أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - لماذا لا تزال الجامعات العربية نصف جامعات














المزيد.....

لماذا لا تزال الجامعات العربية نصف جامعات


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 08:24
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


كثيرًا ما طرحت سؤالًا يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه عميق في دلالاته : ماذا لو افتُتح فرع لجامعة عالمية مصنفة ضمن أفضل عشر جامعات في العالم داخل دولة عربية، مع الالتزام بنفس المعايير الأكاديمية ونفس أعضاء هيئة التدريس؟ هل ستكون مخرجات هذا الفرع مماثلة لمخرجات الجامعة الأم؟
الإجابة الأقرب إلى الواقع هي : لا. ليس لأن الجامعة ذاتها قد تخلّت عن معاييرها، بل لأن البيئة المحيطة ليست متطابقة. فالتعليم لا يتعلق فقط بما يحدث داخل أسوار الجامعة؛ بل يتأثر، بشكل مباشر وعميق، بالبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيش فيها الطالب ويتفاعل معها.
وهذا يفسّر الظاهرة اللافتة: بعض الجامعات العربية لا تحقق كامل المستهدف محليًا، بينما يبدع خريجوها عندما ينتقلون إلى بيئات أخرى أكثر استقرارًا وتنظيمًا ودعمًا للإبداع. الأمثلة على ذلك عديدة، وتشير كلّها إلى أن المشكلة ليست في القدرات البشرية بقدر ما هي في سياق الأداء.
هنا يتبادر إلى ذهني مفهوم المفكر مالك بن نبي عن "نصف الإنسان" الذي يطالب بحقوقه دون أن يقوم بواجباته. إذا أسقطنا هذا المفهوم على مؤسساتنا التعليمية، يمكن القول إن كثيرًا من جامعاتنا ما تزال "نصف جامعات": تمتلك جزءًا من الوظائف الأكاديمية، لكنها لا تؤدي وظائفها المجتمعية والبحثية والتنموية بشكل متكامل. فالجامعة ليست مجرد مبنى وبرامج تدريس؛ بل هي منظومة تتطلب بيئة حاضنة تُكمل دورها وتمنحها شروط النجاح.
عندما أستخدم تعبير "نصف الجامعات"، لا أشير إلى نقص في المباني أو المناهج أو أعضاء هيئة التدريس، بل إلى غياب الدور الضروري الذي ينبغي أن تؤديه الجامعة خارج أسوارها. فالجامعة الحقيقية ليست مصنعًا للشهادات، بل فاعلًا مركزيًا في تشكيل وبناء السياسات العامة، وصناعة المعرفة، وإنتاج الحلول، وقيادة النقاش المجتمعي. وهذا الدور، تحديدًا الجزء المتعلق بالتفاعل خارج الأسوار، يكاد يكون غائبًا في معظم الجامعات العربية.
فالبحوث والدراسات، التي يُفترض أن تكون أدوات لتوجيه القرار العام، لا تزال حبيسة المكتبات والمجلات الأكاديمية. تُنشر هذه الدراسات والبحوث لتلبية متطلبات الترقية العلمية أكثر مما تُنجز استجابةً لاحتياجات المجتمع. وبالتالي، تفقد الجامعة وظيفتها كمختبر للتفكير الجمعي، وتتحوّل إلى مؤسسة تجمع الأوراق بدلاً من الأفكار.
ولعلّ المفارقة الأوضح هي أن معظم الجامعات العربية تعتمد كليًا على ميزانيات الدولة. فهي، في بنيتها المالية والإدارية، تشبه الخريج العاطل الذي ينتظر منحة شهرية من والده، بدلًا من أن تستثمر إمكاناتها العلمية والمعرفية لبناء استقلاليتها وتصبح قوة إنتاج معرفي واقتصادي. هذا الارتباط المالي يعمّق حالة الاعتماد، ويدفع الجامعة إلى موقع المتلقي بدل الفاعل.
وتبقى المفارقة الأكثر حساسية في البعد السياسي: فوجود "جامعة كاملة" يتطلب بالضرورة حرية أكاديمية، وتعدّدية فكرية، ومساحة للاختلاف. وهذه الشروط قد لا تنسجم مع الأجواء السياسية في كثير من دول المنطقة. لذا يصبح بقاء الجامعات في حالة "نصف جامعة" نتيجة طبيعية — وربما مقصودة — ما دامت الأدوار محددة مسبقًا، وما دامت السياسات التعليمية تضبط سقف الحركة الفكرية ولا تسمح للجامعة بأداء وظائفها التغييرية. بالتالي تؤدي هذه الظروف إلى انفصال الجامعات عن المجتمع، وترتفع بينها وبين محيطها أسوار عالية، أسوار معنوية تحول دون تأثيرها في الحاضر أو مشاركتها في صياغة المستقبل. وفي ظل هذه الأسوار، يستمر إنتاج شهادات بلا أفكار، وخريجين بلا أدوات، وبحوث بلا أثر.
