|
طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل الشرق الأوسط والعالم
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 21:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
12 أكتوبر 2025
مقدمة: لحظة مفصلية في التاريخ المعاصر
يمثّل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 نقطة تحوّل كبرى في التاريخ السياسي الحديث للشرق الأوسط. ففي ذلك اليوم، شنّت حركة "حماس" هجومًا مفاجئًا على إسرائيل، أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر 250 آخرين. وردّت إسرائيل بحرب مدمّرة على قطاع غزة، تجاوزت حدود العمليات العسكرية التقليدية لتتحوّل إلى حملة إبادة عمرانية وبشرية غير مسبوقة، إذ دُمّر نحو 78% من مباني القطاع، وفُقدت 98.5% من الأراضي الزراعية و90% من المدارس، بينما قُتل أكثر من 66 ألف فلسطيني بحسب وزارة الصحة في غزة. بعد مرور عامين على تلك الأحداث، يُجمع المراقبون على أن تداعيات "السابع من أكتوبر" تجاوزت حدود فلسطين وإسرائيل، لتعيد رسم توازنات القوة في الإقليم والعالم. هذه التحوّلات السياسية والاجتماعية والإقليمية والدولية التي تلت ذلك اليوم المفصلي لخصها كاتبان أمريكيان هما Riley Callanan* وEileen* Zhang في مقال مثير نشر في موقع GZERO بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025 تحت عنوان: "كيف غيّر السابع من أكتوبر إسرائيل وفلسطين والعالم" وفي ما يلي قراءة تحليلية له وتعليقا عليه.
أولاً: التحوّل الداخلي في إسرائيل – نحو يمين أكثر تشددًا
يشير الباحث في مجموعة أوراسيا فراس مقصَد (Firas Maksad)* إلى أن الهجوم كان بمثابة "زلزال سياسي" داخل إسرائيل، إذ "وحّد الرأي العام الإسرائيلي ودفَعه نحو أقصى اليمين كما لم يحدث منذ عقود". فبعد أن كانت حركة الإحتجاج ضد نتنياهو تملأ الشوارع قبل الهجوم، بسبب محاولاته السيطرة على القضاء وملاحقته في قضايا فساد، تبدّل المشهد بالكامل مع إندلاع الحرب. رغم ذلك، لم تتحول الحرب إلى "طوق نجاة" دائم لنتنياهو، إذ لا تزال الإتهامات بالفشل الأمني في السابع من أكتوبر تلاحقه، فيما تتزايد الإحتجاجات بسبب إخفاقه في تحرير الأسرى الإسرائيليين. تحالفه مع الأحزاب الدينية المتطرفة والمستوطنين المتشددين جعل موقفه أكثر هشاشة، خصوصًا أن هذه القوى تعارض خطة السلام التي يتفاوض عليها ترامب. يرى "مقصَد" أن مصير نتنياهو السياسي يتوقف على مسار المفاوضات الحالية. فإذا إنهارت الهدنة بعد إطلاق الأسرى دون إنسحاب إسرائيلي، فسيبقى إئتلافه قائمًا. أما إذا تم تنفيذ الإتفاق بالكامل بما يشمل الإنسحاب وإعادة الإعمار، فسيؤدي ذلك إلى سقوط حكومته وفقدانه الحصانة، ما يفتح الباب أمام محاكمته بتهم الفساد. ويضيف "مقصَد" أن نتنياهو قد يسعى إلى صفقة عفو مقابل إعتزاله السياسي، ليغادر المشهد "وقد رسّخ إرثه بصفته المنتصر على حماس وحزب الله وإيران".
ثانيًا: فلسطين بين الدمار السياسي والجغرافي
1. غزة – من المقاومة إلى الوصاية الدمار في غزة يفوق حدود الوصف: البنية التحتية مدمّرة، المؤسسات التعليمية والصحية منهارة، والأرض الزراعية جُرّدت من الحياة. أما سياسيًا، فحماس التي سيطرت على القطاع منذ 2007 تبدو اليوم في موقف أضعف من أي وقت مضى. يدعي مقصَد بأنها "أثبتت عجزها ولم تجلب سوى الموت والبؤس لشعبها". رغم ذلك، لا يعني هذا نهاية وجودها. فبحسب إستطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، يرى نحو 40% من سكان غزة أن السلطة الفلسطينية هي الأجدر بإدارة القطاع، لكن نسبة مماثلة تقريبًا تتوقع بقاء حماس في الحكم. كما أن ثلثي المستطلَعين يرفضون فكرة الوصاية العربية أو الدولية المقترحة في خطة ترامب.
تلك الأرقام تكشف أن أي محاولة لفرض "نظام وصاية دولي" على غزة ستواجه مقاومة سياسية وشعبية، وأن مستقبل الحكم في القطاع سيبقى أحد أكثر الملفات تعقيدًا في مسار التسوية.
2. الضفة الغربية – صعود الإستيطان وإنهيار السلطة
في المقابل، تشهد الضفة الغربية تصاعدًا خطيرًا في عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين، بدعم مباشر من الجيش الإسرائيلي. إرتفع عدد المستوطنين في الحكومة إلى خمسة وزراء من أصل 21، رغم أنهم لا يمثلون سوى 5% من السكان الإسرائيليين، ما يعكس تغلغل التيار الإستيطاني في مراكز القرار. أما السلطة الفلسطينية، فتعيش مرحلة إنهيار مالي وسياسي بعد أن حجبت إسرائيل عنها إيرادات الضرائب. ووسط غياب أفق سياسي وإقتصادي، تتعمق حالة الإنقسام الفلسطيني الداخلي.
ثالثًا: التحولات الإقليمية – إعادة رسم خريطة النفوذ
1. تراجع المحور الإيراني الهجمات الإسرائيلية الممنهجة أضعفت بشدة محور المقاومة المدعوم من إيران. فقد تم تحييد حماس في غزة، - كما يدعي مقصود - ، وإضعاف حزب الله في لبنان عبر ضربات متواصلة، كما طالت الغارات الإسرائيلية مواقع الحوثيين في اليمن. هذا التراجع أضعف قدرة طهران على المناورة الإقليمية، وأفقدها أدوات الردع غير المباشر التي كانت تراهن عليها منذ 2010.
2. تصدّع التحالفات الجديدة
إلا أن "الإنتصارات العسكرية" الإسرائيلية جاءت على حساب تدهور علاقاتها مع دول الخليج. فبعد غارات إسرائيل على الدوحة، أعلنت السعودية عن إتفاق دفاع مشترك مع باكستان النووية، فيما نظمت مصر وتركيا مناورات بحرية مشتركة في البحر المتوسط، في رسالة ضمنية إلى تل أبيب. بل إن إتفاقات أبراهام الموقعة عام 2020 بين إسرائيل والإمارات أصبحت مهددة بالإنهيار بعد توتر العلاقات الشخصية بين محمد بن زايد ونتنياهو، على ذمة مقصود. ووفق مصادر دبلوماسية، فقد "تبادل الطرفان صراخًا" إثر الهجوم على قطر. أما ترامب، الذي يسعى لإستعادة إنجازه الدبلوماسي الأبرز، فبادر إلى تقديم ضمانات أمنية لقطر للحفاظ على توازن العلاقات في الخليج ومنع إنهيار الإتفاقيات التي يعوّل عليها لتوسيع التطبيع مع السعودية.
رابعًا: العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في عهد جديد
تشير إستطلاعات نيويورك تايمز وسينا يونيفيرسيتي إلى تحوّل غير مسبوق في الرأي العام الأمريكي: لأول مرة منذ بدء هذه الإستطلاعات عام 1998، يتعاطف الأمريكيون أكثر مع الفلسطينيين من الإسرائيليين، فيما يرى أغلبهم أن الجيش الإسرائيلي يقتل المدنيين عمدًا. هذا التحوّل الشعبي ترافق مع عزلة إسرائيلية دولية غير مسبوقة، تجلّت في إنسحاب ممثلي خمسين دولة من قاعة الأمم المتحدة أثناء خطاب نتنياهو الأخير. وصف "مقصَد" هذه الحالة بأنها "أسوأ عزلة لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948". ورغم ذلك، تظل إسرائيل تعتمد إعتمادًا كاملًا على الدعم الأمريكي، الذي بلغ 22 مليار - أو أكثر - دولار منذ أكتوبر 2023. لكن هذه التبعية تجعل نتنياهو أكثر خضوعًا للضغوط القادمة من واشنطن، وخاصة من الرئيس ترامب الذي يسعى إلى فرض "هدنة مشروطة" تتضمن: •تعهدًا بإعادة توحيد غزة والضفة تحت إدارة فلسطينية موحدة؛ •رفضًا صريحًا لخطط ضم الضفة الغربية؛ •وإلتزامًا بمنع تهجير سكان غزة. وبذلك، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا إلى قبول شروط تسوية لا تتماشى مع أيديولوجيته ولا مع قواعده السياسية اليمينية.
خاتمة: عالم ما بعد السابع من أكتوبر
بعد عامين على إندلاع الحرب، يمكن القول إن "العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر" باتت مستحيلة. ففي الداخل الإسرائيلي تصاعدت النزعة الفاشية الدينية، وفي فلسطين سقطت أوهام الحكم الذاتي، أما إقليميًا فقد تزعزعت بنية التحالفات وأُعيد توزيع موازين القوة. وعلى الصعيد الدولي، إنكشفت حدود "التعاطف الغربي" مع إسرائيل، وبدأت مرحلة نزع القداسة عن السردية الصهيونية في الوعي العالمي. إن ما جرى في السابع من أكتوبر لم يكن مجرد "هجوم مفاجئ"، بل زلزال جيوإستراتيجي أعاد تعريف مفاهيم الأمن والسيادة والتحالف في الشرق الأوسط. وكما يقول فراس مقصَد في ختام تحليله: "لقد تغيّر كل شيء. لا عودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر… لا في إسرائيل، ولا في فلسطين، ولا في العالم."
****** هوامش
1) رايلي كالانان (Riley Callanan) صحفي ومحلل سياسي يعمل في منصة GZERO Media، يغطّي قضايا الشرق الأوسط والعلاقات الدولية من منظور جيوسياسي. 2) إيلين تشانغ (Eileen Zhang) صحفية وباحثة في الشؤون الآسيوية والدبلوماسية العالمية في GZERO Media، تركز في كتاباتها على تفاعلات القوى الكبرى وتأثيرها في السياسات الإقليمية. 3) GZERO Media هي منصة إعلامية أمريكية أسّسها عام 2017 الخبير السياسي إيان بريمر (رئيس مجموعة أوراسيا)، تُعنى بالتحليلات الجيوسياسية وتغطية العلاقات الدولية بأسلوب مبسّط للجمهور العام، واسمها مستوحى من مصطلح "عالم بلا قيادة" (G-Zero World). 4) فراس مقصد (Firas Maksad) باحث لبناني-أميركي في مجموعة أوراسيا (Eurasia Group)، ومتخصص في شؤون السياسة الخارجية الأميركية والشرق الأوسط. يشغل أيضًا منصب أستاذ مساعد في جامعة جورج واشنطن، ويُستضاف بانتظام محللًا في وسائل إعلام دولية مثل "بي بي سي" و"سي إن إن" و"بلومبرغ". فراس مقصد يُقدَّم عادة كمحلل واقعي يميل إلى المقاربة الأميركية التقليدية في ملفات الشرق الأوسط، أي أنه يتجنب الإصطفاف العلني لكنه يميل ضمنيًا إلى الخطاب الأميركي المساند لإسرائيل مع الدعوة إلى "حل الدولتين" و"ضبط التصعيد". بعبارة أوضح: هو ليس من الأصوات المتعاطفة مع فلسطين بشكل صريح، بل من المحللين الذين يبررون الموقف الغربي بحجة "الإستقرار الإقليمي" و"الردع"، مع بعض النقد الشكلي لـ"المبالغة الإسرائيلية في إستخدام القوة".
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي
...
-
طوفان الأقصى 734 - هل الطريق إلى نوبل يمر عبر تل أبيب أو مقر
...
-
طوفان الأقصى 733 - مؤشرات إقتراب الهجوم على إيران
-
طوفان الأقصى 732 - اللوبي الإسرائيلي يفقد سحره في واشنطن: رس
...
-
طوفان الأقصى 731 - جردة حساب بعد عامين من حرب الإبادة - الأز
...
-
حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجيا
...
-
طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر
...
-
طوفان الأقصى 729 - خطة ترامب للسلام في غزة - ورؤى روسية متبا
...
-
حين بيعت جمهورية بثمن ساندويش فلافل
-
طوفان الأقصى 728 - خطة ترامب لغزة: بين الوهم والواقعية... هل
...
-
طوفان الأقصى 727 - من غزو العراق إلى غزة: كيف يعود -كلب بوش
...
-
طوفان الأقصى 726 - خطة ترامب للسلام في غزة – بين تجديد الصرا
...
-
طوفان الأقصى 725 - ترامب بين النرجسية والخطر النووي - جدل حو
...
-
طوفان الأقصى 724 - إسرائيل على حافة العزلة الدولية: نحو نموذ
...
-
طوفان الأقصى 723 - آفي شلايم: المؤرخ الذي تخلّى عن الصهيونية
...
-
طوفان الأقصى 722 - إيران–العراق: الحرب العبثية
-
طوفان الأقصى 721 - نتنياهو يحرق آخر أوراق إسرائيل
-
طوفان الأقصى 720 - إسرائيل بين إسبرطة وقرطاج: من حصن إلى مقب
...
-
طوفان الأقصى 719 - الإعتراف الغربي بفلسطين: وردة في اليد وخن
...
-
طوفان الأقصى 718 - إعلان المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهي
...
المزيد.....
-
واشنطن تبشر الرهائن بالعودة.. وحماس: الإفراج عن 48 رهينة يوم
...
-
اشتباكات عنيفة بين باكستان وأفغانستان بعد غارات جوية مزعومة
...
-
نظام جديد لدخول الاتحاد الأوروبي.. تعرف على التفاصيل
-
الجزيرة تحصل على وثيقة تفصيلية بالخطوات التنفيذية لخطة ترامب
...
-
رويترز: وفاة 3 دبلوماسيين قطريين في حادث بشرم الشيخ
-
لماذا تريد مصر إضفاء شرعية دولية على اتفاق وقف الحرب في غزة؟
...
-
قيادي بحماس: سنرد على أي عدوان إسرائيلي إذا استؤنفت الحرب
-
مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال في عدة مناطق بالضفة
-
شاهد.. أسباب الريمونتادا الإماراتية على عُمان
-
مستقبل مظلم في أميركا وإسرائيل
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|