أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأزمة















المزيد.....

التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأزمة


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 02:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


انطلاقًا من دور الباحث في علم الاجتماع كمثقف قادر على خلق الوعي وتحفيزه عبر ربط الهموم الفردية بالقضايا العامة، سنسعى في هذه المقالة إلى بناء تعريف عام حول مفهوم التفاهة. سنستعرض هذا المفهوم في المجتمعات الغربية التي أبرزته مؤخرًا من خلال كتابات بعض الأساتذة في علم الاجتماع، بالإضافة إلى تحديده في السياق العربي، خاصة في الدول المتأزمة مثل ليبيا. هدفنا هو الاقتراب من فهم هذا المفهوم وإزالة بعض الغموض الذي يحيط به. سأبذل قصارى جهدي لشرح الوضع دون تحيز، مع التركيز على الفهم الدقيق في المجتمعات المتأزمة.
يمكن اعتبار بأن مفهوم التفاهة برز في المجتمعات المتقدمة كنوعًا من الترف، حيث تتاح للأفراد فرص أكبر للاهتمام بالمواضيع السطحية نتيجة للاستقرار والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. أما في الدول التي تعاني من صراعات، مثل ليبيا، فإن التفاهة تُعتبر نتيجة لضحالة التفكير والتدبر.
في هذا السياق، تظهر التفاهة كظاهرة ليست ترفًا كما هو الحال في المجتمعات الغربية، بل تعكس تحديات أكبر، مثل الجهل وانعدام الوعي وتدني جودة التعليم، مما يؤدي إلى ضعف القدرة على التفكير النقدي. فالأشخاص القادرين على التفكير النقدي هم وحدهم الذين يستطيعون فهم وتقدير مختلف الأمور.
كما أن تأثير الإعلام، وخاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، يساهم بشكل كبير في تشكيل الوعي الجمعي، إذ يُعتبر الناقل الأساسي الذي يسهم في انتشار الأفكار السطحية في المجتمعات المتقدمة والمتأزمة. في المجتمعات المتأزمة، قد تختلف الأولويات نتيجة وجود مسؤولين يتسمون بالجهل وانعدام الوعي، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل القيم الاجتماعية، وبالتالي تراجع التفكير العميق والوعي العام.
إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا في ظل صعود شخصيات تتسم بالجهل وانعدام الإدراك هو: أين الشخصيات التي تتسم بالتفكير العميق والوعي والإدراك؟ فليس من المعقول أن يكون المجتمع برمته متسمًا بالجهل وعدم الوعي.
في هذا الصدد، تبرز المقولة الاقتصادية التي تقول إن "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق"، مما يعكس كيف يمكن للبيئة الاجتماعية والسياسية أن تؤثر على نوعية الأشخاص والأفكار والتوجهات. وبالتالي، يتجلى ظهور شخصيات تحمل في طياتها التفاهة كنمط تفكير وسلوك، حيث تكون عقولهم غير واعية لما يقومون به، مما يظهر في ممارساتهم وسلوكياتهم مثل التهور أو اتخاذ قرارات عشوائية تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها أو غير مستهدفة. كما يفضلون الأفكار السطحية والقضايا التافهة على المواضيع الهامة.
في زيارتي لمناقشة موضوع معين مع أحد المسؤولين الحاصلين على شهادة علمية عالية، حاولت بقدر الإمكان تبسيط الفكرة لتكون واضحة وسهلة الفهم. استرعى انتباهي أنني قدمت الموضوع بأسلوب مبسط مع أمثلة واضحة، لكنني تفاجأت بأن ذلك المسؤول لم يستوعب الحديث أو الأمثلة.
في الحقيقة، لاحظت وجود اختلاف في المقاييس الذهنية بيني وبينه. وهذا لا يعني أنني أدعي التفوق، بل يعكس تفاوتًا في قدرة الاستيعاب والتفكير والتدبر. كما أن غفلة التبصر وافتقاد اليقظة لدى المسؤول تدل على فشل ثقافي، رغم حصوله على شهادات علمية. نتيجةً لذلك، صدرت قرارات بناءً على فهم سطحي، مما أضر بمصالح المجتمع العلمي.
إن ضعف مستوى التفكير النقدي لدى المسؤول التافه في المجتمعات المتأزمة، رغم مؤهلاته الأكاديمية، يؤدي إلى إعادة إنتاج الأفكار نفسها في العقول، دون القدرة على خلق الاختلاف أو تجاوز التحديات. في هذا السياق، تبرز مقولة جورج برنارد شو: "إذا قرأ الغبي الكثير من الكُتب الغبية، سيتحول إلى غبي مُزعج وخطير جدًا، لأنه سيصبح غبيًا واثقًا من نفسه، وهنا تكمن الكارثة." تكون أفكاره ملوثة، مما يعني أنه سيمتلك أفكارًا تتسم بالعفن. فعلى سبيل المثال، سيعتمد على عقلية القطعية، حيث يمحو ما تم إنجازه سابقًا ويبدأ من لا شيء. وهذه نتيجة للعفن، فالجهل له أحكام كما للعلم أحكام.
وهنا يبرز أمامي مثال غالبًا ما أطرحه عند الحديث عن اختلاف المقاييس الذهنية، وهو مقارنة الهاتف المحمول الذكي بالهاتف التقليدي. بالتأكيد، سيكون التجاوب والاستيعاب بينهما مفقودين بسبب اختلاف البرامج والتكنولوجيا المستخدمة. وأجزم أن هذا الأمر ينطبق على معظم المسؤولين لدينا. فمن يستمع إلى خطبهم اليوم يجد صعوبة في فهم المحتوى، حيث تبدو الكلمات كأنها حل لمعادلة رياضية، مما يجعل الحديث غير واضح المعاني. إن هذه الفجوة في الفهم تعكس الجهل وسوء التعليم، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على عمليات التفكير والإدراك، بالتالي ينعكس ذلك سلبًا على القرارات التي تصدر عنهم.
وبالتالي، تبقى مشاكلنا كما هي، لم تتغير سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو حتى في البنية التحتية. وهذا يعود إلى وجود انحطاط في التفكير والتدبر. هنا تكمن التفاهة في الانحطاط في العقول. ويبرز أمامي تساؤل مهم: كم من مأساة يجب أن تحدث كي ندرك أن الوطن يجب ألا يساق من خلال هذه العقول ونحن نتفرج؟
إذن، يمكن القول إنه لا يمكن فهم مفهوم التفاهة بعيدًا عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إذ إن هذا الواقع يبرز سلوكيات وممارسات تتسم بالتفاهة، والتي تمثل امتدادًا لذلك الواقع السلبي. فحركية المجتمع، سواء كانت فوضى، خمود، أو تنظيم، ترتبط بشكل وثيق بنظام التفاهة من خلال انتشار عقول وأفكار تتسم بالسطحية. فالتفاهة في المجتمعات الغربية ليست مرتبطة بالتفكير أو حل المشكلات كما هو الحال في مجتمعاتنا، بل هي اهتمام بالمواضيع السطحية نتيجة لحالات الترف التي تترتب على وجود اقتصاد مزدهر ونظام رفاه اجتماعي. وقد نتج عن ذلك مجتمع استهلاكي، حيث تعتبر التفاهة أداة من أدوات الهيمنة وفرض المصالح. بينما في المجتمعات العربية، خاصة المتأزمة، تعد التفاهة نتيجة حتمية للجهل الذي يتجلى في انعدام التفكير والتدبر، مما يعكس تحديات أعمق تتعلق بالوعي.
ليس غريبًا، إذن، في ظل هذه الأرضية التي نشأت فيها مشاكل سوء التعليم والجهل، أن تظهر وتتعاظم مشكلة التفاهة في المجتمعات المتأزمة، مما يؤدي إلى بروز شخصيات تتسم بالسطحية. كما يساهم الشعور باليأس والإحباط في زيادة الانجذاب نحو تلك الشخصيات التافهة. والحقيقة أن تجاوز هذه المرحلة وما تتضمنه من حالات تخلف ليس أمرًا سهلاً، ولا يمكن تحقيقه دون حدوث مشكلات أو احتكاكات.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء
- كليات التربية في الجامعات الليبية: التحديات المستمرة والحاجة ...
- خطاب إلى مجموعة التفكير العلمي في ليبيا: دعوة جادة لتحمل الم ...
- الخلافات المفاهيمية وتأثيرها على بناء الدولة الليبية بعد عام ...
- هيمنة المسؤولون والفخر الزائف
- المبعوثون الأمميون في ليبيا: بين الأمل والإخفاق في صراع الجم ...
- إلى أين تتجه ليبيا بين متناقضات الفوضى والأمل؟
- التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإكراهات الغفلة والعفن وهبال ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- مدينة الأصابعة والبحث عن الحقيقة المخبأة
- الاعتماد وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي العربية : من ...
- الأفكار ودورها في تأصيل نباهة الاستحمار
- قراءة نقدية لورشة عمل بعنوان -تطوير أساليب وطرق منهجية البحث ...
- صوت النخبة نحو إعادة التأثير في الشأن العام الليبي
- قراءة نقدية لكتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل الس ...
- إعادة هيكلية التعليم العالي الخاصة في ليبيا - الإكراهات ومقت ...


المزيد.....




- لأول مرة في تاريخ كولومبيا.. رئيس سابق يُدان بارتكاب جريمة
- ترامب يُكذّب الأنباء عن قمة مع الرئيس الصيني ويشترط دعوة رسم ...
- بعد السويداء.. ما هو مستقبل اتفاق الأكراد ودمشق وسلاح قسد؟
- ألمانيا: اتحاد التعليم يدعو لتدريس الدين الإسلامي بجميع المد ...
- هل سيكون لليث البلعوس دور في الحد من نفوذ الهجري؟
- شاهد.. بردغجي يسجّل هدفه الأول مع برشلونة ويحتفل بطريقة -لوف ...
- تطبيق -بت شات- قاتل -واتساب- يصل رسميا للهواتف
- انهيارات أرضية وفيضانات مميتة بالصين تجبر 80 ألفًا على الإخل ...
- مسؤولون أوكرانيون: 16 قتيلا على الأقل بهجوم روسي على سجن في ...
- نيويورك: مقتل خمسة أشخاص بينهم شرطي في إطلاق نار بمانهاتن


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين سالم مرجين - التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأزمة