أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة














المزيد.....

ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 00:15
المحور: قضايا ثقافية
    


في التاريخ رجال يولدون مرّةً واحدة، ورجال يولدون كلما روت الأجيال سيرتهم. ومن بين أولئك الذين عادوا إلى الحياة بعد كل موتٍ صغير، يأتي اسم حسين ميزو مورتو، الرجل الذي حمل لقب "النصف ميّت" ولم يكن في الحقيقة إلا حياةً كاملةً تمشي على حافة البحر، تشقّ الأمواج وتجمع بين شجاعة القلب ونقاء الروح.هو ذلك الرجل الذي اختلف المؤرخون حول أصله:قيل إنه وُلد في جزيرة ميورقة الإسبانية لأسرة مسيحية ذات جذورٍ أندلسية، فاختار في شبابه أن يعود إلى جذوره الحقيقية، وأن يخلع عنه رداء التبعية ويعتنق الإسلام طوعًا، ثم يركب سفينة الجزائر بإرادته.وقيل إنه كان ذا أصولٍ إيطالية وقع أسيرًا في يد البحارة الجزائريين، فدهشته معاملة لم يتوقعها، ووجد في الجزائر صدراً رحباً لا يفرّق بين من جاء بالسيف ومن جاء بالسلام، فأشهر إسلامه وغيّر اسمه إلى حسين، وصار واحدًا من رجال الأسطول الذين يخوضون البحر كما يخوض الفرسان ميادينهم.لكن الحقيقة الأعمق أن هذا الرجل لم يُولد من جغرافيا بعينها، بل وُلد من البحر نفسه؛ من هديره، من جبروته، من ذاك السحر الذي يصنع الرجال ثم يمتحنهم.في القرن السابع عشر، حين كانت أسماء البحارة الجزائريين تُرعب غرب المتوسط، وحين كانت سفنهم تُحدث اضطرابًا في ليل أوروبا، انتمى حسين إلى هذا العالم المحموم بالبطولة.منذ انضمامه للأسطول عام 1674، عاش بين الرجال الذين علّموه أن البحر ليس طريقًا للغنيمة فقط، بل ساحةً تُقاس فيها قيمة الإنسان. كان حلم أي بحار أوروبي أن يقاتل على السفن الجزائرية، لكنه كان الوحيد الذي حمل روحه فوق كفّ الموج، وخرج من كل معركةٍ وقد كُتب على جبينه أنه لا يموت… بل يعود.وهكذا جاء لقب "ميزو مورتو" – النصف ميّت.لم يُمنح له مجازًا، بل وُلد من جراحٍ ظلّت تنزف لتكتب على جسده فصولًا جديدة من الشجاعة. تلقّى ضربة سيفٍ مزّقت رأسه، وقذيفةً مزّقت ظهره، وفي كل مرة كان يُعدّ مع القتلى… ثم يفتح عينيه كأن الموت لم يخلق له. عاش بين الحياة والموت كما يعيش الضوء بين البحر والسماء، لا يرى الناس إلا النتيجة، أما السرّ فكان في صموده الذي يتحدى شراسة المعارك.لم تكن بطولته صليل سيوفٍ فقط، بل أخلاقٌ تسبق الرمح، وعفّةُ مقاتلٍ لا يقتل إلا دفاعًا، ولا يقود إلا بشرفٍ يليق بالبحارة الذين جعلوا من الجزائر قلعةً بحريةً لا تُقهر. هذا الرجل الذي جاء غريبًا إلى البلاد، صار جزءًا من ذاكرة الأمة، وصار البحر الذي أحبه شاهدًا عليه، وسيفه الذي لم يلوثه الغدر دليلاً على نقاء قلبه.ومات حسين أخيرًا، لكن موته لم يكن نهاية، بل كان إعادةً لطرح السؤال الأزلي على الأمة:
كيف لرجلٍ جاء من بعيد، من أرضٍ ليست أرضه، أن يفهم معنى الرجولة والولاء أكثر ممّن وُلدوا عليه؟..علمنا ميزو مورتو أن البطولة ليست دمًا يُورَّث، ولا نسبًا يُعلَّق فوق الجدران، بل هي موقف، وانتماء، ولحظة صدقٍ يقف فيها الإنسان أمام قدره.كان نصف ميّتٍ في الجسد، لكنه كان كامل الحياة في الروح…وكان غريبًا في الأصل، لكنه صار ابنًا شرعيًا للبحر وللجزائر التي أحبّها حتى الرمق الأخير.
إننا حين نكتب عنه اليوم، فإننا نكتب عن رجلٍ أدرك معنى أن تكون حرًا… حتى لو طاردتك كل سيوف الدنيا.نكتب عنه لأن الأمة بحاجةٍ دائمة إلى من يذكّرها بأن الرجولة لا تُشترى، وأن البطولة ليست صدى الماضي بل قيمةٌ تُصنع في كل لحظة، كلما وقف رجلٌ واحد في وجه مصيره وقال:
لن أموت… إلا واقفًا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الألم كائنٌ في داخلي
- فنانٌ في زمن الجمال… سعدون جابر ومأساة الحقيقة في زمن الضجيج
- -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة


المزيد.....




- بايدن يوجه -نصيحة- إلى الأشخاص -الذين يشعرون بالإحباط- من تر ...
- بعد فشله في نيل نوبل.. ترامب يظفر بالنسخة الأولى من جائزة -ف ...
- الرئيس اللبناني يؤكد أن لا تراجع عن التفاوض مع إسرائيل
- تعرف على ما جرى في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن
- تعرف على أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف حرب غزة
- هل يتكرر سيناريو الفاشر في بابنوسة؟
- فرنسا تفتح تحقيقا بعد رصد مسيرات فوق قاعدة تابعة لقوة الردع ...
- علماء يعلنون عن -اكتشاف استثنائي- لمئات التماثيل الجنائزية ف ...
- أفريكا ريبورت: اتفاق الكونغو ورواندا موقَّع بالأيدي لا بالقل ...
- غزة مباشر.. الاحتلال ينسف مباني بالقطاع والداخلية تدعو أفراد ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ميزو مورتو… النصف ميّت الذي أعاد للبحر معنى الرجولة