أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء














المزيد.....

استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 11:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شاركت في فعالية بجامعة سرت بتاريخ 24 يوليو 2025م، حيث تم تناول موضوع الطاقات المتجددة وعلاقتها بالتنمية المستدامة. يُعتبر مفهوم التنمية المستدامة من المفاهيم الأساسية المرتبطة بأهداف الأمم المتحدة 2030م، ويعني ببساطة تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم. خلال الندوة العلمية، قدمت عددًا من المداخلات المهمة التي أثارت انتباهي واستهوَتني عناوين كثيرة. حيث تبين لي أن مفهوم التنمية المستدامة، بما في ذلك الطاقات المتجددة، قد تم توظيفه من قِبل الأجداد والآباء عبر العصور. في هذه المقالة، سأستعرض بعض الأنشطة والقيم المرتبطة بالتنمية المستدامة التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا.
أتوقف قليلاً أمام صورة الأمس متأملاً، فتسرح مخيلتي في تأمل عميق لكل ما يفصل بين صورة الأمس واليوم من مسافات وفروق. لقد أدركنا أهمية عدم تبذير المياه، حيث كانت هناك دروس يومية تذكّرنا بضرورة المحافظة عليها، مثل تقليل صب المياه من الصنبور عند فتحه. كما كان هناك وعي كبير بأهمية الحفاظ على الطعام، حيث كانوا دائمًا يذكروننا بأهمية أخذ الكمية المناسبة دون تبذير. وفيما يتعلق باستخدام الكهرباء، تعلمنا منهم أهمية إطفاء الأنوار وتقليل استخدامها، وكانوا يُذكروننا بذلك صباحًا ومساءً.
أما فيما يتعلق باستخدام الموارد الطبيعية والصديقة للبيئة، مقارنةً بالمواد الأخرى مثل الأسمنت، فقد كانت البيوت تُطلى بالجير. يُعتبر الجير مادة طبيعية تُستخدم في العزل الحراري، مما يقلل من استهلاك الطاقة في التدفئة والتبريد. من جهة أخرى، يُساعد الجير في الوقاية من الحشرات، كما أظهرت الدراسات الحديثة أن له القدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، مما يُقلل من الانبعاثات الكربونية. كان الأجداد يستخدمون الجير أيضًا في طلاء خزانات المياه الأرضية لتقليل المخاطر الصحية. بعد رش الجير، كانت المياه تُترك لفترة دون استخدام بشري، مما يتيح للجير القيام بدوره في تنقية المياه وضبط خصائصها. حاليًا، أظهرت الدراسات أن للجير خصائص مطهرة تساعد في تقليل عدد البكتيريا والميكروبات الضارة.
كما أن بناء البيوت كان يتطلب مراعاة معايير معينة، مثل اتجاه الشمس، لضمان دخول الضوء والهواء، مما يساعد على تقليل الانبعاثات الكربونية. فيما يخص المحافظة على البيئة، كان يتم الاستفادة من مخلفات الحيوانات كسماد للتربة، مما يقلل من الحاجة للأسمدة الكيميائية التي ثبتت الدراسات أنها تضر بصحة الإنسان والبيئة.
في منطقة الجبل الغربي، كانت هناك لجان محلية تُعرف بالعمارة، تتألف من عدد من الأشخاص الذين يختصون بالحفاظ على الغابات والأشجار من الاستخدام غير السليم. كانت هذه اللجان تهدف إلى تجنب قطع الأشجار ودخول الحيوانات من قبل الرعاة، مما قد يتسبب في تلف الأشجار والمزارع. كما كانت هناك توجيهات تحظر قطع النباتات البرية من الجذور، مثل الشعال وشيح وزعتر. كانت المخالفات تدفع الجميع إلى الالتزام بالتوجيهات المهمة لضمان المحافظة على البيئة الزراعية. وكان الأمر متعلقًا أيضًا بمواسم قطف الثمار، حيث كانت هذه اللجان مسئولة عن تنظيم تلك المواسم. وكان يتم انتخاب أعضاء اللجان بعيدًا عن مؤسسات الدولة، وقد استمرت هذه اللجان في الوجود حتى وقت قريب في معظم مدن ومناطق الجبل الغربي. وعلى الرغم من الأمية التي كان يعاني منها الأجداد مقارنةً بالآباء، إلا أن إدراكهم لأهمية روح العلم أكثر من العلم نفسه كان واضحًا. لقد كانوا يحثون على أهمية التعليم كوسيلة لتحسين جودة الحياة، مما يقودنا إلى مقارنة مخرجات ذلك الزمان بالمخرجات الحالية، حيث نجد فجوات كبيرة في القدرات والكفايات، بالإضافة إلى فجوات في النواحي الأخلاقية، وهذه الجزئية الأخيرة غاية في الأهمية. تمنحني هذه الفكرة شعورًا مخيفًا حول هذا الفارق الكبير الذي أحاول قياسه. وهذا الأمر يدفعني إلى رصد أهم المفارقات السوسيولوجية فيما تم طرحه سابقًا:
