خطاب إلى مجموعة التفكير العلمي في ليبيا: دعوة جادة لتحمل الم ...
- الخلافات المفاهيمية وتأثيرها على بناء الدولة الليبية بعد عام ...
- هيمنة المسؤولون والفخر الزائف
- المبعوثون الأمميون في ليبيا: بين الأمل والإخفاق في صراع الجم ...
- إلى أين تتجه ليبيا بين متناقضات الفوضى والأمل؟
- التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإكراهات الغفلة والعفن وهبال ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- مدينة الأصابعة والبحث عن الحقيقة المخبأة
- الاعتماد وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي العربية : من ...
- الأفكار ودورها في تأصيل نباهة الاستحمار
- قراءة نقدية لورشة عمل بعنوان -تطوير أساليب وطرق منهجية البحث ...
- صوت النخبة نحو إعادة التأثير في الشأن العام الليبي
- قراءة نقدية لكتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل الس ...


المزيد.....




- ماذا قال ترامب عن بوتين والعقوبات على روسيا بعد نشر الغواصتي ...
- اتهامات أمميّة لإسرائيل بتحويل نظام المساعدات إلى -مصيدة موت ...
- باريس توقف إجلاء غزيين بعد كشف تصريحات معادية للسامية لطالبة ...
- هل ستمنح غيسلين ماكسويل الشريكة السابقة لجيفري إبستين عفوا ر ...
- كامالا هاريس تكشف عن موقف -لم تتوقعه- في ولاية ترامب الثانية ...
- ايه آي2027: هل يمكن أن تكون هذه هي الطريقة التي قد يدمر بها ...
- مصادر أممية: إسرائيل قتلت في يومين 105 من الباحثين عن المساع ...
- قادة ديمقراطيون يدعون ترامب لإنهاء الحرب على غزة
- حماس: ترامب لا يمل من ترديد أكاذيب إسرائيل ولن نمل من تفنيده ...
- أفغانستان..زلزال يهز منطقة هندوكوش


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - العدوانية في الشخصية الليبية: سمة دائمة أم سلوك مكتسب؟