أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح الإحتلال مرآةً لضمير العالم















المزيد.....

طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح الإحتلال مرآةً لضمير العالم


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 00:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

23 نوفمبر 2025

مقدمة

بين شهادات المناضلين وخرائط الذاكرة، تظلّ فلسطين المرآة الأصدق لزمنٍ يعيد إنتاج الظلم بثيابٍ جديدة. من ديزموند توتو إلى إيلان بابِيه، يتكشّف الوجه العاري للأبارتهايد الإسرائيلي، فيما يختبر الضمير الإنساني نفسه أمام جرحٍ لم يلتئم منذ 1948.
هذا النصّ ليس عن الماضي فقط، بل عن الحاضر الذي يرفض أن يتطهر من تاريخه.

شهادة من الضمير الإنساني

في مساءٍ بعيد من عام 2012، جلس المطران ديزموند توتو أمام الصحافي البريطاني ديفيد فروست في حديثٍ تلفزيوني لا يُنسى. بصوتٍ هادئٍ يقطر حزناً، قال: «ما رأيته في الضفة الغربية أسوأ، في نواحٍ كثيرة، من الأبارتهايد في جنوب أفريقيا».
لم تكن تلك مجرد جملة في حوارٍ سياسي، بل صرخة ضميرٍ عالمي صدرت عن رجلٍ خبر معنى الفصل العنصري، وعرف كيف يمكن أن تكون القوانين أدواتٍ للقهر، حين تتحول الدولة إلى جهازٍ للتمييز.

النكبة: البداية التي لم تنتهِ

منذ عام 1948، حين أقتُلعت القرى الفلسطينية من جذورها، لم تهدأ الأرض ولا ذاكرتها.
750 ألف فلسطيني تحوّلوا إلى لاجئين، وأكثر من 500 قرية وبلدة أُزيلت من الوجود، فيما قُتل 15 ألف إنسان في مجازرَ متفرقة.

تلك لم تكن حوادث حرب، بل ما وصفه المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابِيه في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» بأنه مشروعٌ منظم، صُمّم لإفراغ الأرض من سكانها الأصليين، وتحويل التاريخ إلى روايةٍ جديدة يكتبها المنتصر.

كانت الفكرة الموجهة بسيطة وقاسية: «أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض».
ومنذ تلك اللحظة، لم تعد فلسطين مجرد مكان، بل رمزٌ للذاكرة التي قاومت النسيان.


من الإحتلال إلى نظام الفصل العنصري

بعد أكثر من سبعين عاماً، ما زال الإحتلال قائماً، لا كقوةٍ عسكرية فحسب، بل كنظامٍ متكاملٍ من الأبارتهايد.
في الضفة الغربية، يُقسَّم البشر بين من يملك حرية الحركة ومن يُحاصر في مدينته، بين من تُفتح له المياه ومن تُقطع عنه، بين من يزرع أرضه ومن يُنتزع منها.

إنّ الحديث عن «نزاع» في هذا السياق تبسيطٌ مخلّ؛ فالنزاع يُفترض أن يكون بين طرفين متكافئين، بينما ما يحدث هو إستمرارٌ لهيمنة إستعمارية لم تتوقف يوماً.
لذلك، يصبح كل خطابٍ عن «السلام» لا يتضمن إنهاء الإحتلال والفصل العنصري، مجرد غطاءٍ أخلاقي لجريمةٍ سياسية.

العالم أمام مرآة فلسطين

اليوم، يعود السؤال الأخلاقي حول فلسطين إلى الواجهة، خصوصاً بعد حرب غزة وما تبعها من دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بإرتكاب جرائم إبادة جماعية.
في المقابل، يواصل الغرب تمجيد “الديمقراطية الإسرائيلية”، متجاهلاً أن الديمقراطية التي تُبنى على أنقاض شعبٍ آخر ليست سوى نظام إمتيازاتٍ عنصري بملامح ليبرالية.

لقد كشفت السنوات الأخيرة حدود الخطاب الغربي حول الحرية وحقوق الإنسان.
فما يُمنح لأوكرانيا من دعمٍ سياسي وعسكري يُحرم منه الفلسطينيون باسم “التوازن”، وكأنّ القانون الدولي يُطبَّق إنتقائياً حسب الجغرافيا والمصالح.

الضمير الإنساني في إختبارٍ دائم

تُذكّرنا كلمات ديزموند توتو بأنّ العدالة لا تتجزأ، وأنّ مقاومة الأبارتهايد في فلسطين ليست شأناً محلياً، بل جزءٌ من المعركة الأخلاقية ضد كل أشكال الإستعمار في العالم.
فالقضية الفلسطينية، في جوهرها، ليست فقط قضية أرضٍ محتلة، بل قضية الوعي البشري نفسه:
هل ما زال العالم قادراً على أن يرى، بعد كل هذا الزمن، الفرق بين الجلاد والضحية؟

إنّ الذاكرة الفلسطينية لا تنام، لأنها ليست حنيناً إلى ماضٍ ضائع، بل سردية حاضرة تُعيد تعريف العدالة كل يوم.
وما لم يُكسر هذا النسق الإستعماري بكل رموزه السياسية والثقافية والعسكرية، سيبقى “السلام” كلمةً معلقة في الهواء — جميلة في اللفظ، خالية من المعنى.

