أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت















المزيد.....

تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 14:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي


23 أكتوبر 2025

في مقاله المعنون «تشي غيفارا لن يموت أبداً، أسطورته لا تزال تمشي»، يقدّم الكاتب البريطاني جون وايت* قراءة شديدة الوهج لمسيرة القائد الثوري إرنستو "تشي" غيفارا، لا بوصفه مجرد رمز يساري منقوش على القمصان والرايات، بل كضميرٍ إنساني ظلّ يقاوم حتى آخر رصاصة. يستهلّ وايت مقاله بإقتباس من الكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو الذي كتب عن اللحظات الأخيرة لغيفارا قائلاً: «دخل الموت دون أن يطلب إذناً أو مغفرة، وقاد رجاله لملاقاة رصاصات الجيش المحاصر في وادي يورو المغبرّ». في هذه العبارة الكثيفة يستحضر غاليانو، ووراءه وايت، جوهر التجربة الغيفارية: الثورة كقدرٍ شخصيّ لا يُساوم.

أولاً: بين كوبا وبوليفيا – الحلم الذي لم يخمد

يرى وايت أن معركة وادي يورو عام 1967 لم تكن سوى الفصل الأخير في محاولة غيفارا لإعادة إنتاج روح الثورة الكوبية على أرضٍ أخرى. فبعد إنتصار ثورة 1959 في كوبا، التي شارك فيها إلى جانب فيدل كاسترو، إنطلقت في ذهنه فكرة تصدير الثورة إلى بقية بلدان القارة التي كانت، بحسب تعبير وايت، «تعيش تحت خنق الإمبريالية الأمريكية، وكأنها فروع تابعة للدولار في واشنطن». إختار بوليفيا لأنّها كانت في نظره الحلقة الأضعف في السلسلة الرأسمالية، ولأنّ فقر فلاحها وبؤس عاملها يذكّرانه بمآسي القارة كلها.

لكن تلك المحاولة إنتهت بشكل مأساوي، إذ فشل غيفارا في كسب دعم الفلاحين المحليين، ووجد نفسه محاصرًا بجيش بوليفي مدرّب ومموّل من وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA. وفي التاسع من أكتوبر 1967 أُعدم ميدانيًا بأمر من الرائد ماريو تيران، بعد أن نُقلت صور جسده كغنيمة نصرٍ إلى الصحف الغربية. يعلّق وايت على تلك اللحظة قائلاً: «منذ إعدامه، تعيش أميركا اللاتينية في حالة تموج دائم، تصارع، في الخفاء حينًا والعلن حينًا، لتتحرر من قبضتهما المشتركة: الرأسمالية والإمبريالية».

ثانياً: تشي كرمزٍ يتجاوز الموت

يذهب وايت إلى أن ما ميّز غيفارا ليس نجاحه العسكري بل إستمراره كفكرة حيّة. فبينما مات الثائر جسدًا، إستمرّ رمزُه في إلهام أجيالٍ من الثوار في أميركا اللاتينية والعالم. يقول وايت: «إذا كان ثمة رجل تتجاوز أسطورته حدود القارة فذلك هو تشي، الذي صار ضمير المقاومة ضد الولايات المتحدة وكل أشكال الإضطهاد». هذه الجملة تعبّر بدقة عن الإنتقال من «غيفارا التاريخي» إلى «غيفارا الأسطورة» — من الطبيب الأرجنتيني الذي جاب القارة على دراجة نارية إلى المتمرّد العالمي الذي صار وجهه أيقونة.

تحوّلت صورته إلى ما يشبه «الإنجيل الثوري» في المخيلة الجمعية. ففي كل حركة إحتجاج في أميركا اللاتينية، من فنزويلا إلى نيكاراغوا، يُرفع وجه غيفارا كرمزٍ للعدالة الإجتماعية وكرامة الفقراء. كما أن حركات اليسار العالمي، من الطلاب في باريس 1968 إلى مناهضي العولمة في مطلع الألفية، وجدت فيه نموذجًا للمثقف المقاتل الذي يوحّد الفكر والميدان.

ثالثاً: غيفارا بين الرومانسية والأسطورة السياسية

لكن جون وايت لا يقع في فخ الرومانسية السطحية. فهو يميّز بين الصورة الدعائية التي حوّلت غيفارا إلى «نجم ثقافي» وبين حقيقته كمناضل صلب ضدّ البيروقراطية والجمود الثوري ذاته. كان غيفارا ناقدًا حتى للحزب الشيوعي الكوبي الذي إتهمه لاحقًا بـ«الجمود الفكري». لقد آمن بأن الثورة لا يمكن أن تُدار بعقل إقتصادي حسابي، بل بروح أخلاقية تستند إلى «الإنسان الجديد»، ذلك الإنسان الذي يُضحي بمصلحته الفردية من أجل الجماعة.

يقول وايت في مقاله إن غيفارا «سعى بكل عضلاته وعقله إلى تحرير جماهير أميركا اللاتينية من قبضة واشنطن، ودفع في النهاية حياته ثمنًا لذلك». في هذا القول يستعيد الكاتب نبرة الاغلتزام الأخلاقي التي جعلت من تشي حالة فريدة بين الثوار، إذ لم يكن إنتهازيًا يسعى للسلطة بل متصوفًا ثوريًا يرى في الفداء غايته القصوى.

رابعاً: الإمبريالية الأميركية والموروث الغيفاري

يُبرز وايت في مقاله أن الولايات المتحدة كانت — ولا تزال — العدوّ المركزي في المعادلة اللاتينية. فمنذ مبدأ مونرو عام 1823، تعاملت واشنطن مع القارة الجنوبية بوصفها «حديقتها الخلفية». ومن هنا جاءت سعيها الدائم لإسقاط كل تجربة تحرّرية: من حكومة سلفادور أليندي في تشيلي إلى الثورات الساندينية في نيكاراغوا. في هذا السياق، يرى الكاتب أن غيفارا كان «الضمير الأخلاقي» الذي أدان هذا النظام العالمي الجائر، وأن إغتياله لم ينهِ المشروع بل أعطاه بُعدًا أسطوريًا.

واليوم، في ظل عودة النزعات الإستقلالية في أميركا اللاتينية وصعود حكومات يسارية في المكسيك والبرازيل وتشيلي، يُستعاد تشي كرمزٍ للسيادة الوطنية بوجه الشركات المتعدّدة الجنسيات ونفوذ وول ستريت. لقد تحوّل، بحسب وايت، إلى «أيقونة متجددة تذكّر الشعوب بأن الكرامة لا تُقاس بالدخل القومي بل بالقدرة على قول لا».

خامساً: تشي غيفارا والذاكرة الإنسانية

على المستوى العالمي، تجاوزت صورة تشي الأيديولوجيا إلى الوجدان الإنساني العام. فوجهه، بطاقيته ونجمة جبينه، صار رمزًا للتمرّد ضد كل سلطة ظالمة. في نظر جون وايت، لا يتعلق الأمر بمجرد «نَسخٍ رومانسية» للثائر، بل بإرثٍ أخلاقي يتحدى النسيان. فهو يمثل، كما يقول الكاتب، «تجسيدًا للثورة في أنقى صورها: رفض الخضوع حتى في لحظة الهزيمة».

ولعلّ ذلك ما يفسّر كيف بقيت صورته أكثر بقاءً من أي قائد سياسي معاصر. ففي حين تُنسى أسماء الزعماء وتختفي آثار الأنظمة، تظلّ ابتسامة غيفارا وشعاره «حتى النصر دائمًا» شعارًا للأمل في عالمٍ تسوده اللامساواة والحروب.

خاتمة: الأسطورة التي تعاند الموت

يختم جون وايت مقاله بجملة ذات طابع شعائري: «أسطورته لا تزال تمشي». وهي ليست مجرد إستعارة بل تأكيد على أن تشي لم يكن ظاهرة عابرة، بل أحد تلك الكائنات التاريخية التي تتجاوز زمنها. لقد عاش وكتب وقاتل من أجل حلمٍ لم يتحقق بالكامل، لكنه ترك وراءه «إمكانية» لا تموت: إمكانية أن يكون العالم أكثر عدلاً وأن يملك الإنسان شجاعة المقاومة.

إنّ قراءة وايت، المدعومة بعبارات غاليانو، تجعل من غيفارا ليس بطلًا قوميًا فحسب بل مرآةً أخلاقية للعصر الحديث. فبين أنقاض الرأسمالية المتوحشة، لا يزال صوته يذكّرنا بأن «الثورة ليست بندقية تُطلق، بل وعيٌ يتوهّج».

وهكذا، يظل تشي غيفارا حيًّا — لا لأن أحدًا يخلّد الأبطال عمدًا، بل لأن بعض الأرواح ببساطة ترفض الموت.

*****

الهوامش والمراجع

1. Wight, John. “Che Guevara will never die. His legend marches on.” RT Opinion, 9 October 2017.
متاح على موقع: https://www.rt.com/op-edge/406058-che-guevara-legend-legacy-latin-america/
(نُشر في الذكرى الخمسين لاغتيال تشي غيفارا، ويقدّم فيه الكاتب قراءة تحليلية في رمزية غيفارا وموقعه في الذاكرة الثورية لأميركا اللاتينية).


2. Wight, John. “Che Guevara and the Revolutionary Ideal.” RT Opinion, 9 October 2014.
متاح على موقع: https://www.rt.com/op-edge/194000-che-guevara-revolutionary-ideal/
(يتناول فيه الكاتب البنية الفكرية لشخصية غيفارا، مركزًا على مفهوم «الإنسان الجديد» ودور الأخلاق في الفعل الثوري).



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 747 - القوة الناعمة الإسرائيلية: من كيان دولة ف ...
- ألكسندر دوغين - روسيا كانت معلّقة بخيط فوق الهاوية - بمناسبة ...
- طوفان الأقصى 746 - زيارة الشرع إلى موسكو: بين الواقعية الروس ...
- بعد سبعين عاماً... كواليس -الميدان الهنغاري- - كيف صُنعت إنت ...
- طوفان الأقصى 745 - بين ميونيخ 1938 وغزة 2025 - من إسترضاء هت ...
- ألكسندر دوغين يحذّر من الحرب الكبرى التي لا مفرّ منها - البش ...
- طوفان الأقصى 744 - «هل هو السلام في الشرق الأوسط أم السراب؟» ...
- ألكسندر دوغين: -بريغوجين: حقائق مجهولة عن حياة مؤسس فاغنر - ...
- طوفان الأقصى 743 - إتفاق غزة: «زفاف بلا عروسين» أم بداية لهد ...
- ألكسندر دوغين – ترامب: تفضلوا وحاربوا، أما أمريكا فلن تحارب. ...
- طوفان الأقصى 742 - إتفاق غزة: الورقة الأخيرة في لعبة ترامب و ...
- ألكسندر دوغين - -تخريبٌ أم جهلٌ أم تآمر؟ المسؤولون لم ينجحوا ...
- طوفان الأقصى 741 - «الجروح لا تزال تنزف»: خلفيات خطة ترامب ل ...
- طوفان الأقصى 740 - سلام ترامب الهش: كيف تلاشت صفقة غزة بين ا ...
- طوفان الأقصى 739 - بين هدنة معلّقة ودمٍ مؤجل: قراءة في مقالي ...
- طوفان الأقصى 738 - سوزانا تكاليك متهمة بأنها مكنت إسرائيل من ...
- طوفان الأقصى الأقصى 737 - الهدنة الغامضة في غزة: حين تتحول ا ...
- طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل ...
- طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي ...
- طوفان الأقصى 734 - هل الطريق إلى نوبل يمر عبر تل أبيب أو مقر ...


المزيد.....




- بعد تصريحه عن السعودية.. سموتريتش يُعرب عن -أسفه-: -لم يكن م ...
- -لا ملوك، تعني لا ملوك- – مقال في نيويورك تايمز
- حكومة ستارمر تحت الضغط.. أكثر من 36 ألف مهاجر وصلوا إلى بريط ...
- جندي درزي يقاضي ضابطًا إسرائيليًا بعد نعته بـ-إرهابي من النخ ...
- -إسرائيل ستفقد دعمنا إذا ضمّت الضفة-.. ترامب متفائل بانضمام ...
- القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف ثالثة بحق بشار الأسد
- ?ابس : هل سيتمكن - جرير والفرزدق- من حل الأزمة البيئية ؟
- رغم مناخها البارد جدا.. طلائع البعوض تصل إلى إيسلندا
- حرب الزيتون.. ارتفاع وتيرة هجوم المستوطنين الإسرائيليين على ...
- الكنيست يقر مناقشة مشروع قانون لضم إسرائيل الضفة الغربية وفا ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - تشي غيفارا: الأسطورة التي لا تموت