|
طوفان الأقصى 731 - جردة حساب بعد عامين من حرب الإبادة - الأزمة الإنسانية في غزة
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي 7 أكتوبر 2025
المقدمة: غزة… مدينة على حافة الفناء
منذ إندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، لم تعرف غزة سوى صوت القصف ورائحة الدمار. حصار خانق، وغارات متواصلة، وإنقطاع للكهرباء والماء والدواء، حتى غدت الحياة اليومية في القطاع إختبارًا دائمًا للبقاء. لكن وراء عناوين الأخبار تختبئ أرقام مرعبة وحكايات مروّعة عن البشر الذين دفعوا، ولا يزالون يدفعون، ثمن هذه الحرب والحصار. في تحقيق إستقصائي يكتب إبراهيم إبراهيموف، الباحث في "مركز دراسات الشرق الأوسط" بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في29 سبتمبر 2025، أن غزة لم تعد مجرد ساحة حرب، بل مختبرًا لمعاناة بشرية ممنهجة.
حصيلة بشرية صادمة
وفق بيانات وزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين منذ إندلاع الحرب حتى سبتمبر 2025 حاجز 63–64 ألف إنسان، بينما أصيب ما يقارب 160 ألف آخرين. بكلمات أخرى: نحو 3% من سكان القطاع قتلوا، وما يقارب 8% أصيبوا بجروح متفاوتة. هذه النسبة وحدها تكفي لوصف حجم المأساة، إذ نادرًا ما شهد العالم الحديث إبادة جماعية بهذا المستوى المكثف خلال أقل من عامين.
الأطفال كانوا الأكثر عرضة للموت. تقدّر المصادر الطبية أن أكثر من 20 ألف طفل قُتلوا، بينما تُظهر شهادات ميدانية أن الرقم قد يكون أعلى، نظرًا لعدم القدرة على إنتشال الجثث من تحت الركام أو التعرف عليها بسرعة. في مشاهد مؤلمة، تتحول حقائب المدارس الصغيرة إلى شواهد على القبور، وتصبح صور الفتيان والفتيات المعلقة على الجدران آخر ما تبقى من حياة أُزهقت.
إستهداف البنية التحتية الإنسانية
لم يقتصر الإستهداف على البشر، بل طال كل ما يجعل من غزة مدينة قابلة للحياة. أكثر من 60% من المدارس تضررت أو دُمّرت، وفق إحصائيات اليونيسف، بينما خرجت معظم الجامعات عن الخدمة، بما في ذلك جامعة الأزهر والجامعة الإسلامية، بعد أن تحولت قاعات المحاضرات إلى أنقاض.
المستشفيات كانت هدفًا مباشرًا. تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد أن ما يزيد على 70% من المنشآت الطبية لم تعد تعمل بكامل طاقتها بسبب القصف أو إنقطاع الوقود والأدوية. عشرات الأطباء والممرضين ورجال الإسعاف قُتلوا أثناء تأدية واجبهم.
ولم يسلم رجال الدين ولا بيوت العبادة: مساجد تاريخية دُمّرت، وكنائس قصفها الطيران، في رسالة واضحة أن لا مكان مقدسًا محميًا. أما الصحفيون، فكانوا في خط المواجهة الأول، حيث قُتل أكثر من 160 إعلاميًا منذ بداية الحرب، بحسب تقارير الإتحاد الدولي للصحفيين.
شهادات من الميدان
في مستشفى الشفاء، الذي يعمل اليوم بطاقة أقل من 30% من قدرته، تقول الطبيبة نسرين العطار: «كل يوم نستقبل عشرات الأطفال المصابين، لكننا لا نملك سوى مسكنات بسيطة. عمليات بتر تُجرى دون تخدير كامل. أحيانًا نضطر إلى ترك المصاب ينزف حتى الموت لأن غرف العمليات ممتلئة.»
أما محمود، سائق إسعاف قُتل زملاؤه في غارة، فكان يردد قبل إصابته الأخيرة: «في غزة، حتى سيارة الإسعاف صارت هدفًا. كل مرة أخرج لإنقاذ جريح، أودّع أطفالي وكأنها المرة الأخيرة.»
