|
|
طوفان الأقصى 770 - السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر للقطب الشمالي
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 21:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
15 نوفمبر 2025
مقدمة
تطرح مقالة ميخائيل بيرنوفسكي قراءات إستراتيجية متشابكة لتقاطع أمن إقليمي، ديناميات لوجستية دولية، وتحوّلات جيو-إقتصادية طويلة المدى. كما يوضح المؤلف، فإنّ «ثلاثة أخبار حديثة تدفعنا إلى إعادة النظر في اللوجستيات العالمية من منظور المصالح الوطنية الروسية»: تهدئة غير مستقرة بين إسرائيل وحماس، مرور أول حاوية كبيرة عبر الممر البحري الشمالي من ميناء نينغبو الصيني إلى أوروبا، وطلب الولايات المتحدة عدة كاسحات جليد من شركات فنلندية. هذه الأخبار — كما يكتب بيرنوفسكي — «تتيح التفكير الجاد في آفاق التنافس بين شركات اللوجستيات العالمية» وتعيد رسم أولويات الإستثمارات والبنى التحتية.
1. السياق العام: تقاطعات سياسية ولوجستية
يؤكّد النص أنّ التهدئة في الشرق الأوسط «تفتح آفاق فتح الملاحة البحرية كاملة النطاق عبر البحر الأحمر»، وهو أمر قد يُعيد توجيه جزء من حركة الحاويات التي كانت تلجأ سابقًا إلى طرق أطول مثل رأس الرجاء الصالح. في مقابل ذلك، يذكر بيرنوفسكي مرور حاوية صينية عبر الممر الشمالي وإبرام الولايات المتحدة عقودًا لكاسحات جليد — مؤشرات متزامنة على أن اللاعبين الكبار يختبرون بدائل لخطوط الملاحة التقليدية.
بصياغة الكاتب: «هذه الرسائل بالذات تتيح التفكير الجاد في آفاق التنافس بين شركات اللوجستيات العالمية، إذ إن جزءاً من الحاويات كان مضطراً للتوجه إلى أوروبا عبر رأس الرجاء الصالح، ولكن مع إزالة العوائق أمام المرور إلى قناة السويس... فقد يفقد ممر النقل العابر للقطب الشمالي جزءاً من حجم الحركة المحتمل على المدى المتوسط.» هذا التشخيص يضعنا أمام سؤال مركزي: هل يتحوّل الممر الشمالي من طريق عبور إلى محور إنتاجي ومصدرا للموارد؟
2. التفاعلات بين الشرق الأوسط والقطب الشمالي: من نافذة لوجستية إلى نافذة تنافسية
يراهن بيرنوفسكي على أن عدم الإستقرار في الشرق الأوسط «يرفع إستراتيجياً فرص القطب الشمالي»، لأن المخاطر المتكررة قد تُضعف الإعتماد على ممرات جنوبية مرنة. في هذا الإطار، هناك قراءة مزدوجة:
من جانبٍ أول، أي تهدئة في قناة السويس أو البحر الأحمر يمكن أن تُجهض جزءًا من الحافز للإنتقال إلى الممر الشمالي على المدى القصير والمتوسط.
من جانبٍ آخر، يستمر الإقبال على تطوير القدرات القطبية كخطة طوارئ وإستراتيجية طويلة المدى، خصوصًا مع تكثيف الدول الكبرى تحرّكاتها في المنطقة القطبية: «توزيع قدرات كاسحات الجليد والموانئ... يشير إلى نوايا جادة تتمتع بها القوى العالمية تجاه إستغلال القطب الشمالي على مدى العقود القادمة.»
هذا التناقض ليس تناقضًا في النوايا بقدر ما هو تعديل للمسارات الزمنية: القدرة على تشغيل الممر الشمالي تجريبيًا أو جزئياً تبقى أداة تفاوض جيوستراتيجي مهمة حتى لو بقيت الحصص السوقية محدودة الآن.
3. تحويل الممر الشمالي من ممر عبور إلى منطقة إنتاجية: عناصر البنية التحتية المطلوبة
يعرض بيرنوفسكي قائمة مُفصّلة بمتطلبات بنى تحتية تجعل من الممر الشمالي أكثر من طريق للعبور: "إنشاء أسطول لتجريف القاع وبناء البنية التحتية الساحلية... بناء موانئ عالية القدرة لإعادة تصدير الشحنات من البحري إلى النهري... بناء مجمعات شحن جوية، مطارات ومدارج... تشكيل منشآت بنية تحتية طاقية... إنشاء كاسحات جليد جديدة... توسيع مسارات السكك الحديدية... تنظيم اتصال فضائي موثوق...".
كل بند في هذه القائمة يحمل تداعيات إقتصادية وسياسية هائلة. فمثلاً، إنشاء موانئ لإعادة الشحن وتحويل الممر الشمالي إلى محور تجاري ـ صناعي يتطلب إستثمارات ضخمة، سياسات جذب للمستثمرين، وإطارًا جمركيًا مشجّعًا. يوضّح النص أن «أساس تخطيط البنية التحتية... هي نقاط توليد قاعدة الشحن حسب أنواع النقل: السكك الحديدية، السيارات، الطيران، خطوط الأنابيب، النقل المائي الداخلي.» هذا يصف فعليًا مشروعًا مُنتَظَمًا متعدد الوسائط — أكثر طموحًا من مجرد تسهيل عبور السفن.
4. المتغيرات الدولية: الصين، بيلاروسيا، والهند
يصف النص "الطابع الدولي لممر النقل العابر للقطب الشمالي يحدد المشاركة الحالية للصين وبيلاروسيا في المشاريع"، في حين أن «جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، بما في ذلك الهند، لا تُعتبر بعد كموردين أو متلقين أو مرسلين كبِر للشحنات.»
يمكن قراءة ذلك على أن الممر الشمالي اليوم ما زال يحوز على جاذبية مُحدّدة لدى الشركاء الذين يمتلكون نية إستراتيجية (الصين) أو حاجة لبدائل (بيلاروسيا)، بينما لا تزال الأسواق الكبيرة في الجنوب غير مرتبطة كليًا بالممر. لذا فإن سعة التبنّي التجاري للممر تعتمد على قدرة روسيا وشركائها على خلق روابط لوجستية فعّالة تقنع اللاعبين في جنوب وشرق آسيا بتوجيه تدفقاتهم عبر الشمال.
5. الجدوى الفنية والإقتصادية: مؤشرات إيجابية لكنها ليست قاطعة
يستهدف بيرنوفسكي التخفيف من الشكوك حول الجدوى التقنية عبر ملاحظة: "أظهر مرور الحاوية الصينية الذي إنتهى مؤخراً أن المشكلات التقنية الرئيسية لـ«طريق الجليد» قد حُلّت. خرجت روسيا والصين إلى نقل عالي التقنية بإستخدام أسطول كاسحات الجليد." ومع ذلك، يُشير المؤلف إلى أن الإستثمارات الأجنبية المنهجية في البنية التحتية الروسية تبدو محدودة الآن وأن التركيز غالبًا ما يكون على "ما يمكن حمله معهم" — أي الأسطول والمعدات.
هذا يُنبّه إلى أن قدرة الممر الشمالي على منافسة طرق الشحن الطويلة التقليدية تعتمد على عوامل كثيرة: تقليل زمن العبور، خفض التكاليف اللوجستية الإجمالية (بما في ذلك تأمين المخاطر القطبية)، وإستقرار السياسات الإقليمية (قواعد جمركية، حوافز إستثمارية، تأمين). أي خلل في أحد هذه المتغيرات قد يقلب المعادلة الإقتصادية.
6. إعتبارات أمنية وسياسية
يستدعي تطوير البنية القطبية مستوى عاليًا من التنسيق السياسي والدفاعي، ليس فقط لحماية الموانئ والأساطيل، بل لأن المنطقة ستتحوّل — وفق بيرنوفسكي — إلى "منطقة تعدينية، وربما معالجة على نطاق واسع." هذا يجعل من الضروري مواءمة السياسات الإقتصادية مع سياسات الأمن القومي، وإنشاء شبكات دعم للطوارئ، ومحطات إنقاذ متقدمة.
كما أن ثنائية "التهدئة / التصعيد" في مناطق مثل قناة السويس والبحر الأحمر تبقى عاملًا خارجيًا يغيّر إحتمالات السيناريوهات الإقتصادية للممر.
7. توصيات إستراتيجية مبنية على قراءة بيرنوفسكي
انطلاقًا من النقاط التي طرحها النص، يمكن إقتراح سلة من التوصيات الروسية والسياساتية: 1. إعداد نموذج مالي وقانوني واضح وجاذب: تنفيذ ما دعا إليه الرئيس الروسي بإنشاء "نموذج مالي وتنظيمي" لتطوير الممر الشمالي، يتضمن حوافز إستثمارية، نظامًا جمركيًا مبسّطًا، وضمانات بيئية وقانونية للمستثمرين. 2. التركيز على نقاط الربط متعددة الوسائط: بناء موانئ لإعادة التصدير، "موانئ جافة"، ومحطات قطار مرتبطة بشبكة ترانس-سيبيريا لتعزيز الموثوقية. 3. الإستثمار في القدرات التقنية والتشغيلية: أسطول كاسحات جليد، سفن تجريف، ومنشآت إنقاذ وإنذار مبكر، بالإضافة إلى بنية تكنولوجيا فضائية لإدارة الملاحة. 4. خلق شراكات تجريبية مع الصين وأسواق آسيوية محددة: العمل على حزم خدمات لوجستية تقلل الزمن والتكلفة مقارنة بالمسارات الجنوبية. 5. تنويع مصادر التمويل: مزج إستثمارات الدولة مع مشاركات خاصة دولية وإقليميّة، وإبتكار أدوات تمويل طويلة الأجل لمشروعات البنية التحتية القطبية. 6. التكامل بين قطاع التعدين واللوجستيات: وضع خطط تلائم تحويل الممر إلى محور إنتاجي يُلبي حاجة شركات التعدين والطاقة.
خاتمة
يقدّم ميخائيل بيرنوفسكي رؤية منطقية متسقة تجعل من التنافس العالمي على القطب الشمالي مسألة إستراتيجية تتعلق بتوازنات الإقتصاد والسياسة والأمن. كما يخلص إلى أن الممر الشمالي قد يتراجع كبديل لخطوط الجنوب إذا عادت الملاحة إلى مستوى طبيعي عبر قناة السويس والبحر الأحمر، لكنه سيبقى في الوقت نفسه مشروعًا إستراتيجياً ذا أولوية لروسيا لأن "لا أحد آخر لديه شيء مشابه" من حيث إطار التخطيط الإقليمي.
تؤكد هذه الدراسة على أن تحوّل الممر الشمالي من طريق عبور إلى محور إنتاجي يتطلب مزيجًا من الإستثمارات التقنية، بنى تحتية متعددة الوسائط، وإطارًا تنظيميًا وماليًا جاذبًا — وهي توصيات تتوافق تمامًا مع دعوات بيرنوفسكي وتوصياته التحليلية.
*****
المرجع ميخائيل بيرنوفسكي، "السلام في الشرق الأوسط وممر النقل العابر للقطب الشمالي" Global Affairs.ru، 31.10.2025. ميخائيل بيرنوفسكي، خبير روسي في السياسة التجارية والجمركية.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 769 - خطوة إلى الأمام... خطوتان إلى الوراء: قرا
...
-
طوفان الأقصى 768 - إيران وتوقيت العودة إلى التخصيب: إستراتيج
...
-
طوفان الأقصى 767 - حرب متعددة الأبعاد: كيف يستخدم نتنياهو ال
...
-
طوفان الأقصى 766 - نتنياهو يزرع الفوضى... في بحثٍ محموم عن ح
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 7 والأخير - لماذ
...
-
طوفان الأقصى 765 - النفط والماء... كيف تحاول تركيا ترسيخ أقد
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 6 - الشرعية السي
...
-
طوفان الأقصى 764 - واشنطن و«سوريا الجديدة»: بين إعادة التدوي
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 5 - ألكسندر سامس
...
-
طوفان الأقصى 763 - غزة وأوشفيتز: وجهان لعملة تاريخية واحدة
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 4 - عشرة أيام هز
...
-
طوفان الأقصى 762 - من الأسطورة إلى الإبادة: قراءة في كتاب «م
...
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 3 - مؤرخ روسي يق
...
-
طوفان الأقصى 761 - إغتيال القذافي: جريمة العصر
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى - الجزء 2 - أكتوبر غيّ
...
-
طوفان الأقصى 760 - إسرائيل تحت «القبّعة» الأميركية
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى 1 - أكتوبر العظيم
-
طوفان الأقصى 759 - هل يستطيع العراق أن يحلّ محلّ سوريا في من
...
-
ألكسندر دوغين - كيف تخطط روسيا لصدم الغرب؟
-
طوفان الأقصى 758 - غزة: هذه الأرض النازفة – مراجعة لرواية جو
...
المزيد.....
-
الحمل بأجنة متعددة.. ما مخاطره وما طرق علاجه؟
-
متظاهرون من السكان الأصليين يغلقون مدخل -كوب 30- للمطالبة با
...
-
اختبار -شاهد 161- العلني.. هل تبدأ إيران إعادة رسم ميزان الق
...
-
في حضرة خوفو وخفرع ومنقرع انطلاق النسخة الخامسة لمهرجان “للأ
...
-
الولايات المتحدة ودول عربية تطالب بالإسراع في تبني خطة ترامب
...
-
شركتان ترجحان احتجاز إيران ناقلة نفط قبالة سواحل الإمارات وو
...
-
عاجل| نيويورك تايمز عن مصادر مطلعة: ويتكوف يخطط للقاء خليل ا
...
-
من -سكيبيدي- إلى -6-7-.. لماذا يحير جيل ألفا آباءهم؟
-
ترامب يأمر بالتحقيق في علاقات إبستين مع بيل كلينتون
-
ميدفيديف ينتقد واشنطن ويتهمها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى
المزيد.....
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
المزيد.....
|