أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجياً لإسقاط روسيا















المزيد.....

حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجياً لإسقاط روسيا


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 16:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

6 أكتوبر 2025

في الثالث من أكتوبر، يحتفل الألمان بـ«يوم الوحدة الوطنية». لكن في الذاكرة الروسية، لا يُنظر إلى ذلك اليوم كرمز للنهاية السعيدة للحرب الباردة، بل كذكرى الخديعة الكبرى التي وضعت حجر الأساس لهيمنة الغرب على أوروبا الشرقية، وأدت في نهاية المطاف إلى تفكك الإتحاد السوفياتي.

الكاتبة الروسية يلينا بانينا*، في مقالها على موقع معهد "روسسترات" في 3 أكتوبر 2025، ترى أن ما جرى عام 1990 لم يكن توحيداً لألمانيا بقدر ما كان إعادة رسم للنظام العالمي على حساب روسيا، تحت غطاء من الوعود المنكوثة والكلمات المعسولة حول «البيت الأوروبي المشترك من لشبونة إلى فلاديفوستوك».

وعود لم تُكتب… وخيانة موثَّقة

خلال المفاوضات التي سبقت إعادة توحيد ألمانيا، قدّم الغرب لموسكو سلسلة من الوعود التي إعتمد عليها غورباتشوف لقبول إنضمام ألمانيا الموحدة إلى الناتو.
أبرز تلك الوعود جاء على لسان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، الذي قال لغورباتشوف في فبراير 1990 إن «الناتو لن يتوسع شرقاً، ولا حتى بوصة واحدة».
وردّد هلموت كول، المستشار الألماني آنذاك، الوعد ذاته مؤكداً أن وحدة ألمانيا ستكون خطوة نحو «الأمن المشترك في أوروبا، لا توسع عسكري».

لكن، كما تذكر بانينا، لم يجرِ توثيق تلك التعهدات في نصوص مكتوبة على شكل معاهدة رسمية، وهو ما إعتبره الغرب لاحقاً نافذة للتهرب. ومع مرور الوقت، تحول ذلك "التفاهم الشفهي" إلى أكبر عملية تضليل إستراتيجي في القرن العشرين.


الأدلة في الأرشيف الأمريكي

في مواجهة الرواية الغربية التي تنكر وجود أي وعود رسمية، خرج الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس بتصريحات قاطعة، قائلاً: «مكتبة جورج واشنطن تحتوي على مئات الوثائق التي تثبت أن القادة الغربيين تعهّدوا صراحة بعدم توسع الناتو شرقاً. وكل من ينكر ذلك الآن يكذب عن قصد».

وقد نشر «أرشيف الأمن القومي» الأمريكي فعلاً، عام 2017، وثائق من إجتماعات بيكر وكول ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد، تثبت أن جميعهم تحدثوا أمام القادة السوفييت عن «ضمانات بعدم تقدم الحلف شرقاً».

إلا أن ما حدث بعد ذلك، من توسع الناتو ليشمل دول حلف وارسو السابق والجمهوريات السوفياتية السابقة، كشف أن النية المبيتة كانت غير ما قيل.

الخديعة الإقتصادية: «مارشال» للغرب و«الصدمة» لروسيا

لم يقتصر الخداع على الجانب الأمني. فغورباتشوف كان يأمل في أن يقابل قراره الشجاع بشأن ألمانيا الموحدة بـ«خطة مارشال» سوفياتية، أي برنامج دعم إقتصادي لإعادة هيكلة الإتحاد السوفياتي. لكن الغرب إختار العكس تماماً: قروضاً مشروطة من صندوق النقد الدولي فتحت الطريق أمام سياسة «العلاج بالصدمة»، ونتج عنها تضخم جنوني، تفكك إجتماعي، وتدمير البنية الصناعية.
وبذلك، كما تقول بانينا، لم تكن روسيا شريكاً في بناء النظام العالمي الجديد، بل ضحية مثالية له.

من وحدة ألمانيا إلى عودة «الإندفاع نحو الشرق»

بانينا ترى أن ما جرى عام 1990 كان نقطة إنطلاق لـ«دَرَنج ناخ أوستن» جديد، أي الزحف الألماني نحو الشرق، ولكن هذه المرة تحت راية الناتو لا الرايخ الثالث.
تكتب: «ألمانيا التي صُوّرت كرمز للمصالحة، أصبحت خلال ثلاثة عقود المحرك الإقتصادي والسياسي للتمدد الأطلسي، حتى حدود روسيا».

إنها مفارقة التاريخ: الدولة التي كانت سبباً في دمار أوروبا عام 1941، تعود لتقود مشروعاً جديداً يستهدف الشرق ذاته، ولكن عبر أدوات "السلام" والتحالفات الدفاعية.

بوتين: «من لا يأسف على إنهيار الإتحاد السوفياتي لا قلب له…»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبّر أكثر من مرة عن موقفه من تلك الحقبة، جامعاً بين الحسّ التاريخي والعقل السياسي. ففي عام 2010، قال عبارته الشهيرة: «من لا يأسف على إنهيار الاتحاد السوفياتي لا قلب له، ومن يريد إعادته كما كان لا عقل له.»

هذه الجملة، التي تداولها الإعلام العالمي على نطاق واسع، تختصر فلسفة بوتين تجاه الماضي السوفياتي: الحنين ليس إلى الأيديولوجيا، بل إلى الكرامة والسيادة.
وفي خطابه بمؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، أضاف بوتين بوضوح أكبر: «لقد خُدعنا. وعودٌ قُدّمت إلينا بعدم توسع الناتو شرقاً، واليوم نجد قوات الحلف على حدودنا. أهذا هو الأمن المشترك؟»

ومنذ ذلك الحين، أصبحت عبارة بوتين الأولى تُستخدم في الأدبيات السياسية الروسية كرمز للوعي بالكارثة، لا للدعوة إلى إستعادة الإتحاد السوفياتي، بل لفهم الدرس الجيوسياسي: أن الثقة بالغرب دون ضمانات قوة هي إنتحار سياسي.

من الخداع إلى المواجهة

تختم بانينا بالقول إن إنهيار الإتحاد السوفياتي وتوحيد ألمانيا لم يكونا سوى فصلين من خطة واحدة: إخراج روسيا من أوروبا وإعادة هندسة القارة على المقاس الأمريكي.
لكنّ روسيا اليوم، بعد أوكرانيا وجورجيا، لم تعد تتعامل مع الغرب كـ«شريك»، بل كخصم تاريخي يستغل كل ضعف وكل تنازل.

وفي هذا السياق، لا تبدو عودة موسكو إلى خطاب «الضمانات الأمنية» سوى محاولة لإعادة تصحيح التاريخ بالقوة، بعد أن فُقد التوازن السياسي الذي قام عليه العالم منذ 1945.

خاتمة

إن وحدة ألمانيا عام 1990 لم تكن، كما تقول بانينا، إحتفالاً بنهاية الحرب الباردة، بل بداية مرحلة جديدة من الحروب الباردة الساخنة.
الوثائق الأمريكية التي تحدث عنها جيفري ساكس، وتصريحات بوتين عن الخداع الغربي، تعيد رسم صورة تلك المرحلة:
روسيا لم تُهزم عسكرياً، بل أُسقطت بالثقة.

واليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود، يبدو أن موسكو قررت ألا تكرّر خطأ غورباتشوف، وأن الكلمة التي قالها بوتين قبل خمسة عشر عاماً – «من لا يأسف على إنهيار الإتحاد السوفياتي لا قلب له، ومن يريد إستعادته لا عقل له» – أصبحت مفتاح الفهم العميق لعقيدة روسيا الجديدة:
الحنين بلا أوهام، والسيادة بلا ثقة عمياء.
*****
هوامش

1)يلينا بانينا (Elena Panina): بروفيسورة في الإقتصاد، دكتورة في العلوم الإقتصادية، سياسية ومحللة روسية، نائبة سابقة في مجلس الدوما وعضو في المجلس الإجتماعي الروسي، وتشغل حالياً منصب مديرة المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية في السياسة والإقتصاد (Russtrat)، وتُعرف بكتاباتها ذات الطابع الجيوسياسي المحافظ والدفاع عن المصالح الروسية في مواجهة الغرب.

2) "روسسترَات" (Russtrat) هو معهد روسي للدراسات الإستراتيجية تأسس عام 2020، يركز على تحليل السياسات الدولية والإقتصاد الجيوسياسي من منظور يخدم المصالح القومية الروسية. يُعد قريبًا من الأوساط الفكرية المحافظة ويديره عدد من الباحثين والخبراء القريبين من دوائر صنع القرار في موسكو.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر ...
- طوفان الأقصى 729 - خطة ترامب للسلام في غزة - ورؤى روسية متبا ...
- حين بيعت جمهورية بثمن ساندويش فلافل
- طوفان الأقصى 728 - خطة ترامب لغزة: بين الوهم والواقعية... هل ...
- طوفان الأقصى 727 - من غزو العراق إلى غزة: كيف يعود -كلب بوش ...
- طوفان الأقصى 726 - خطة ترامب للسلام في غزة – بين تجديد الصرا ...
- طوفان الأقصى 725 - ترامب بين النرجسية والخطر النووي - جدل حو ...
- طوفان الأقصى 724 - إسرائيل على حافة العزلة الدولية: نحو نموذ ...
- طوفان الأقصى 723 - آفي شلايم: المؤرخ الذي تخلّى عن الصهيونية ...
- طوفان الأقصى 722 - إيران–العراق: الحرب العبثية
- طوفان الأقصى 721 - نتنياهو يحرق آخر أوراق إسرائيل
- طوفان الأقصى 720 - إسرائيل بين إسبرطة وقرطاج: من حصن إلى مقب ...
- طوفان الأقصى 719 - الإعتراف الغربي بفلسطين: وردة في اليد وخن ...
- طوفان الأقصى 718 - إعلان المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهي ...
- طوفان الأقصى 717- الميثاق السعودي–الباكستاني وتحوّلات ميزان ...
- طوفان الأقصى 716 - إسرائيل وقطر: من أمن العقاب أساء الأدب
- طوفان الأقصى 715 - الفاشية التكنولوجية الإسرائيلية في القرن ...
- طوفان الأقصى 714 - إسرائيل في قفص الإتهام: كيف يُعاقب العالم ...
- هل يقصف ترامب فنزويلا؟.. حرب المخدرات كغطاء لنهب الثروات!
- طوفان الأقصى 713 - الصراع على السردية: قراءة نقدية في كتاب غ ...


المزيد.....




- إسرائيل تعلن ترحيل الناشطة غريتا ثونبرغ ومشاركين في أسطول مس ...
- الشيطان يكمن في التفاصيل.. ما أبرز البنود التي قد تعرقل مفاو ...
- -يوروبول- تفكك شبكات تتلاعب بجودة الأغذية في أوروبا..وتضبط ب ...
- خيمة تنبض بالحياة وسط الحرب في غزة
- المصري خالد العناني الأوفر حظا للفوز بمنصب أمين عام اليونسكو ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب غزة على طاولة شرم الشيخ
- إسبانيا تعتزم شكوى إسرائيل بالجنائية الدولية بشأن أسطول الصم ...
- كاتب إسرائيلي: الفكر الكاهاني يبتلع إسرائيل وترامب ليس المنق ...
- إيكونوميست: جحيم أوكرانيا أضر بـ 50% من مصافي النفط الروسية ...
- مدير إنستغرام يجيب.. هل تتجسس المنصة عليك؟


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجياً لإسقاط روسيا