القانون الدولي: غزة أمام محكمة العالم
القانون الدولي الإنساني واضح: إستهداف المدنيين والبنية التحتية الطبية والتعليمية يشكل جريمة حرب. بالفعل، محكمة العدل الدولية أصدرت في يناير 2024 أمرًا مؤقتًا يلزم إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة. لكن إسرائيل تجاهلت القرار، بل صعّدت هجماتها.
وفي مايو 2025، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين، نتنياهو وغالانت، بتهمة إرتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، لم يترجم هذا القرار إلى إجراءات عملية، بسبب معارضة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
تقارير الأمم المتحدة بدورها وصفت ما يجري بأنه «إبادة بطيئة»، بينما أكدت لجنة التحقيق المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان أن الحصار الشامل على غزة يشكل عقابًا جماعيًا محظورًا بموجب القانون الدولي.
التواطؤ الأمريكي: حماية مطلقة لإسرائيل
على الرغم من فداحة الأرقام، لم تتوقف الولايات المتحدة عن توفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل. واشنطن إستخدمت الفيتو في مجلس الأمن أكثر من عشر مرات منذ 2023 لمنع صدور قرارات ملزمة لوقف إطلاق النار.
عسكريًا، كشفت تقارير البنتاغون عن تزويد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات تزن طنين، إستخدمت في قصف أحياء مكتظة مثل الشجاعية وخان يونس. كما واصلت الإدارة الأمريكية إرسال مساعدات مالية سنوية تتجاوز 3.8 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات طارئة للحرب.
التناقض الصارخ يظهر في خطاب البيت الأبيض: الحديث عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» مقابل تجاهل شبه كامل للضحايا المدنيين الفلسطينيين، الذين وصفتهم بعض التصريحات الأمريكية بـ«الأضرار الجانبية».
النفاق الأوروبي: دموع في العلن، سلاح في السر
أوروبا لم تكن أفضل حالًا. ففي حين خرجت مظاهرات في باريس وبرلين ولندن تندد بالإبادة، وصرّح بعض القادة الأوروبيين بضرورة إحترام حقوق الإنسان، واصلت حكوماتهم بيع السلاح لإسرائيل.
وفق تقارير منظمة العفو الدولية، بلغت صادرات السلاح الأوروبية إلى إسرائيل أكثر من 1.5 مليار يورو منذ إندلاع الحرب. ألمانيا على وجه الخصوص قدمت غواصات متطورة لإسرائيل، بينما لم تمنع أي من دول الاتحاد الأوروبي مرور الأسلحة الأمريكية عبر أراضيها.
الازدواجية كانت فاضحة: أوروبا التي سارعت لمعاقبة روسيا بسبب أوكرانيا، ترددت في إتخاذ أي خطوة جدية ضد إسرائيل، مبررة ذلك بـ«الظروف الأمنية المعقدة».
التخاذل العربي: صمت يتستر على العجز
في العالم العربي، كان الموقف أكثر مأساوية. بإستثناء بيانات تنديد، لم تقدّم الحكومات العربية سوى مساعدات إنسانية محدودة، وغالبًا تحت ضغط شعبي أو إعلامي.
التطبيع الذي بدأ قبل الحرب إستمر في بعض الدول، بل تعزز خلف الكواليس. دول عربية كبرى إكتفت بالوساطة الشكلية دون ممارسة أي ضغط إقتصادي أو سياسي حقيقي. في الشارع العربي، تتكرر الهتافات: «غزة وحدها».
آثار الحصار: موت بطيء
إلى جانب القصف، يواصل الحصار قتل الغزيين ببطء. وفق برنامج الغذاء العالمي، يعيش أكثر من 80% من سكان غزة على المساعدات الغذائية، بينما يعاني نصفهم من سوء تغذية حاد. المياه الملوثة مسؤولة عن إنتشار أمراض معوية، وأزمة الكهرباء شلّت محطات معالجة الصرف الصحي، ما جعل بعض الأحياء مهددة بأوبئة.
بين الحياة والموت: غزة تقاوم
رغم كل ذلك، لم تنكسر غزة. تحت الركام، تخرج مبادرات شبابية لتعليم الأطفال في خيام مؤقتة. أطباء يبتكرون حلولًا بدائية لإبقاء المرضى على قيد الحياة. وصحفيون يوثقون بالهواتف ما يجري، ليصل صوتهم إلى العالم.
الخاتمة: جريمة موثقة… وصمت دولي
في نهاية هذا التحقيق، تبقى الحقيقة أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد «نزاع» أو «عملية عسكرية». إنه ملف مفتوح أمام التاريخ: عشرات الآلاف من الضحايا، آلاف الأطفال المقتولين، مئات المدارس والمستشفيات المدمرة، قرارات محاكم دولية غير منفذة، وتواطؤ دولي يرقى إلى مستوى الشراكة في الجريمة. وكما يؤكد الباحث إبراهيم إبراهيموف، فإن غزة ليست مجرد ملف سياسي، بل مأساة إنسانية موثقة بأرقام ودماء، سيظل التاريخ يحاسب عليها الجميع.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجيا
...
-
طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر
...
-
طوفان الأقصى 729 - خطة ترامب للسلام في غزة - ورؤى روسية متبا
...
-
حين بيعت جمهورية بثمن ساندويش فلافل
-
طوفان الأقصى 728 - خطة ترامب لغزة: بين الوهم والواقعية... هل
...
-
طوفان الأقصى 727 - من غزو العراق إلى غزة: كيف يعود -كلب بوش
...
-
طوفان الأقصى 726 - خطة ترامب للسلام في غزة – بين تجديد الصرا
...
-
طوفان الأقصى 725 - ترامب بين النرجسية والخطر النووي - جدل حو
...
-
طوفان الأقصى 724 - إسرائيل على حافة العزلة الدولية: نحو نموذ
...
-
طوفان الأقصى 723 - آفي شلايم: المؤرخ الذي تخلّى عن الصهيونية
...
-
طوفان الأقصى 722 - إيران–العراق: الحرب العبثية
-
طوفان الأقصى 721 - نتنياهو يحرق آخر أوراق إسرائيل
-
طوفان الأقصى 720 - إسرائيل بين إسبرطة وقرطاج: من حصن إلى مقب
...
-
طوفان الأقصى 719 - الإعتراف الغربي بفلسطين: وردة في اليد وخن
...
-
طوفان الأقصى 718 - إعلان المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهي
...
-
طوفان الأقصى 717- الميثاق السعودي–الباكستاني وتحوّلات ميزان
...
-
طوفان الأقصى 716 - إسرائيل وقطر: من أمن العقاب أساء الأدب
-
طوفان الأقصى 715 - الفاشية التكنولوجية الإسرائيلية في القرن
...
-
طوفان الأقصى 714 - إسرائيل في قفص الإتهام: كيف يُعاقب العالم
...
-
هل يقصف ترامب فنزويلا؟.. حرب المخدرات كغطاء لنهب الثروات!
المزيد.....
-
عاجل| مصدر رسمي: التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي ال
...
-
ترامب: تقدم هائل نحو اتفاق غزة وسلام يشمل المنطقة بأسرها
-
محافظ حلب: -انتهاكات قسد- دفعت القوات الحكومية للتحرك
-
رئيس دولة الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
-
ملك الأردن يبحث مع الرئيس الأميركي خطة إنهاء حرب غزة
-
فيديو.. استمرار الاشتباكات في حلب وسط خسائر بين المدنيين
-
مصر.. استمرار المباحثات بشأن غزة وسط أجواء -إيجابية-
-
وقف إطلاق النار بعد ليلة دامية.. تفاصيل ما جرى في حلب
-
حريق وتماثيل مدمرة.. ماذا جرى في مبنى الكابيتول؟
-
ما موقف الرأي العام الأمريكي من إسرائيل بعد عامين من حرب غزة
...
المزيد.....
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|