🟩 الخاتمة

فلسطين ليست مجرد صراع على الأرض، بل محك للضمير الإنساني والعدالة العالمية. ما لم يُعالج الإحتلال والفصل العنصري على أساس تاريخي وأخلاقي، ستظل كل المبادرات الدبلوماسية شعارات فارغة، والذاكرة الفلسطينية مستمرة في التأكيد أن العدالة ليست خياراً بل واجباً.
إن قراءة التاريخ الفلسطيني بصدق، والإستماع إلى شهادات الضمير العالمي، هي الخطوة الأولى نحو أي حل يضمن الحرية والكرامة لشعبٍ ظلّ يُحاصر منذ سبعين عاماً.

*****


هوامش

🔹 ديزموند توتو Desmond Tutu (1931–2021)

رجل دين أنغليكاني ومناضل جنوب إفريقي حائز على جائزة نوبل للسلام (1984).
إشتهر بدوره القيادي في مقاومة نظام الفصل العنصري في بلاده، ثم أصبح من أبرز الأصوات الأخلاقية في العالم المدافعة عن العدالة وحقوق الإنسان.
بعد زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2012، صرّح بأن ما شاهده في الضفة الغربية هو «أسوأ في نواحٍ كثيرة من الأبارتهايد في جنوب أفريقيا»، داعيًا إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها حتى إنهاء الإحتلال.

🔹 إيلان بابِيه (Ilan Pappé)

مؤرخ إسرائيلي من مواليد 1954، يُعد من أبرز مؤرخي “التيار الجديد” في إسرائيل.
يُعرف بعمله على تفكيك الرواية الصهيونية الرسمية حول تأسيس دولة إسرائيل.
من أهم مؤلفاته كتاب «التطهير العرقي في فلسطين» (2006)، الذي يوثّق بالخرائط والشهادات والوثائق الإسرائيلية الرسمية عمليات التهجير القسري والتدمير المنهجي للقرى الفلسطينية عام 1948.
يعمل حاليًا في جامعة إكستر البريطانية، ويواصل الدفاع عن حق الفلسطينيين في العدالة والعودة.
*****

مراجع

1) When Desmond Tutu stood up for the rights of Palestinians, he could not be ignored
McGreal
30 Dec 2021

2) Desmond Tutu to Haaretz: This Is My Plea to the People of Israel

3) Desmond Tutu: ‘Israeli Apartheid worse than South Africa’
Middle East Eye

4) Anti-apartheid icon Archbishop Tutu dies. Here is what he said about Israel-Palestine

Middle East Eye



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
- طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
- ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات ال ...
- ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
- طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن ...
- طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل ...
- ألكسندر دوغين - لماذا تحتاج روسيا إلى إنترنت سيادي؟
- طوفان الأقصى 774 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - 3-3
- طوفان الأقصى 773 - مراجعة لكتاب الغد كان بالأمس - الجزء 2-3
- طوفان الأقصى 772 - مراجعة لكتاب -الغد كان بالأمس: الحياة وال ...
- طوفان الأقصى 771 - تغيّر بوصلة الغضب في الشرق الأوسط: قراءة ...
- طوفان الأقصى 770 - السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر ...
- طوفان الأقصى 769 - خطوة إلى الأمام... خطوتان إلى الوراء: قرا ...
- طوفان الأقصى 768 - إيران وتوقيت العودة إلى التخصيب: إستراتيج ...
- طوفان الأقصى 767 - حرب متعددة الأبعاد: كيف يستخدم نتنياهو ال ...
- طوفان الأقصى 766 - نتنياهو يزرع الفوضى... في بحثٍ محموم عن ح ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 7 والأخير - لماذ ...
- طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقد ...
- بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السي ...


المزيد.....




- بعد تسمم إثر تناول -فطر بري-.. حكم قضائي لفصل أطفال عن والدي ...
- الإعلان عن -تقدّم جيّد- في محادثات جنيف.. وترامب يتحدّث عن - ...
- إسرائيل تؤكد مقتل رئيس أركان حزب الله في قلب بيروت
- انقسام داخلي وحكومة معزولة في فرنسا بعد التصويت على الموازنة ...
- بنغلاديش تطالب الهند مجددا بتسليم الشيخة حسينة بعد الحكم بإع ...
- قمة العشرين تختتم أعمالها بأجندة لإصلاح النظام الدولي ورسائل ...
- العراق - خمسة أحزاب سنية توحد صفوفها بعد الانتخابات
- يوسف هزيمة: -إسرائيل تسعى الى اتفاق سياسي مع لبنان-
- أوكرانيا: تعديلات أوروبية على الخطة الأمريكية وروبيو يشيد بـ ...
- وفد من حماس يبحث بالقاهرة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح الإحتلال مرآةً لضمير العالم