لكي ننتقل من جامعات ناقصة الوظيفة إلى جامعات متكاملة بمعايير الجودة العالمية، لا يكفي تحسين المناهج أو تحديث القاعات أو استقطاب الأساتذة. المسألة تتطلب إرادة سياسية حقيقية تعيد تعريف موقع الجامعة داخل الدولة، وتمنحها القدرة على ممارسة دورها المجتمعي بشكل كامل لا مجتزأ.
التجارب الدولية التي حققت نهضة معرفية واقتصادية، مثل ماليزيا وتركيا، لا تستند إلى استيراد جامعات أجنبية أو استنساخ نماذج جاهزة، بل إلى تحرير الجامعات الوطنية من عزلتها، ودفعها للانخراط في المجتمع كجزء من ماكينة صنع القرار. في تلك الدول، لم تكن الجامعة مجرد مؤسسة تمنح الشهادات، بل أصبحت فاعلًا فكريًا وتنمويًا له كلمة مسموعة في رسم السياسات العامة وتوجيه مسارات النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
في تلك الدول، لم تُعامَل البحوث كأوراق للترقية العلمية أو مواد للتباهي عند نشرها في منصات التصنيف العالمية، بل كأدوات معرفة تُستخدم في بناء المؤسسات، وتشخيص الإكراهات، وتقديم حلول عملية يمكن تحويلها إلى قرارات وتشريعات. وهكذا، تحولت الجامعة إلى شريك في التنمية، لا مستهلك للميزانيات، وإلى منتج للمعرفة لا خازن لها.
إن استعادة الجزء المفقود من وظائف الجامعات العربية —ذلك "النصف" الغائب— لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تصبح البيئة السياسية مستعدة لمنح الجامعة مساحة من الحرية، وللإقرار بدورها كجزء من توازن القوى المعرفي داخل المجتمع. فبدون هذا التحول، ستظل الجامعات مؤسسات تعليمية بالاسم، لكنها معطلة الوظيفة، لا تملك القدرة على تجاوز تدريس المناهج نحو صناعة الأفكار.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة التفكير في شكل ومضمون الإنتاج السوسيولوجي في ظل التحول ...
- لماذا نستمر في الكتابة في علم الاجتماع؟
- المقال السوسيولوجي كجرعة وعي: نحو علم اجتماع شعبي رقمي
- تعطيل النظام الاخلاقي الغربي في حرب غزة
- بين الجبال والمواقف: رحلة حياة جدتي البطولية
- الدكتورة ناديا حياصات……كما عرفتها
- جيل زد في المغرب: من إسقاط الأنظمة إلى تحسين حوكمة الأداء ال ...
- الكتابة العلمية : ممارسة فكرية حيوية تنبض بالحياة
- ثمن العلم... إلى أين؟
- الأخلاقيات في البحث العلمي والحياة الاجتماعية : ممارسة فعلية ...
- مقاربة الشجرة في بناء المشروع النهضوي للتعليم في ليبيا
- عامين من طوفان الأقصى : تحولات من الدائرة العربية المغلقة إل ...
- دعوة لتأسيس تصنيف عربي للباحثين المؤثرين
- القضية الفلسطينبة بعد الخطاب الإسرائيلي في الأمم المتحدة : ق ...
- استدعاء أنماط التحية في المجتمع الليبي : تجسيد الهوية الوطني ...
- مدينة ودان كنموذج للتماسك الاجتماعي في ظل الأزمات في ليبيا
- عملية طوفان الأقصى : ليست مجرد خاطرة أو تسمية عابرة
- الحياة اليومية في المجتمع الليبي 1987- 1989 : قراءة نقدية لم ...
- مستقبل الأجيال في خطر: الفجوات التعليمية كنموذج
- جودة وضمانها في التعليم : إعادة بناء الثقافة كخطوة أساسية قب ...


المزيد.....




- في محطته الثانية والأخيرة.. البابا لاوُن يشدد على الحاجة للو ...
- -يجب تغليظ العقوبة-.. علاء مبارك يعلق على جريمة التحرش بأطفا ...
- طفلك صعب الإرضاء بالطعام؟ ربما لديه سمات مميزة
- مباشر - الحرب في أوكرانيا: زيلينسكي في باريس لإجراء محادثات ...
- الاحتلال يعيد اقتحام طوباس شمال الضفة ويفرض حظرا للتجوّل
- جنوب أفريقيا ترفض قرار ترامب استبعادها من قمة العشرين القادم ...
- خوفا من وصولها لروسيا والصين.. أميركا تتحرك لاستعادة قنبلة م ...
- الأمن السوري يقبض على قائد -مليشيا الدفاع الوطني- بزمن الأسد ...
- دراسة: الوفيات الناجمة عن تغير المناخ تتضاعف في أفريقيا
- تقرير: خطة ترامب لغزة تتعثر.. لا جنود ولا التزامات


المزيد.....

- أساليب التعليم والتربية الحديثة / حسن صالح الشنكالي
- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - لماذا لا تزال الجامعات العربية نصف جامعات