• الأجداد والآباء كانوا يمتلكون وعيًا بأهمية قيم التنمية المستدامة رغم جهلهم بالمصطلحات الحديثة، بينما نجد اليوم أن الأجيال الحالية قد تكون أكثر علمًا ومعرفة لكن أقل ممارسة لهذه القيم.
• تعكس حياة الأجداد والآباء نمطًا قائمًا على التوازن بين الاحتياجات الحالية وحماية البيئة، في حين أن الحياة المعاصرة تركز غالبًا على الاستهلاك السريع دون أي اعتبارات لحماية البيئة.
• كان الأجداد والآباء يتبنون المعرفة من خلال التجربة اليومية، بينما اليوم يعتمد التعليم الأكاديمي بشكل أكبر على المفاهيم النظرية التي قد لا تتجسد في الممارسات الفعلية.
• تميزت حياة الأجداد والآباء بقيم أخلاقية عالية تتعلق بالاستدامة، بينما نعاني اليوم من تراجع في هذه القيم نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
هكذا، كانت الحياة العامة للأجداد والآباء تُعبر عن توظيف ومعايشة يومية لمفاهيم التنمية المستدامة. كانوا يخشون ما قد يواجهونه من وقائع قاسية قد تفقدهم الحاضر وتؤثر على المستقبل. إن الوجوه تحمل حكايات من معاناة وأمل لا يستكنهها إلا المتأملون في تفاصيل الحياة.
وعموماً، ما يعنينا الإشارة إليه في كل ما سبق ليس العودة إلى نمط حياة الأجداد والآباء، بل التفكير والتدبر في أن الأجداد والآباء كانوا يمتلكون إدراكًا ووعيًا بأهمية عدم المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم، وهذا ما نفتقده اليوم. لم يكن ذلك الوعي والإدراك مصادفة عابرة، بل كان جزءًا من ممارساتهم وسلوكياتهم اليومية. تتجلى أمامنا فروق نوعية واضحة بين حياة اليوم والأمس، حيث يظهر أن الأجداد والآباء كانوا واعين بأهمية التنمية المستدامة. ورغم جهلهم بالمصطلحات الحديثة، إلا أنهم كانوا يمارسون هذه المفاهيم كجزء من نمط حياتهم اليومية. وهذا ما نفتقده اليوم في ممارساتنا وسلوكياتنا الحياتية. المعلومات قد تكون مقتضبة، لكنها أقرب إلى الواقع المسكوت عنه.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كليات التربية في الجامعات الليبية: التحديات المستمرة والحاجة ...
- خطاب إلى مجموعة التفكير العلمي في ليبيا: دعوة جادة لتحمل الم ...
- الخلافات المفاهيمية وتأثيرها على بناء الدولة الليبية بعد عام ...
- هيمنة المسؤولون والفخر الزائف
- المبعوثون الأمميون في ليبيا: بين الأمل والإخفاق في صراع الجم ...
- إلى أين تتجه ليبيا بين متناقضات الفوضى والأمل؟
- التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإكراهات الغفلة والعفن وهبال ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- مدينة الأصابعة والبحث عن الحقيقة المخبأة
- الاعتماد وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي العربية : من ...
- الأفكار ودورها في تأصيل نباهة الاستحمار
- قراءة نقدية لورشة عمل بعنوان -تطوير أساليب وطرق منهجية البحث ...
- صوت النخبة نحو إعادة التأثير في الشأن العام الليبي
- قراءة نقدية لكتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل الس ...
- إعادة هيكلية التعليم العالي الخاصة في ليبيا - الإكراهات ومقت ...
- أبعاد عملية الطوفان الأقصى


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعترض سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة
- أستراليا وبريطانيا توقّعان معاهدة شراكة نووية تمتد لـ50 عاما ...
- تصعيد بالمسيرات بين روسيا وأوكرانيا وقتلى مدنيون من الطرفين ...
- حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت للاعتراف بدولة فلسطين
- بحثا عن الأطعمة الفاخرة والأرباح على ساحل غرب أفريقيا
- لقاء سوري-إسرائيلي رفيع بباريس: تهدئة مشروطة أم بداية تطبيع؟ ...
- حزب بريطاني يهدد ستارمر بطرح مشروع قانون للاعتراف بفلسطين
- زعيم كوريا الشمالية يتعهد بالانتصار في المعركة ضد أميركا
- الشرطة الهندية توقف رجلا يدير سفارة -وهمية-
- صحافي روسي ينجو بأعجوبة من هجوم بمسيرات أوكرانية


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء