|
|
ألكسندر دوغين - اليابان “لنا”؟ موسكو أمام فرصة لإعادة ضبط العلاقات مع طوكيو
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 14:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ألكسندر دوغين فيلسوف روسي معاصر موقع تلفزيون تساريغراد
ترجمة وتحليل: د. زياد الزبيدي
27 أكتوبر 2025
تحليل في دلالات التحول المحافظ في اليابان وسياقاته الجيوسياسية
أولًا: حدث سياسي إستثنائي في المشهد الياباني
يشير المفكر والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، أحد أبرز منظّري "الأوراسية الجديدة" في روسيا، إلى أن إنتخاب سَناي تاكائتشي (Sanae Takaichi) كأول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في اليابان ليس مجرد واقعة إنتخابية داخلية، بل هو “عرض رمزي لإنهيار المنظومة الليبرالية العالمية” وبداية عودة اليابان إلى جذورها القومية ـ الإمبراطورية.
تُعد تاكائتشي شخصية محافظة متشددة، معروفة بمواقفها المؤيدة للقيم “التقليدية” (الأسرة، الدين، عبادة الإمبراطور، والهوية الوطنية)، ومعارضتها للهجرة والمثليّة والنسوية الراديكالية. بهذا المعنى، يُقدِّم دوغين إنتخابها بوصفه جزءًا من الثورة المحافظة العالمية التي يشهدها العالم منذ صعود دونالد ترامب، مرورًا ببريكس، وصولًا إلى الموجة المناهضة للعولمة الليبرالية في مختلف القارات.
ثانيًا: إنهيار النموذج الليبرالي في الخطاب الدوغيني
يرى دوغين أن الليبرالية ـ التي سيطرت على العالم منذ تسعينيات القرن العشرين ـ دخلت مرحلة “الإنهيار البنيوي”. فشعارات “نهاية التاريخ”، وحقوق الإنسان الفردية، والتعددية الثقافية، والحرية الجنسية، و"الوعي المائع" القائم على الهوية الفردانية، لم تعد قادرة على إقناع الشعوب.
ويُبرز الكاتب أن التحالف بين روسيا والصين والهند والعالم الإسلامي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية (تحت مظلة بريكس) يُمثل محور المقاومة العالمي ضد الهيمنة الليبرالية والغربية. ومن هذا المنظور، يأتي التحول الياباني بمثابة لحاقٍ متأخر بالمدّ العالمي المحافظ، حيث تستعيد اليابان، كما يقول، “روح الساموراي وإرث الإمبراطور”.
ثالثًا: تاكائتشي بين “ترامبية يابانية” وعودة الكهنوت الإمبراطوري
يصف دوغين رئيسة الوزراء الجديدة بأنها “امرأة تَرامبيّة” بالمعنى الأيديولوجي، إذ تدعو إلى:
•حظر الهجرة بشكل شبه كامل؛
•إعادة الإعتبار للزواج التقليدي والأسرة البطريركية؛
•إحياء الديانة الشنتوية وكهنوت الإمبراطور؛
•تمجيد ضحايا اليابان في الحرب العالمية الثانية دون الإعتذار للغرب.
كما يشير الكاتب إلى أن تاكائتشي تجمع بين الحداثة الشعبية (فقد كانت عازفة “هارد روك” في شبابها) والروح الإمبراطورية، ما يجعل منها نموذجًا لـ “المحافظة ما بعد الحداثية”، أي إلتقاء الأصالة بالتكنولوجيا والعولمة الثقافية المضادة.
رابعًا: قراءة روسية للمشهد – من الأيديولوجيا إلى الجغرافيا السياسية
يُعبّر دوغين عن موقف مزدوج تجاه صعود التيار المحافظ الياباني:
1. إيجابي من الناحية الأيديولوجية، لأن روسيا – وفق رؤيته – تشترك مع اليابان الجديدة في الإتجاه ذاته نحو "الهوية، الدين، القومية، والتقليد".
2. حذر من الناحية الجيوسياسية، لأن اليابان ما تزال ضمن المدار الأمريكي في المحيط الهادئ، وأي تعزيز لقوتها العسكرية قد يثير التوترات مع الصين وروسيا معًا.
ويُلمح الكاتب إلى إمكانية إستثمار التحول الياباني لبناء علاقة ثنائية جديدة مع موسكو، بشرط أن تسعى طوكيو إلى “التحرر من الهيمنة الأمريكية” وأن توازن بين علاقاتها مع الصين وروسيا في إطار نظام عالمي متعدد الأقطاب.
خامسًا: اليابان بين موسكو وبكين – الحسابات الروسية الدقيقة
يدرك دوغين أن أي تقارب روسي-ياباني قد يُنظر إليه بحذر من جانب الصين، الحليف الجيوسياسي الأهم لروسيا. ولذلك يشدد على أن إعادة بناء العلاقات مع طوكيو يجب ألا تكون على حساب الشراكة الإستراتيجية مع بكين، بل يمكن أن تتحول روسيا إلى “وسيط سلام في المحيط الهادئ”، يجمع بين مصالح الصين واليابان في مواجهة الولايات المتحدة.
في هذه الرؤية، لا تقتصر “الفرصة اليابانية” على الدبلوماسية الثنائية، بل تشكّل إمتدادًا لمشروع “الأوراسية الكبرى” الذي يربط سيبيريا وشرق آسيا والمحيط الهادئ في منظومة واحدة تتجاوز الجغرافيا الغربية الأطلسية.
سادسًا: البعد الميتافيزيقي – عودة “إلهة الشمس”
ينهي دوغين مقاله بلغة رمزية – ميتافيزيقية – يربط فيها شخصية تاكائتشي بـ الإلهة أَماتيراسو، رمز النور والهوية اليابانية في الأسطورة الشنتوية. في هذا التوازي، تصبح تاكائتشي تجسيدًا أنثويًا للنهضة الروحية القومية، وعودة “اليابان الأصيلة” بعد قرن من الخضوع للغرب.
إنه خطابٌ يجمع بين الأسطورة والسياسة، يعكس الطابع الفلسفي-الديني لفكر دوغين الذي يرى في السياسة الدولية ساحةً لـ “صراع الحضارات الماورائي” بين قوى التقليد والحداثة المادية.
سابعًا: قراءة تحليلية نقدية
من منظور التحليل السياسي الواقعي، يمكن القول إن أطروحة دوغين تندرج ضمن الإستراتيجية الأيديولوجية الروسية التي تسعى إلى توسيع دائرة “المحور المحافظ العالمي” ضد الغرب الليبرالي. غير أن هذا التصور يتجاهل طبيعة البنية الأمنية اليابانية المرتبطة عميقًا بالولايات المتحدة، والقيود المفروضة عليها في المجال الدفاعي منذ الحرب العالمية الثانية.
كما أن الربط بين صعود زعيمة محافظة وبين “إنهيار الليبرالية العالمية” يعكس تضخيمًا فلسفيًا أكثر منه إستنتاجًا واقعيًا. فالتحول في اليابان يبقى داخليًا مرتبطًا بمخاوف أمنية من الصين وكوريا الشمالية أكثر من كونه تمردًا على الليبرالية الغربية.
لكن مع ذلك، فإن هذا الخطاب يكشف عن إتجاه روسي متزايد لقراءة التحولات العالمية بمنظور حضاري-قيمي، حيث تُصبح السياسة إنعكاسًا للهوية والروح، لا للمصالح المادية فقط.
خاتمة: موسكو وطوكيو في زمن ما بعد الليبرالية
تدل قراءة دوغين على أن موسكو قد ترى في اليابان الجديدة شريكًا محتملاً في بناء نظام عالمي محافظ متعدد الأقطاب، إذا ما تمكنت الأخيرة من تجاوز تبعيتها الأمنية للولايات المتحدة. ومع أن هذا السيناريو لا يزال بعيد المنال، إلا أن مجرد تداول مثل هذه الفكرة في الخطاب الروسي المعاصر يعكس تغيرًا في تصوّر موسكو لشرق آسيا: من فضاء تهديد إلى فضاء توازن جديد، حيث يمكن للروح الإمبراطورية اليابانية أن تلتقي بالهوية الأوراسية الروسية في مواجهة الغرب الأطلسي.
****** المرجع:
1. ألكسندر دوغين: "هل اليابان ملكنا؟ موسكو تحصل على فرصة لإعادة العلاقات مع طوكيو" (تساريغراد، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2025).
*****
هوامش
1) “الوعي المائع القائم على الهوية الفردانية” يعني نظرة الإنسان إلى نفسه بوصفه كيانًا متحوّلًا لا يستند إلى هوية ثابتة أو انتماء جماعي (كالدين أو الأمة أو العائلة)، بل يُعرّف ذاته وفق رغباته وتجاربه المتغيرة باستمرار. إنه وعي متقلب يرفض الثوابت ويُقدّم “الأنا الفردية” كمرجع وحيد للحقيقة والمعنى.
2) “الفرصة اليابانية” تعني إمكانية استثمار التحول المحافظ في اليابان — المتمثل في صعود قيادة قومية مناهضة لليبرالية — لإعادة بناء علاقات روسية-يابانية جديدة تقوم على القيم التقليدية والاستقلال عن النفوذ الأمريكي. إنها لحظة سياسية ترى فيها موسكو فرصة نادرة لإخراج طوكيو من الفلك الغربي نحو توازن آسيوي-أوراسي جديد.
أ3) “صراع الحضارات الماورائي” يعني مواجهة تتجاوز حدود السياسة والاقتصاد لتصل إلى مستوى الصراع بين الرؤى الكونية والقيم الروحية التي تقوم عليها الحضارات المختلفة. إنه صدام بين أنماط وجود ومعنى — بين حضارات ترى العالم كمقدّس ومتجذّر، وأخرى تراه كمادة محايدة بلا جوهر روحي.
4) الديانة الشنتوية وكهنوت الإمبراطور هي العقيدة الأصلية في اليابان التي تقدّس قوى الطبيعة والأسلاف، وتعتبر الإمبراطور سليل لإلهة الشمس أماتيراسو. أما "كهنوت الإمبراطور" فيعني الاعتراف بالمكانة الدينية والرمزية للإمبراطور كحلقة وصل بين البشر والآلهة، وتجسيد للوحدة الروحية للأمة اليابانية.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 751 - ميكو بيليد: ابن الجنرال الذي تمرّد على أس
...
-
ألكسندر دوغين - الغرب المنقسم على ذاته: بين الليبرالية العال
...
-
طوفان الأقصى 750 - روسيا وسوريا: ما هو الجديد؟
-
ألكسندر دوغين – لروسيا أهداف جديدة في العملية العسكرية الخاص
...
-
طوفان الأقصى 749 - بيني موريس والقضية الفلسطينية: من «المؤرخ
...
-
طوفان الأقصى 748 - الإعلام العربي في حرب الإبادة على غزة: حي
...
-
تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت
-
طوفان الأقصى 747 - القوة الناعمة الإسرائيلية: من كيان دولة ف
...
-
ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة
...
-
طوفان الأقصى 746 - زيارة الشرع إلى موسكو: بين الواقعية الروس
...
-
بعد سبعين عاماً... كواليس -الميدان الهنغاري- - كيف صُنعت إنت
...
-
طوفان الأقصى 745 - بين ميونيخ 1938 وغزة 2025 - من إسترضاء هت
...
-
ألكسندر دوغين يحذّر من الحرب الكبرى التي لا مفرّ منها - البش
...
-
طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟»
...
-
ألكسندر دوغين: -بريغوجين: حقائق مجهولة عن حياة مؤسس فاغنر -
...
-
طوفان الأقصى 743 - إتفاق غزة: «زفاف بلا عروسين» أم بداية لهد
...
-
ألكسندر دوغين – ترامب: تفضلوا وحاربوا، أما أمريكا فلن تحارب.
...
-
طوفان الأقصى 742 - إتفاق غزة: الورقة الأخيرة في لعبة ترامب و
...
-
ألكسندر دوغين - -تخريبٌ أم جهلٌ أم تآمر؟ المسؤولون لم ينجحوا
...
-
طوفان الأقصى 741 - «الجروح لا تزال تنزف»: خلفيات خطة ترامب ل
...
المزيد.....
-
مشهد -غريب ومهيب في آن واحد-.. سرداب كنيسة في روما يتزين بآل
...
-
كيف تحدث ترامب عن احتمال ترشحه لولاية ثالثة أو لمنصب نائب ال
...
-
ترامب يصعّد نبرته ضد بوتين بعد اختبار صاروخ نووي.. وهجمات أو
...
-
صحيفة إسرائيلية تكشف: وحدة سرّية تدير منظومة رقمية تمتد من غ
...
-
قلق أممي وحقوقي على مئات آلاف المحاصرين وسط القتال في الفاشر
...
-
فتاة يابانية تكشف سرّ اضطراب نادر حيّر الأطباء
-
الكاميرون: فوز بول بيا بولاية رئاسية ثامنة في عمر 92 عاما
-
إسرائيل تنهي حالة الطوارئ في الجنوب لأول مرة منذ 7 أكتوبر
-
مراسل الجزيرة يرصد التجهيزات لدفن 40 شهيدا مجهول الهوية في غ
...
-
الأنمي الياباني يواصل غزو هوليود.. -تشينسو مان- في صدارة شبا
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
المزيد.....
|