أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا















المزيد.....

مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 23:36
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


على الرغم من كثرة اللقاءات والمؤتمرات والندوات العلمية التي تُعقد حول التعليم في ليبيا خلال مرحلة ما بعد 2011م، والتي تؤكد معظم مخرجات هذه الفعاليات على أهمية وجود مشروع نهضوي في التعليم بمراحله كافة، إلا أننا لا نزال لا ندري حتى الآن ما وجهة التعليم وإلى أين يقودنا. بالتالي، سأحرص في هذه المقالة على مناقشة متطلبات هذا المشروع وما يسعى لتحقيقه. فالكتابة في مثل هذه الموضوعات تُعتبر نافذة إلى الحرية، وطريقة لإزاحة القيود قليلاً من أجل تناول جرعات من الأمل. ولكل مقالٍ غاية، كما تعلمت أن القول إن لم يزد على عقل المرء فإنه من الفُضُول.
في الحقيقة، لا نريد مشاريع تكون مجرد احتفالات تبدو كالموالد، مثلما أطلقنا عليها "موالد سيدي الجودة"، حيث تكثر الفعاليات دون أثر حقيقي. تبدأ هذه الفعاليات بهرجة وتنتهي ببقايا تلك البهرجة. إن المشروع المطلوب تحقيقه في التعليم يتطلب بالضرورة أن يتم من خلال قنواته الحقيقية. فهو مثل الشجرة، يحتاج إلى تربة خصبة، أي بيئة سياسية واجتماعية ملائمة، مما يعني ضرورة وجود إرادة سياسية صادقة، فضلاً عن استقرار وأمن مستدام واستقرار إداري. كل ذلك يهدف إلى خلق مناخ مناسب لإنبات فكرة المشروع النهضوي وتطورها. كما أن الأمر يستدعي وجود رعاية مستمرة، أي المتابعة والدعم. وهذا يعني ببساطة أن الأمر لا يقتصر على وضع خطط أو الإعلان عن استراتيجية وطنية للتعليم، بل تبرز الحاجة إلى متابعة تنفيذها، وتوفير التمويل، وضمان وجود كوادر مؤهلة لإدارة العملية التعليمية.
علاوة على ذلك، يتطلب هذا المشروع مراجعة القوانين والتشريعات واللوائح، وهو ما يساهم في حماية المشروع من الآفات. فالمشروع النهضوي للتعليم يحتاج إلى قوانين تضمن استمراريته بعيدًا عن التدخلات والفساد أو القرارات المتسرعة. وفي بعض الأحيان، يتطلب الأمر الاستفادة من الممارسات أو الأفكار الجيدة، سواء الإقليمية أو العالمية، مع مراعاة الخصوصية الوطنية. فلا يجب أن يكون الاستيراد أعمى، بل ينبغي أن يكون إدماجًا ذكيًا. من المهم أيضًا تحديد ماهية المخرجات بناءً على خصائص يتم تحديدها مسبقًا، بحيث يكون الناتج النهائي جيلاً متعلماً، منتجاً للمعرفة، وقادراً على خدمة المجتمع ومؤسسات الدولة، وليس مجرد أعداد متزايدة من الخريجين بلا فعالية أو تأثير.
إذن، يمكن القول إن أي مشروع نهضوي للتعليم يشبه شجرة تحتاج إلى مجموعة من المتطلبات، حيث تعكس كل واحدة منها وظيفة محددة في دورة حياة المشروع. بالتالي، السؤال الجوهري الذي يقفز إلى الذهن هنا هو: ما هي تلك المتطلبات؟
يمكن تحديد المتطلبات دون الدخول في تفاصيلها، وفي عجالة يمكن تلخيصها في الآتي:
1. التربة الخصبة: وتعني وجود الإرادة السياسية والدعم اللازمين.
2. الغرس: وهو يعني وجود وثيقة أو استراتيجية للتعليم قابلة للنمو في تلك التربة، والتي تمثل بداية المشروع. في هذا السياق، ينبغي مراعاة نوعية الشجرة، أي ضرورة الانسجام مع البيئة المحلية مقابل تجنب هشاشة الأفكار المستوردة.
3. الرعاية والحماية : وهي مرحلة مراجعة القوانين والتشريعات لتوفير الحماية والتمويل اللازمين للمشروع.
4. التطعيم : وهي مرحلة إدماج الأفكار النافعة من الخارج، وهي أفكار وممارسات تم تجريبها في دول إقليمية ودولية. يهدف التطعيم إلى تجديد الدماء وإغناء المشروع النهضوي.
5. التقليم : وهي مرحلة مراجعة وتصحيح للمشروع تتم بشكل دوري ومستمر. ويُعبر هنا التقليم (قص الأغصان غير النافعة) عن المراجعة والتقويم وتصحيح الانحرافات التي قد تشوّه المشروع أو تثقله.
6. حرث التربة: وهي الحاجة إلى تجديد دعم القيادة السياسية للمشروع النهضوي، وليس مجرد أقوال بدون أفعال. في الزراعة، الحرث يعني تقليب التربة وتجديدها حتى لا تصبح متصلبة، مما يساعد الجذور على الاستفادة أكثر من الماء والسماد. في المشروع النهضوي، يشير ذلك إلى إعادة تحريك البيئة الاجتماعية والسياسية والفكرية بين الحين والآخر، حتى لا تتحول إلى بيئة جامدة تُعيق النمو، وضمان أن المشروع يبقى متجدداً ومتغذياً من المجتمع مباشرة . وهذه الجزئية غاية في الأهمية لضمان استدامة دعم المشروع.
