|
|
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى الجزء 3 - مؤرخ روسي يقارن الوضع الإقتصادي الحالي بعام 1917
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 14:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
6 نوفمبر 2025
في إطار مشروع «في الموضوع» على قناة «بيلتا» على موقع يوتيوب، قارن المؤرخ الروسي يفغيني سبيتسين الوضع الراهن في روسيا بما كان عليه الحال عام 1917.كان ذلك في مقابلة جرت في 18 مايو/أيار 2023 مع مراسل وكالة «بيلتا» مينسك.
ردًّا على سؤالٍ حول الفترة التاريخية التي يمكن مقارنتها بالمرحلة الحالية، قال سبيتسين: «لن أبدأ بالمقارنة السياسية، لأن السياسة – كما قال لينين، وكان محقًّا تمامًا – هي التعبير المركَّز عن الإقتصاد، أي إنها مشتقة منه. لذلك، فإنني أفضّل المقارنة مع عام 1917. فالأمر هو أن ستالين، في المدخل الموجز لتاريخ الحزب البلشفي (الفرع الروسي) – وكان حينها ليس مجرد محرر لهذا العمل بل مؤلفًا لعدد من فصوله – كتب بوضوح أن ثورة أكتوبر عام 1917 أنقذت روسيا من التحول النهائي إلى شبه مستعمرةٍ خاضعةٍ إقتصاديًا للدول العظمى الرأسمالية. ما أشدّ أهمية هذا القول اليوم!».
ثم أضاف سبيتسين منتقدًا بعض التيارات الفكرية المعاصرة: «لقد تكاثر عندنا اليوم عددٌ هائل من "أنصار القيصرية الزائفين" و"الأرثوذكس المزيّفين"، وهم في حقيقتهم أعداءٌ لدودون للفكر السوفياتي. ولهذا السبب تحديدًا، يصبّون على رؤوس المواطنين – وعلى عقولهم الهشّة – كمًّا هائلًا من التضليل والمعلومات الملفّقة عن “الإزدهار” المزعوم لروسيا القيصرية، ويزعمون أن الجميع كانوا يعيشون في بحبوحةٍ وراحةٍ كما لو تحت جناح المسيح! وهم يستندون في ذلك إلى كتابٍ بغيضٍ ومنحطٍّ تمامًا هو كتاب برازول*، الذي أُخرج من غبار النسيان بعد أن كُتب في عشرينيات القرن الماضي داخل أوساط المهاجرين الروس. هؤلاء يروّجون خرافاتٍ عن معدلات التنمية الإقتصادية، وعن إزدياد عدد السكان، وتحسن مستوى المعيشة، إلخ. وقد إنطلت هذه الأكاذيب لا على العامة فقط، بل على عددٍ غير قليل من المتعلمين أيضًا – خذ مثلًا تيخون شيفكونوف. غير أن كل هذه الأكاذيب البرازولية فُنِّدت منذ زمنٍ بعيد».
وفي سياق تفنيده لأطروحات برازول حول "إزدهار" روسيا القيصرية، أشار سبيتسين إلى ما كتبه المؤرخ السوفياتي المعروف أندريه أنفيموف: «في عام 1995، أي قبل عامٍ واحدٍ من وفاته، نشر المؤرخ السوفييتي البارز أندريه أنفيموف دراسةً صغيرة الحجم لكنها على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية بعنوان «روسيا في عهد نيقولا الثاني بالأرقام والوقائع». وقد قدّم فيها حقائق دامغة حول التطور الإقتصادي والإجتماعي لروسيا القيصرية مقارنةً بدول أوروبا الغربية والولايات المتحدة. لقد كنا متأخرين عنها في جميع المجالات، حرفيًا في كلّ شيء، وبفوارق مضاعفة، بل في بعض المجالات بعشرات المرات. وقد أثبت أن القطاعات الصناعية الأكثر تطورًا من الناحية التقنية – تلك التي يُقال إنها كانت تنمو بسرعة – كانت في الواقع تحت السيطرة شبه الكاملة لرأس المال الأجنبي: الألماني، والفرنسي، والبلجيكي، والبريطاني، وغيرهم. وليس بعيدًا أن نجد مثالًا واضحًا على ذلك في الإحتكار التام لشركة "نوبل"* لسوق النفط الروسي».
وأضاف سبيتسين موضحًا حجم السيطرة الأجنبية على الإقتصاد القيصري: «من بين أكبر عشرة بنوكٍ في روسيا، كان تسعة منها خاضعةً لسيطرة رأس المال الأجنبي. بل إن هذه البنوك كانت في الحقيقة فروعًا للبنوك العالمية الكبرى. فعلى سبيل المثال، كان "البنك الروسي-الآسيوي" في الواقع فرعًا لأحد المصارف الرئيسية التابعة لعائلة روتشيلد*، تلك العائلة التي ما تزال موجودةً حتى اليوم وتعمل وتزدهر. أما البنك الوحيد الكبير الذي كان تحت السيطرة الروسية، فكان هو "بنك الفولغا-كامَسْكِي"».
ثم تابع سبيتسين تحليله قائلًا: «حين تحدّث ستالين عام 1917 عن هذا الوضع، من دون أن تكون لديه تلك الحقائق التي كشفها المؤرخون لاحقًا بسنوات طويلة، فقد أصاب كبد الحقيقة تمامًا. بالفعل، كانت روسيا عشية ثورة أكتوبر على بُعد خطوةٍ واحدة فقط من التحول الكامل إلى شبه مستعمرةٍ للدول الصناعية المتقدمة، إلى شبه مستعمرةٍ لتصدير المواد الخام. ولولا تلك الثورة، لما وقعت حربٌ أهليةٌ واسعة النطاق، لأن الظروف الموضوعية لذلك لم تكن موجودة أصلاً. فإبتداءً من يناير 1918 بدأ، كما قال لينين، "الزحف المظفّر للسلطة السوفياتية". ففي غضون ثلاثة أشهر فقط – يناير وفبراير ومارس – إنتقلت السلطة في معظم أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة إلى أيدي مجالس السوفيات (المجالس). نعم، في بعض المناطق إستمرت حالة من الإزدواجية في السلطة، حيث وُجدت المجالس إلى جانب البلديات وهيئات أخرى، ولكن عملية التحول السوفياتي كانت تتقدم بخطى عملاقة. لقد بدأ الشعب البسيط يأخذ السلطة بيديه، وبدأت كل "طاهية" تتعلم إدارة الدولة من خلال المشاركة في أعمال هذه المجالس ولجانها التنفيذية. فكما قال لينين، يمكن تعليم كل طاهيةٍ إدارة الدولة عبر المشاركة في عمل مجالس السوفيات – ولم يكن يقصد أنهن سيحكمن فعلاً، بل أن الشعب بأسره سيشارك في الحكم».
*****
هوامش 1) يوري برازول هو كاتب ومهاجر روسي من أوساط النبلاء من أصول أوكرانية وبولندية، هاجر إلى أوروبا بعد الثورة البلشفية وظلّ يعتبر نفسه ممثلاً للتيار الملكي الروسي المعارض للبلاشفة، عُرف بميوله الملكية والمحافظة وبمؤلفاته المناهضة للبلاشفة، التي استُخدمت في الدعاية المعادية للسوفيات خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. 2) كتاب برازول هو مؤلف معادٍ لثورة أكتوبر الإشتراكية كتبه المهاجر الروسي يوري برازول في عشرينيات القرن العشرين، يقدّم فيه صورة مزيّفة عن "إزدهار" روسيا القيصرية ويحمّل البلاشفة مسؤولية إنهيارها، وقد حاول من خلاله تبرئة النظام القيصري من أزماته الإجتماعية والإقتصادية وإظهار روسيا ما قبل الثورة كـ"جنةٍ مفقودة" دمّرها البلاشفة. إعتمدت الدوائر المعادية للسوفيات لاحقاً على أطروحاته في الدعاية السياسية، غير أنّ المؤرخين السوفييت والروس المعاصرين أثبتوا زيف بياناته وتلاعبه بالمصادر الإحصائية خدمةً لأهداف أيديولوجية.
3) شركة نوبل للنفط ( Nobel Brothers Petroleum Company) كانت واحدة من أكبر الشركات النفطية في الإمبراطورية الروسية قبل الثورة البلشفية، وأُسست في سبعينيات القرن التاسع عشر على يد عائلة نوبل السويدية – وهي العائلة نفسها التي ينتمي إليها ألفريد نوبل مخترع الديناميت ومؤسس جائزة نوبل. مقر الشركة كان في مدينة باكو (حاليًا عاصمة أذربيجان)، التي كانت آنذاك المركز الرئيسي لإنتاج النفط في العالم. إمتلكت الشركة مصافي نفط ومرافئ وسفن نقل خاصة بها، وإحتكرت فعليًا إستخراج النفط وتكريره وتصديره من القوقاز إلى الأسواق الأوروبية.
بحلول مطلع القرن العشرين، أصبحت شركة نوبل للنفط تسيطر على نحو نصف إنتاج النفط الروسي، وكانت مثالًا على هيمنة رأس المال الأجنبي (السويدي–البريطاني) على القطاعات الإستراتيجية في الإقتصاد القيصري، وهو ما أشار إليه المؤرخ يفغيني سبيتسين عند مقارنته بين أوضاع عام 1917 والوضع الإقتصادي الراهن في روسيا. 4) عائلة روتشيلد لا تملك اليوم (ولا منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي) وجودًا مؤسسيًا أو مصرفيًا مباشرًا في روسيا. فبعد الثورة البلشفية عام 1917، صودرت جميع الممتلكات والبنوك والشركات التي كانت تحت سيطرة رأس المال الأجنبي، بما في ذلك تلك التي كانت لعائلة روتشيلد علاقات بها.
لكن تاريخيًا، قبل الثورة، كانت مصالح روتشيلد حاضرة في روسيا عبر الإستثمارات غير المباشرة، خصوصًا في قطاع النفط في باكو وتمويل السكك الحديدية، من خلال شركات أوروبية كانت تديرها العائلة في باريس ولندن، مثل Rothschild Frères (فرنسا) وN M Rothschild & Sons (بريطانيا).
أما اليوم، فوجود روتشيلد في روسيا هو مالي وإستشاري غير مباشر فقط، عبر شركات غربية متعددة الجنسيات أو صناديق إستثمارية لها علاقات مالية عالمية (بعضها تديره شركات يملك آل روتشيلد حصصًا فيها)، لكن ليس هناك بنك أو فرع يحمل اسم روتشيلد يعمل في روسيا رسميًا.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 761 - إغتيال القذافي: جريمة العصر
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى - الجزء 2 - أكتوبر غيّ
...
-
طوفان الأقصى 760 - إسرائيل تحت «القبّعة» الأميركية
-
بمناسبة ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى 1 - أكتوبر العظيم
-
طوفان الأقصى 759 - هل يستطيع العراق أن يحلّ محلّ سوريا في من
...
-
ألكسندر دوغين - كيف تخطط روسيا لصدم الغرب؟
-
طوفان الأقصى 758 - غزة: هذه الأرض النازفة – مراجعة لرواية جو
...
-
ألكسندر دوغين: «توماهوك، المقامرة النووية، ووداع ترامب لأمري
...
-
طوفان الأقصى 757 - لماذا يخاف ترامب من نتنياهو؟
-
ألكسندر دوغين: الصراع الأوكراني أشعله دعاة العولمة؛ وروسيا،
...
-
طوفان الأقصى 756 - غزة اليوم هي غيتو وارسو بالأمس
-
طوفان الأقصى 755 - غزة كما تراها روسيا: عن المعايير المزدوجة
...
-
ألكسندر دوغين - السيادة والحرب
-
طوفان الأقصى 754 - الإنسانية الإنتقائية: مقارنة بين حرب كوسو
...
-
ألكسندر دوغين - السيادة الفلسفية أساس إستقلال الدولة
-
طوفان الأقصى 753 - قبرص في لعبة الأمم
-
طوفان الأقصى 752 - صحيفة ديلي ميل: من -فندق حماس- إلى نفي ال
...
-
ألكسندر دوغين - اليابان “لنا”؟ موسكو أمام فرصة لإعادة ضبط ال
...
-
طوفان الأقصى 751 - ميكو بيليد: ابن الجنرال الذي تمرّد على أس
...
-
ألكسندر دوغين - الغرب المنقسم على ذاته: بين الليبرالية العال
...
المزيد.....
-
نانسي عجرم تسحر الجمهور في حفل حاشد في إندونيسيا
-
الجيش الإسرائيلي يُعلن بدء ضرب مواقع حزب الله في الجنوب اللب
...
-
سخرية ترامب من مسؤولين صينيين
-
-أنا استخبارات ولاك- كيف أدى تهديد رجل انتحل صفة أمنية لشرطي
...
-
-هل تضغط بريطانيا لوقف دور الإمارات المزعوم في الصراع الدائر
...
-
-الإعصار الأكثر فتكاً هذا العام-، كالمايغي يضرب وسط فيتنام ب
...
-
رسالة من حزب الله إلى الرئاسات الثلاث في لبنان: لا تفاوض سيا
...
-
بعد تقرير لـ -يورونيوز-.. الجيش الأمريكي يحذف إرشادات مثيرة
...
-
أنيق ومستوحى من الماضي السعيد.. ألمانيا تكشف عن قميصها الجدي
...
-
معارك ضارية بين القوات الروسية والأوكرانية في بوكروفسك وكييف
...
المزيد.....
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
المزيد.....
|