7. الإثمار: وهي مرحلة المخرجات، أي الحاجة إلى وجود جيل منتج ومعارف مستدامة، يتمثل في جيل متعلم، ناقد، ومنتج للمعرفة.
هذه في عجالة أهم متطلبات المشروع النهضوي للتعليم. إن الاسترسال في الحديث حول شرح متطلبات هذا المشروع وقدرتها على توضيح أهميته أمر مهم، ولكنني رأيت الاكتفاء بهذا القدر. بالتالي، ربما يكون القارئ قد أدرك من السرد السابق أن المشروع النهضوي للتعليم يمكن اعتباره تشبيهاً بدورة حياة كاملة للشجرة، حيث لا يتحول المشروع إلى كيان جامد، بل يصبح كائناً حياً ينمو ويتجدد باستمرار.
كذلك من المهم أن نشير إلى أنه ليس كل مشروع تعليمي قابل للتنفيذ في المجتمع. فبعض الأشجار، بطبيعتها، تنسجم مع التربة والبيئة المحلية، بحيث تكون أقل تكلفة في الرعاية وأكثر استدامة. بالمقابل، هناك أشجار مستوردة، غريبة عن البيئة، لا تنمو بشكل طبيعي إلا داخل بيت زجاجي مع عناية اصطناعية. إذا خرجت من هذا السياق، فإنها تموت، لأنها ليست ابنة البيئة. بالتالي، إذا كانت الأفكار والمشاريع النهضوية مُنبَتّة عن البيئة والمجتمع المحلي، فإنها تبقى حبيسة "بيت زجاجي"، أي أنها إرغامات خارجية أو مفروضة من السلطة أو ممولة خارجيًا. وتستمر فقط ما دام الدعم موجودًا أو السلطة باقية. ومجرد زوال ظروف الدعم أو القسر، تنهار هذه المشاريع، لأنها لم تتجذر أو يترسخ في ثقافة الناس وواقعهم.
على النقيض، إذا كانت الأفكار نابعة من البيئة نفسها، من ثقافة وقيم واحتياجات المجتمع، فإنها تكون أكثر قدرة على البقاء والتجدد ذاتيًا. وهكذا يتضح لنا من التحليل السابق أن المشاريع النهضوية التعليمية المستدامة لا تأتي بالفرض فقط، بل تنمو بشكل عضوي من داخل البيئة الاجتماعية والثقافية. كما أن المشاريع النهضوية عندما يؤمن بها المجتمع، تتحول إلى قوة دفع بالاتجاه الذي ينشده القائمون عليها. عموماً، يمكن القول إن أي بوصلة لا تشير إلى تلك المتطلبات ستكون بوصلة فاقدة للنموذج المراد الوصول إليه، وبالتالي سيكون كل شيء هامدًا وكأنما ينتظر قدراً غامضًا.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة
- الحياة اليومية في المجتمع الليبي 1987- 1989 : قراءة نقدية لم ...
- مستقبل الأجيال في خطر: الفجوات التعليمية كنموذج
- جودة وضمانها في التعليم : إعادة بناء الثقافة كخطوة أساسية قب ...
- ما الذي ينقص ليبيا لتطوير تجربة تعليمية وطنية مشابهة للتجربة ...
- إعادة تشكيل العقل العربي بين المحاولات الفردية والهيمنة المع ...
- المشروع الوطني المفقود بين نظام القذافي والمجلس الوطني الانت ...
- القذافي والقضية الفلسطينية: شهادة عاطف أبوبكر
- العدوانية في الشخصية الليبية: سمة دائمة أم سلوك مكتسب؟
- التفاهة: بين السطحية والجهل لدى المسؤولين في المجتمعات المتأ ...
- استلهام قيم التنمية المستدامة من تجارب الأجداد والآباء
- كليات التربية في الجامعات الليبية: التحديات المستمرة والحاجة ...
- خطاب إلى مجموعة التفكير العلمي في ليبيا: دعوة جادة لتحمل الم ...
- الخلافات المفاهيمية وتأثيرها على بناء الدولة الليبية بعد عام ...
- هيمنة المسؤولون والفخر الزائف


المزيد.....




- فضل شاكر يسلم نفسه إلى مخابرات الجيش اللبناني
- كاميرا ترصد مُسيّرات روسية تضرب قطاري ركاب في أوكرانيا
- نعيم قاسم: حزب الله لم يرد على ضربات إسرائيل لمنعها من -التو ...
- هل التظاهرات في المغرب مرشحة للاستمرار؟
- الملابس المبتكرة تستقطب المزيد من الناس لأريحيتها واعتباراته ...
- حزب الله يحذر من -أخطار جسيمة- في خطة ترامب بشأن غزة
- 7 قتلى بهجوم على سجن في مقديشو تبنته حركة الشباب
- شاروخان يتصدر قائمة المليارديرات في بوليود.. كم تبلغ ثروته؟ ...
- غزة وجهة سياحية ضائعة بين البحر والتاريخ والركام
- يوم مفتوح للمساجد في ألمانيا يسعى للتعريف بالإسلام


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا